في
كتابه الشيق من القمة إلى الهزيمة ذكر المرحوم "أحمد الشقيري" أن الراحل
الملك "الحسين بن طلال" كان قد أهدى جميع الرؤساء والملوك العرب في
القمة العربية الأولى التي عقدت في القاهرة 1964، أهدى لكل واحد منهم وحتى لنوابهم
وللوفود المشاركة "بكسة" عنب خليلي، كان قد جمعها من كروم حلحول، وهذه
الهدية على بساطتها حملت معاني سياسية مهمة، لكن أهم ما فيها هو تقديره لعنب حلحول
المشهور بحلاوته وجودته الفائقة.
وفلسطين لا تشتهر بعنب الخليل وحده، فكل
مدينة وقرية تشتهر بفاكهة معينة، تقطر عسلا .. بطيخ جنين، مشمش جفنا، جوافة
قلقيلية، التين التلاوي، البرتقال اليافي، الموز الريحاوي، الفراولة الغزية ... وقد
عاش الفلاح الفلسطيني لقرون طوية على خيرات هذي الأرض، زرعها بعرقه، أحبها فأحبته،
وصارا صنوان .. ولكن هذا المشهد الفلكلوري على وشك الأفول ..
اليوم، وللأسف الشديد تجوب أسواق المدن
الفلسطينية كلها فلا تجد إلا الفواكه (والخضار) المنتجة في المستوطنات والمزارع الإسرائيلية،
فواكه لم نألفها من قبل، زُرعت وفق التقنيات الحديثة، ببذور مهجنة ومحسنة وراثيا،
وباستخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية، وبعضها في المحميات البلاستيكية .. فظهرت
رائعة من حيث الشكل، لكنها بلا رائحة، وبطعم باهت .. لكن هذا ليس هو المهم في
الموضوع، الخطير في الموضوع أنها فواكه مبكرة، تنزل للأسواق قبل أوانها الطبيعي،
وبعبوات مغرية للتسوق وأسعار منافسة .. فيُقبِل عليها المواطنون، وعندما يحين أوان
بطيخ جنين والبقيعة، وعنب الخليل وفراولة غزة وغيرها من المنتجات الوطنية يكون
المستهلك قد شبع منها، وربما لم تعد له رغبة بتناولها، وصارت أسعارها منخفضة،
وبالكاد تسدد جزءاً من قيمة تكاليفها، الأمر الذي يعني خسارة متكررة للمزارع
الفلسطيني.
قبل أيام قام مزارعو سهل مرج بن عامر وسهل
البقيعة بحراثة محصولهم من البطيخ، لأنه لم يعد من المجدي قطفه وتسويقه، وهذا
الأمر تكرر أكثر من مرة، وفي أكثر من محصول .. ما يعني أن المزارع الفلسطيني إذا
بقي على هذا الحال فسيترك الزراعة كليا، لأنها صارت مشروعا خاسرا ..
ورغم الوعي الشعبي لأهمية هذا الموضوع من
النواحي السياسية والوطنية، ورغم كل الشعارات الكبيرة لدعم وتثبيت المزارع
الفلسطيني، ورغم حملات ونداءات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية؛ إلا أننا جميعا نتحمل
مسؤولية هذا التقصير الفظيع بحق بلدنا وشعبنا .. وزارة الزراعة، والسماسرة،
والمستهلكون .. بعض السماسرة مقابل أرباح إضافية على استعداد تام لتقبل فكرة موت
وانتهاء الزراعة الفلسطينية، والمواطنون أيضا شركاء في هذه الجريمة ..
عنب الخليل بعد أن كان هدية قيّمة تُقدَّم
للملوك، صار يستجدي من يشتريه .. يا خسارة ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق