ثمة علاقة جدلية بين حقوق "الوكيل
الحصري" لمنتج معين من جهة، وبين حماية حقوق "المستهلك" من جهة
أخرى؛ فالوكيل يحتفظ بحقه الحصري باستيراد المنتج، الأمر الذي يمكنه من تحديد
السعر الذي يريده، وهو غالبا ما يغالي فيه، بينما المستهلك يريد الحصول على هذه
السلعة بأقل سعر ممكن، وفي بعض الأحيان يجد نفسه مضطرا لشراء سلعة معينة لا تتوفر
فيها شروط الجودة التي يطلبها، وذلك لعدم توفر بدائل. هذه المعادلة الصعبة التي
تبدو في ظاهرها متناقضة تحاول وزارة الاقتصاد الوطني حلّها بطريقتها الخاصة، فإلى
أي مدى نجحت في ذلك ؟!
في مقابلة مع مسجل الوكالات التجارية في
وزارة الاقتصاد السيدة "مها حسونة" قالت إن قانون تنظيم أعمال الوكلاء
التجاريين لسنة 2000، يعطي الحق الحصري للوكيل باستيراد أي سلعة معينة، وعلى
الجهات ذات العلاقة أن تحمي حقه بذلك، وبالتالي إذا تقدم أي وكيل بشكوى على مورّد
آخر بأنه يسوّق نفس المنتج، فإن الوزارة من خلال المحكمة المختصة تقوم بمصادرة
البضائع من التاجر الذي اعتدى على حق الوكيل الحصري.
وفي معرض حديثها
أشارت "حسونة" إلى جملة من الصعوبات التي تحول دون توفير حماية حقيقية
للوكيل، أهمها عدم وجود معابر فلسطينية مستقلة، وعدم إمكانية ضبط الحدود، الأمر
الذي يسهّل على أي تاجر إدخال بضائع عن طريق إسرائيل.
لكن
"حسونة" أكدت على ضرورة تطوير القانون الحالي وصياغة
مسودة جديدة له، نظرا لعدم فاعليته بالشكل الكافي، ولوجود بعض الثغرات والنواقص
فيه، بالإضافة إلى ضرورة مراقبة السوق وعدم فتحه على مصراعيه أمام الموردين
الأجانب دون وجود أحكام وضوابط تحمي المستهلك الفلسطيني من المغالاة في الأسعار، وبحيث نمنع الاحتكار
والتحكم في السوق، مقترحة إلغاء الوكالات خاصة على السلع الأساسية، سيّما وأن دول
العالم تتجه نحو إلغاء ما يسمى بالوكيل الحصري، من أجل فتح باب المنافسة، وتحرير
السوق من الاحتكار.
من جهته أفاد السيد
"جمال أبو فرحة" مدير عام "الإدارة العامة لحماية المنافسة ومنع
الاحتكار"، بأن السلطة الوطنية تنبهت لمثالب القانون الحالي رقم (2) لسنة
2000، فقامت بإعداد مسودة قانون المنافسة ومنع الاحتكار عام 2002، لكن هذا القانون
لم يُقر حتى الآن، ورغم ذلك فإن وزارة الاقتصاد أنشأت إدارة عامة خصيصة لهذا
الموضوع بسبب أهميته القصوى في تنظيم السوق. وأضاف "أبو فرحة" بأن من
أولويات إدارته تشجيع مبدأ التنافس، الأمر الذي يعني عدم وجود وكلاء حصريين، لأن
وجود وكيل حصري يعني إمكانية هيمنته على السوق، وبالتالي فإنه قد يرفع السعر
بالقدر الذي يريده، وقد يستورد منتجات لا تتوفر فيها الجودة المطلوبة، بإعتبار أن
المستهلك مجبَر على شراء سلعته، لعدم توفر بديل عنها، بينما إلغاء الوكالات يفتح
باب المنافسة على الجودة والسعر، وفي هذا مصلحة للمستهلك أولاً. مؤكدا على أن
المنافسة ومنع الاحتكار لا تتعارض مع جذب الاستثمارات، بل تشجعها، وأن منظمة
التجارة العالمية لا تشترط على أي دولة توفير حماية للوكلاء، بل تهتم بإزالة
العوائق الجمركية.
وفي شرحه لخطورة
الاحتكار أوضح "أبو فرحة" بأن التجار المحتكرين في حالة عدم وجود قوانين
فاعلة ورادعة لتشجيع التنافس وتنظيمه فإنها تلجأ إلى تجاوز القانون والإلتفاف عليه
من خلال الهيمنة على السوق، أو الاستحواذ عليه، وتحديد السعر دون ضوابط، أو من
خلال اتفاق ضمني بين مجموعة تجار على تقاسم جغرافي أو سلعي يمكّنهم من التحكم
بالسعر دون منافسة حقيقية، موضحا أن تلك الإجراءات تعتبر جرائم اقتصادية يعاقب
عليها القانون.
أما رئيس
قسم حماية المستهلك في محافظة رام الله المهندس "محمد طروة" فقد أجاب
بأن الوزارة تهتم أولاً بحماية المستهلكين، ولكنها في نفس الوقت تحمي أصحاب
الوكالات، من خلال منع التعدي على حقوقهم الحصرية التي أقرها القانون، وأضاف
"طروة" بأننا نراقب المنتجات ونتأكد من صلاحيتها للإستهلاك، ومن توفر
شروط الجودة حسب المواصفات الفلسطينية، وهذا بحد ذاته حماية للمستهلك، ولكننا لا
نتدخل في تحديد السعر، باعتبار أن السوق الفلسطيني سوق مفتوح، قائم على التنافسية،
مع شريطة إشهار التسعيرة. معترفا بأن الكثير من الوكلاء يقومون برفع السعر دون أن
يكون هناك مبرر حقيقي، وهذه مشكلة تستعصي على الحل في بعض الأحيان، طالما بأن
قانون المنافسة ومنع الاحتكار غير مقر. وهذه المعضلة ناشئة أساسا من كون الوزارة
تقوم بأدوار متعارضة مع بعضها، لأنها كجهة حكومية مسؤولة عن مواطنيها تقوم بدورها
في حماية الوكيل وحماية المستهلك في نفس الوقت، كما تقوم بحماية المصنع وحماية
المستهلك الذي يشتري منتجات هذا المصنع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق