يظن الكثيرون أن العمليات الإرهابية (بغض النظر عن منفذيها) تتطلب
تقنيات معقدة وتكاليف باهظة وتخطيط دقيق وتنسيق على أعلى المستويات .. وفي حقيقة
الأمر هذا ليس صحيحا؛ بل إن تنفيذ العمليات الإرهابية مسألة في غاية السهولة !!
على سبيل المثال، حينما وقعت عمليات تدمير برجي التجارة في نيويورك
(11 أيلول) صوّرها الإعلام آنذاك على أنها عمليات بالغة التعقيد، تتطلب تقنيات
واتصالات واختراقات وتخطيط إستراتيجي لا يستطيع تنفيذها إلا أجهزة مخابرات دولية
على درجة عالية من الكفاءة والخبرة .. وتبين فيما بعد أن من خطط لها عصابات تقيم
في كهوف أفغانستان. ولو دققنا في الموضوع لوجدنا أن كل ما لزم لتنفيذها هو تدريب
عدة أشخاص على الطيران، وخطف طائرتين في نفس اليوم، والاستيلاء على قمرة القيادة،
ثم خبط الطائرة في العمارة .. مع علمنا أن إجراءات الأمن في المطارات الأمريكية
قبل ذلك التاريخ كانت بسيطة ويمكن اختراقها بكل سهولة، وعملية الاصطدام يستطيع أن
ينفذها أي طيار غبي.
عملية إسقاط الطائرة الروسية في سيناء احتاجت إلى عبوة متفجرات بوزن
1 كغم من أرخص نوع، وشخص وضعها في حجرة الحقائب، لتنفجر بعد مدة معينة وهي في
السماء، وقوانين الفيزياء تكفلت بالباقي .. واليوم بواسطة كمبيوتر عادي ومستخدم
مبتدئ عن طريق "جوجل" يمكن معرفة مواعيد إقلاع وهبوط أي طائرة في أي
مطار في العالم وقبل موعدها بسنة كاملة، وتفاصيل الرحلة ونوع الطائرة ... وبواسطة "الجوجل
إيرث" يمكن معرفة تفاصيل الحالة بكل مكوناتها عن أي منطقة في العالم .. ما
يعني أن الحصول على المعلومات الاستطلاعية أمر في غاية البساطة ..
وإذا احتاجت أمريكا تقنيات ضخمة جدا لصناعة أول قنبلة ذرية، فإنه اليوم
بوسع أي دولة فقيرة، أو حتى عصابة أن تصنع قنبلة كيميائية يوازي تأثيرها القاتل
قنبلة ذرية صغيرة، وكل ما تحتاجه مختبر بسيط، وخريج كيمياء (حتى لو كان راسب
بالمواد الأخرى) وبعض المواد الأولية .. والأسهل منها، والأكثر خطورة هو القنبلة
الجرثومية، والتي يمكن لشخص واحد أن يحملها في سيارته ويجوب أي مدينة دون أن يثير
أي شكوك، وينشر فيها عدوى قاتلة ..
العمليات التفجيرية التي يروح ضحيتها الآلاف كل عام، تحتاج فقط إلى
حزام ناسف (صار متوفرا بكل سهولة في الأسواق السوداء، ولدى تجار السلاح) وشخص
مستعد لحمله. ويمكن لبضعة أشخاص ترويع مدينة كاملة، من خلال بعض الأعمال التخريبية
وتكرارها على نمط معين، وتصوير الأمر على أن المدينة ساقطة أمنيا، وأنها بحوزتهم. كما
يمكن تصوير ملثم وهو يلقي خطبة ما، أو طباعة بيان تهديد ووعيد، ومع تقنيات
الفوتوشوب يمكن تزوير أي شعار، والإدعاء بتبنّي أي عمل، أو اختلاق أسماء لمجموعات
جديدة وهمية، وعلى الإعلام تولي الباقي، خاصة مع رواج سياسة صناعة الخوف.
مختصر الكلام، أن العمليات الإرهابية مهما كان نوعها، تحتاج فقط
إلى أشخاص لديهم الاستعداد لتنفيذها، وما بعد ذلك من أدوات وتقنيات وتخطيط أمر
يمكن توفيره بسهولة مدهشة .. وأخطر ما في الموضوع أن عمليات تجنيد الانتحاريين
تبين أنها سهلة جدا، بدليل الأعداد الهائلة منهم والتي تتزايد سنة بعد أخرى .. خاصة
في المناطق العشوائية والمهمشة وجيوب الفقر، ومع انتشار البطالة وتفشي اليأس، وغياب
أي مشروع تقدمي إنساني ..
والجماعات الإرهابية والعصابات وأجهزة المخابرات في استقطابها
للإرهابيين والانتحاريين، تستخدم وسائل الابتزاز والرشوة والتضليل، ولا تتورع عن
استخدام الأطفال، وحتى ذوي الإعاقات العقلية .. وتستغل الشباب اليائس والفاشل، وتمنّيهم
بالوعود، وبالحور العين، وتحاكي نزعاتهم الإجرامية بالقوة والتسلط والمغامرة،
وتفريغ غضبهم وكبتهم وشحنات العنف المختزنة في دواخلهم، وبث أحقادهم على المجتمعات
التي كانوا يعيشون فيها، وتعبأهم بالشعارات البراقة التي تحتقر الحياة، وتعلي من
شأن الموت (تحت مسمى الشهادة).
وبذلك، تصبح المعركة في مواجهة هؤلاء في غاية الصعوبة، لأن الحياة
والموت بالنسبة إليهم سيّان، (المقصود بذلك الشبان الانتحاريين، أما قياداتهم فهي
مختبئة في حصن حصين) .. من هذا المنطلق فإن ضرب أوكار الإرهابيين، وقصفهم
بالطائرات، وقتل عناصرهم ورموزهم لن يقضي على الإرهاب، بل على العكس ..
وقديما قيل: بدلاً من قصف البعوض بالمدفع، جفف المستنقعات التي
تحتضن بيوضها .. لكن الدول الكبرى، بدلا من محاربتها للإرهاب، فإنها تستغله؛ بخلق
حالة من الخوف، واختلاق أعداء جدد، وتضخيم قوتهم، ثم الإدعاء بمحاربتهم .. كل ذلك
من أجل ديمومة سياسة النهب، والسيطرة، وتمرير السياسات التي لا يستطيعون تمريرها في
حالات الأمن والسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق