مع
أن أول آية نزلت في القرآن الكريم هي "إقرأ"؛ إلا أن أمة إقرأ لا تقرأ؛
وهذا ما تؤكده دراسات كثيرة صادرة عن جهات معتبرة، وقد تناولتها عشرات التقارير
والمقالات المنتشرة على مواقع الإنترنت، والتي تظهر نفس الأرقام والإحصاءات
تقريبا، فبحسب "تقارير التنمية البشرية" الصادرة عن اليونسكو، فإن
المواطن العربي يقرأ أقل بكثير من كتاب واحد في السنة؛ بل أن كل 80 شخصاً بالكاد يقرأون
كتاباً واحداً في السنة. في المقابل، يقرأ المواطن الأوروبي سنويا نحو 35 كتاباً،
والمواطن الإسرائيلي 40 كتاباً. كما جاء في "تقرير التنمية الثقافية"
للعام 2011 الصادر عن "مؤسسة الفكر العربي" أن العربي يقرأ بمعدل 6
دقائق سنوياً، بينما يقرأ الأوروبي بمعدّل 200 ساعة سنوياً. وفي تقرير آخر نشره
موقع MBC جاء فيه أن كلّ 20 شخص عربي يقرؤون كتاباً واحداً، مقابل كلّ
شخص بريطاني يقرأ 7 كتب سنوياً. وكلّ أميركي يقرأ 11 كتاباً.
وقد نشر موقع "رصيف 22" تقريرا بهذا الشأن، أظهر
تفاوتا في الأرقام بين إحصائية وأخرى في معدّلات القراءة؛ وهذا التفاوت بسبب
الاختلاف في نوعية ما يتم قراءته، واستند التقرير إلى دراسة أجرتها شركة
"سينوفات" المتعددة الجنسيات لأبحاث السوق، عام 2008، جاء فيه أن
المصريين والمغاربة يقضون 40 دقيقة يومياً في قراءة الصحف والمجلات، مقابل 35
دقيقة في تونس، و34 دقيقة في السعودية، و31 دقيقة في لبنان. وإذا أضفنا قراءة
القرآن الكريم والتقارير الخاصة بالعمل وتصفح مواقع الإنترنت يرتفع الرقم، فيظهر
أن اللبنانيون يقرأون 9.8 ساعة في الشهر،
وفي مصر 9 ساعات، وفي المغرب 8.4 ساعات، وفي السعودية 6.3 ساعات. ومع ذلك يبقى
الرقم صغيرا جدا مقارنة بعدد ساعات القراءة بالنسبة للمواطن الأوروبي (16 ساعة في
الشهر، لا تشمل المجلات والصحف والإنترنت).
وبحسب
"تقرير التنمية الثقافية"؛ فإن عدد كتب الثقافة العامة التي تُنشر
سنوياً في العالم العربي لا تتجاوز الـ5000 عنوان. بينما حسب إحصاءات "Worldometers" فإن مجموع ما
تم طباعته في العالم عام 2015 يتجاوز 2.5 مليون كتاب. في الولايات المتحدة، على
سبيل المثال، يصدر سنوياً حوالى 300 ألف كتاب، في أمريكا الجنوبية (42000) كتاب.
في فرنسا بحدود (50000) كتاب. وفي "إسرائيل"، وفقا لمُعطيات المكتبة
الوطنية الإسرائيلية، فقد نُشر في عام 2014، (7628) كتاباً.
مع
الأخذ بعين الاعتبار أن عدد النسخ المطبوعة من كل كتاب عربي هو ألف أو ألفين، وفي
حالات نادرة يصل إلى 5 آلاف، بينما تتجاوز نسخ الكتاب المطبوع في الغرب عادةً
الـ50 ألف نسخة، وأحيانا تتجاوز المليون. أما عن نوعية الكتب الأكثر مبيعا فهي
الكتب الدينية أولا، تليها كتب الطبخ، وكتب الأبراج، والكتب "التجارية"
التي تتحدث عن تخسيس الوزن، ثم الروايات.
وحسب
تقرير نُشر على موقع "العربية نت"؛ يفترض أن يكون لكل ستة آلاف مواطن
مكتبة عامة، بمعنى أن الوطن العربي من المفترض أن يضم 50 ألف مكتبة عامة، بيد أن
عدد المكتبات العامة في الدول العربية مجتمعة لا يزيد عن 4500 مكتبة من كافة
الأحجام. وربما كان عدد المكتبات العامة ذات الوزن والأهمية في الوطن العربي يدور
حول 1000 مكتبة فقط. وإذا تحدثنا عن عدد المسارح
ودور السينما والمتاحف والأندية الثقافية فإن الأرقام ستكون أكثر من صادمة.
أما
في مجال الترجمة؛ فإن العالم العربي يترجم سنوياً خُمس ما يُترجَم في دولة
صغيرة مثل اليونان. وهناك تقديرات تقول أن الحصيلة الكلية لما تُرجم إلى العربية
منذ عصر الخليفة العبّاسي "المأمون" إلى العصر الحالي تقارب الـ10000
كتاب، وهذا العدد يساوي ما تترجمه "إسبانيا" في سنة واحدة. أي أن متوسط
الكتب المترجمة لكل مليون مواطن عربي أقل من كتاب واحد في السنة، بينما النسبة في
"إسبانيا" 920 كتاباً لكل مليون مواطن، وفي "هنغاريا" 519
كتاباً لكل مليون مواطن.
أما فيما يتعلق بإنتاج المعرفة، فيشير تقرير "التنمية
الإنسانية العربية"، وهو النسخة العربية عن تقرير التنمية البشرية الذي تصدره
"UNDP" بأن حجم ما ينتجه
العالم العربي من أدب وثقافة لا يتعدى 0.8% من الإنتاج العالمي، أي أن جميع الكتّاب
والمفكرين والأدباء العرب، وحتى الهواة ينتجون أقل من 1 % مما ينتجه العالم، علما
أن العرب يشكلون 5 % من سكان العالم !!
في فلسطين، ورغم أنها أقل الدول العربية في نسبة الأمية (انخفضت من 5.1% عام
2010 إلى 3.8% عام 2014)؛ إلا أن الأمية الثقافية متفشية، وواقع القراءة لا يختلف
كثيرا عن محيطها العربي، فمثلاً، من النادر أن تشاهد أحدهم في مكان عام يقرأ
كتاباً، من جانب آخر، يمكن القول أن جميع القرى الفلسطينية تقريبا بلا مكتبات
عامة، ولا تصلها الصحف المحلية، عدد المسارح ودور السينما في كل الأراضي
الفلسطينية معدود على الأصابع، قطاع غزة بأكمله ليس فيه سينما واحدة.
في
مجال النشر؛ وحسب إحصائيات موقع "SCImagoJR"، وهو أحد
المواقع الشهيرة عالمياً في مجال قياس الإنتاج العلمي؛ فقد تزايد عدد المنشورات
العلمية الصادرة من فلسطين من 22 عام 1996 إلى471 في العام 2013. وعدد المنشورات العلمية المتخصصة في نفس الفترة (3343) منشوراً, وبذلك فإن
فلسطين تحتل المرتبة (12) عربيا، والمرتبة 110 عالمياً، وتبلغ مساهمتها في فيما
ينشر عالمياً 0.02%.
ولفهم
هذه الظاهرة، البعض يربط بين الاهتمام بالقراءة وبين طبيعة النظام السياسي؛ بحيث
ترتفع معدلات القراءة حينما تزدهر الحريات؛ لأن المواطن في المجتمعات الديمقراطية
يعتبر نفسه شخصاً فاعلاً ومهما في الحياة العامة؛ لذلك يهتم بالقراءة وبالإنتاج
الثقافي والأدبي وبالمشاركة السياسية. وبنطرة سريعة على واقعنا العربي، ومعرفة
طبيعة أنظمته الفاسدة، ومكانة المواطن فيها، ونظرته تجاه الدولة والمجتمع وحتى
تجاه نفسه، وإذا علمنا أن متوسط نسبة الأمية في الدول العربية
22%، وتبلغ نسبة النساء من الشريحة الأمية 60%, (حسب تقرير التنمية البشرية
الصادر عن "UNDP" للعام
2015)، وإذا أضفنا إلى هذه المعطيات أن الملايين من العرب يعيشون تحت خط
الفقر، ويهتمون بتلبية حاجاتهم الأساسية لا بشراء الكتب، ستتضح بعض معالم الصورة
العامة، وسنعرف لماذا يلاحقنا التخلف مثل ظلنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق