حسب تقرير التنمية البشرية للعام 2015 الصادر عن
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) يبشّر
المقياس الإجمالي للتنمية المستدامة بمستقبل أفضل للعالم، مقارنة بالعام 1990، حيث
أنجزت مختلف البلدان تطورا ملموسا، وقد تحسّنَ المقياس بنسبة 20% على مستوى
العالم، فمثلا انخفضت معدلات الفقر (بمعيار 1.25 دولار للفرد يوميا) من 50%
إلى14% في نفس الفترة، وتضاعفت الطبقة الوسطى (4 دولارات للفرد
يوميا) ثلاثة أضعاف من 18% إلى 50%. وانخفضت نسبة الذين يعانون من سوء التغذية من
23% إلى 13%. وانخفض عدد الذين يعيشون في فقر مدقع من 1.9 مليار إلى 836 مليون
شخص. وفي مجال الصحة تناقصت نسبة وفيات الأطفال للنصف، وزادت نسبة الأطفال الذين
يتلقون لقاحات من 73% إلى 84%. وتراجعت نسبة الوفيات للنساء أثناء الولادة بنسبة
45%، وانخفضت الإصابات بمرض الإيدز بنسبة 40%، وانخفض معدل الإصابة بالملاريا
بنسبة 37%، كما انخفضت الإصابات بالسل بنسبة 41%. وفي مجال الاتصالات مثلا قُدر
عدد الهواتف الخلوية بِ 7.1 مليار، (سكان العالم 7.3 مليار نسمة)، وقُدر عدد
مستخدمي الإنترنت بِ 3.2 مليار.
ومع كل هذا التحسن، ما يزال الوضع بائساً؛ حيث
يعاني 795 مليون إنسان من الجوع المزمن، يموت منهم نحو 20 ألف إنسان من الجوع
يومياً، وبسبب نقص الخدمات الصحية يموت كل دقيقة 11 طفل، و33 أُمّـاً كل ساعة.
وهناك 60 مليون طفل ناقصي الوزن بشكل خطير؛ في حين يعاني من السمنة نحو 2.1 مليار،
ويعيش نحو 660 مليون إنسان على مياه شرب غير نظيفة، ونحو 2.4 مليار إنسان بدون
مراحيض، إلى جانب 880 مليون إنسان يقيمون في مساكن مزرية وعشوائية على أطراف
المدن. وهناك 57 مليون طفل لا يلتحقون بالمدارس، ونحو 168 مليون طفل مضطرون للعمل
بشكل غير قانوني. ويطال شُـح المياه 40% من سكان العالم. وتحصد
الأمراض غير المعدية أو المزمنة حياة 38 مليون شخص سنويا، ثلاثة أرباعهم من
البلدان الفقيرة، وهناك أكثر من 780 مليون أمي في العالم، أكثرهم يعيش في ظروف
خطرة، ويتعرض سنويا 4.5 مليون إنسان للاستغلال الجنسي، وهناك 21 مليون شخص يعملون
بالسخرة والإكراه. ويقدر حجم تجارة المخدرات السنوي بأكثر من 300 مليار دولار،
يليها في التجارة غير المشروعة الإتجار بالبشر (150 مليار دولار سنويا)، وقد غرق
في البحر المتوسط العام 2014 أكثر من 3500 شخص أثناء هروبهم إلى أوروبا. وتبقى
الحروب أكبر تهديد يواجه العالم اليوم، فمع نهاية العام وصل عدد الذين هُجّروا من
بلادهم نحو60 مليون إنسان، وهو أعلى رقم للمهجّرين منذ نهاية الحرب
العالمية الثانية. ولا غرابة من هذه الأرقام إذا علمنا أن 1% من سكان العالم
يستأثرون بنصف الثروة العالمية، بينما 80% من سكان العالم يستخدمون 6% من ثروته !
يبني التقرير بياناته استنادا إلى معايير متوسط
الدخل وجودة التعليم والصحة، إضافة للمعارف والمهارات، والفرص، والأمن الاقتصادي
والمعاشي، ومعدل عمر الفرد، وتمكين المرأة، وحرية التعبير. تتراوح القيمة بين (0 ~
1) ولا تصل البلدان، عادة، إلى إحدى النهايتين. ويقسم التقرير البلدان حسب
مستوياتها في التنمية البشرية إلى أربع فئات: عالية جدا (0.800 فأكثر)؛ وعالية (من
0.700 ~ 0.799)؛ ومتوسطة (من 0.55 ~ 0.699)؛ وواطئة (أقل من 0.550). وقد إزداد عدد
البلدان في الفئة العالية جدا من 12 إلى 46 وسكانها من 0.5 مليار إلى 1.2 مليار
نسمة بين عامي 1990 و 2014. وفي نفس الوقت إنخفض عدد البلدان واطئة التنمية من 62
إلى 43 وسكانها من 3.2 إلى 1.2 مليار نسمة.
جاءت النرويج في المرتبة الأولى، بمؤشر (0.944)،
ومتوسط عمر الفرد (81.6 سنة)، ومتوسط سنوات التعليم (12.6 سنة). تليها أستراليا،
ثم سويسرا، الدانمارك، هولندا، ألمانيا، إيرلندا، الولايات المتحدة، كندا،
نيوزلندا، وسنغافورة. (إسرائيل
في المرتبة 18)، أما الدولة الأخيرة وتسلسلها 188 فهي النيجر، ومؤشرها (0.348)،
ومتوسط عمر الفرد (61.4 سنة) ومتوسط سنوات التعليم (1.5 سنة).
أما
مؤشرات الدول العربية، فهي بالمتوسط (0.686)، ومتوسط عمر الفرد (70.6 سنة)، وهو
أقل من المستوى العالمي (71.5 سنة). ومتوسط سنوات التعليم (6.4 سنة)، وهو أيضا أقل
من المستوى العالمي (7.9 سنة). ومعدل دخل الفرد العربي (15722$) وهو أكثر قليلا من
المتوسط العالمي (14301 $)، وهو في النرويج (64992 $).
وجاءت
قطر في مقدمة الدول العربية بمؤشر (0.85) وفي
المرتبة 32 عالميا، تليها السعودية في المرتبة 39، فالإمارات 41،
فالبحرين 45، فالكويت 48. وجاءت في الدول ذات التنمية المرتفعة سلطنة عمان في المرتبة 52، ثم لبنان 67، فالأردن 80، فالجزائر 83، فتونس 96.
في الدول ذات التنمية المتوسطة جاءت
مصر في المرتبة 108، فلسطين 113، العراق 121، المغرب 126،
سوريا 134. وفي
التنمية المنخفضة موريتانيا في المرتبة 156،
جزر القمر159، اليمن 160، السودان 167، جيبوتي 168،
جنوب السودان 169.
وتتفاوت نسبة مشاركة النساء في سن العمل في النشاط
الاقتصادي. في النرويج مثلا مشاركة النساء 61.2%، بينما في البلاد العربية منخفضة
جدا، وتبلغ 23.2% (المتوسط العالمي 50.3%)، وما تزال المرأة تعاني من التمييز في
الوظائف وفي الأجور، ويقل ما تكسبه في عملها عن الرجل بنسبة 24%، وهي لا تشغل سوى 25% من
المناصب الإدارية والقيادية (عالميا). وحسب التقرير تبلغ نسبة البطالة في
البلاد العربية نحو 30%. والأمية 22%، وهي في العالم بالمتوسط 18.8%.
أهمية هذا التقرير، ليست فقط في تعريف من
أراد أن يعرف، أو كشف الحقائق المرعبة لمن كان يجهلها، خاصة على المستوى الإنساني؛
بل لأنه على المستوى العربي، يُظهِر الكثير من نقاط الضعف؛ فمثلا، لا ينعم المواطن
بالأمن، ومسيرة التنمية متعثرة، خاصة في الدول غير النفطية، ومعظم الحكومات تشوبها
قضايا فساد، والحريات مقيدة، والصراعات الداخلية استنزفت الكثير من الأرواح
والمقدرات، بسبب تفشي الروح الطائفية والعدائية، وتفشي العنف غير المنظور الذي
يُمارس في البيوت على النساء والأطفال، فضلا عن البطالة والفقر والأمية وتدني
الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق