منذ مدة، تراودني نفسي بأن أجمّد حسابي على
الفيسبوك، أو حتى إلغائه نهائيا .. لكني في كل مرة أتراجع، أو أؤجل الموضوع إلى
حين.. ما يدفعني لهذا القرار هو شعوري بالسخط والإحباط من المواضيع المنشورة،
وكثيرا ما أتساءل: هل الناس جُنّت وصارت تكتب بلا وعي ؟ أم أنهم في الأصل مجانين
وأغبياء، وكل ما في الموضوع أن الفيسبوك كشفهم، بعد أن صار بمقدور أي مواطن أن
يصبح كاتبا وصحافيا وحاكما وجلادا !!
أحيانا أفكر بانتقاء مجموعة صغيرة من الأصدقاء
الذين أنسجم معهم وأكتفي بهم. لكن هذا يعني الانعزال في برج عاجي، والترفع عن
قضايا الناس الآخرين .. لذلك لدي أصدقاء من مختلف البلدان، ومن شتى الاتجاهات
والتنظيمات، أختلف بشدة مع كثير منهم، لكن هذا هو الاختبار الحقيقي لتقبل الرأي
الآخر، وتحمّل النقد؛ فمن غير الممكن أن نكون جميعا متشابهون في الرأي والتوجه
والفكر. ومن ناحية ثانية هذا يتيح لنا فرصة التعرف على وجهات النظر المخالفة، لنتعلم
منها..
ليس واضحا لأحد – حتى الآن على الأقل – ما هي هوية
الفيسبوك ؟ هل هو ساحة للحوار ونشر المعلومات والآراء والأشياء الجادة ؟ أم هو
ملعب للتسلية وتمضية الوقت، ونشر صور العائلة ؟ أم هو خليط من هذا وذاك، مع حرية
الاختيار؟
البعض مغرم بنشر صوره الشخصية، وهذا حق طبيعي له،
فليس شرطاً أن يكون الجميع نقاداً وكتّاباً ومفكرين .. لكن ألا تكفي صورة واحدة كل
أسبوع مثلا !؟ البعض يرغب بنشر صور أكلاته المفضلة، واستعراض مهارات الطبخ، آخرين
يردون عليهم بأن هذا استفزاز لمشاعر المشردين واللاجئين .. علما بأن هؤلاء ليس
لديهم ترف الفيسبوك اصلاً .. البعض يحب أن يطلعنا على كل تحركاته: وين راح، من وين
جاي، في أي مقهى بشرب قهوة، شو جاي عباله، كيف حال مزاجه؟ رايق ومبسوط، ولا منكد
ومريض .. على كل حال الفيسبوك في أحد أشكاله هو لتناقل الأخبار الاجتماعية، أو
للتعبير عما يجول في خاطرنا .. بس ما تزودوها يا جماعة ..
لي أصدقاء شخصيين أرغب بإبداء الإعجاب بهم ولو من
باب المجاملة، لكني أنتظر طويلا قبل أن ينشروا شيئا يستحق الإعجاب، ومنهم من ينشر
مواضيع تافهة، فأخجل أن أعلق عندهم احتراما للصداقة .. خاصة جماعة "أنشرها
ولك الأجر" و"جمعة مباركة" و"هل ترضاه لأختك" ... أو أولئك
الذين يصدقون تلفيقات الفوتوشوب، وقصص الجن والكرامات والخراريف، والبطولات
الزائفة.. هؤلاء لا أعرف كيف أجادلهم، فأكتفي بالمرور ..
صحيح مش مطلوب من كل واحد يكون أستاذ عربي؛ بس مش أخطاء
إملائية قاتلة، أو الكتابة بأحرف إنجليزية، إضافة إلى دعوات الألعاب، والزج في
مجموعات لا علاقة لنا بها، أو عمل Tag لمواضيع لا تهمنا .. وأحيانا جماعتنا بزودها شوية، مثلاً، ما أن
يتساقط بعض الثلج، حتى تتلون صفحات الفيسبوك بالأبيض، أيام التوجيهي لا تجد إلا
التهاني والتبريكات، يوم الجمعة يتحول الجميع إلى مؤمنين، في رمضان يتحول الفيس
إلى محراب، كما لو أن التدين موسمي !! الأدعية والابتهالات مكانها في جوف الليل،
حين يخشع المؤمن بين يدي ربه، ويتضرع إليه بصدق، وليس على صفحات الفيس، ومع ذلك من
المفيد نشر نصائح وحِكَم لعل أحدا يستفيد منها ..
أكثر ما يغيظني التذاكي، والإدعاء بمعرفة خبايا
الأمور، وتلك التعليقات السخيفة، والتحريض الطائفي، والحث على العنف والعصبوية، والدعوة
للأحقاد.. وصور القتلى .. أو إلقاء اللوم علينا (نحن المواطنون العاديون) وتحميلنا
مسؤولية اللاجئين، وحصار اليرموك، وقصف اليمن، وتفجيرات داعش، ومسلسل الهزائم
العربية ..
ومع ذلك، أحيانا نجد على الفيسبوك ما هو جميل وممتع:
صورة رائعة، لقطة مميزة، نكتة، قصيدة، مقال جيد، قصة شيقة .. لكن كثيراً ما نهدر
وقتنا ونحن نبحث عن مثل هذه الأشياء دون طائل ..
تمنح المواقع الإلكترونبة بمختلف تسمياتها ثواني
معدودة لأي قارئ حتى تجلب انتباهه، وتجعله يقرأ الخبر أو المقال أو البوست
المنشور، وسبب قصر هذه الفترة هو الازدحام الشديد لما هو معروض، وشدة التنافس فيما
بينها، وميل القراء لما هو خفيف وسريع، ومع ذلك؛ فقد لجأ الكثير من الكتّاب لمواقع
التواصل الاجتماعي لنشر مقالاتهم وآرائهم، خاصة بعد أن ضاقت بهم الصحف، أو لأن هذه
المواقع أوسع انتشارا.
ربما لهذه
الأسباب سنظل متعلقين بالفيسبوك حتى لو لم يعجبنا .. فالحياة نفسها فيها عشرات
الأشياء التي لا تعجبنا، ونكرهها، ومجبرين عليها .. ومع ذلك متمسكون بالحياة !!
وسلامتكم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق