في مثل هذا الوقت من العام الماضي تم توقيع
اتفاق الشاطئ، الذي بموجبه تم تشكيل حكومة التوافق المرحلية، التي أوكل إليها مهمة
التحضير للانتخابات العامة. حينها استبشرنا بالاتفاق خيراً، وعوّلنا عليه الكثير
بأنه سينهي هذا الانفصال البغيض، وسيعيد للقضية ألقها ومكانتها على الساحة
الدولية. في ذلك الوقت شكّكَ البعض في إمكانية نجاح الاتفاق وتنفيذ بنوده؛ رأى بعض
المحللون أن حماس وافقت على التوقيع مُكرهة، وتحت وطء الظروف الإقليمية التي أخذت
تضغط عليها، وتسلبها خياراتها. وحسب هؤلاء، فإن حماس آنذاك كانت قد خسرت أهم
حلفائها التقليديين بسبب الأزمة السورية، حيث خسرت سورية، أهم موطئ قدم في جغرافية
المنطقة، وخسرت إيران أهم مصدر تمويل، ثم خسرت مصر بعد الإطاحة بمرسي، ثم السعودية
التي انقلبت على جماعة الإخوان بشكل عام، ولم يتبقى لها سوى قطر، التي صارت عبئا
عليها، وعلاقتها بها تعرضها للانتقاد، وعلى الصعيد الداخلي تعمق مأزق حماس في
حكمها لقطاع غزة، حتى وصلت الأمور بأنها لم تعد قادرة على الإيفاء بالتزاماتها
المالية تجاه موظفيها، وتجاه الاحتياجات الأساسية للسكان، وترافق ذلك مع تفاقم
العديد من أزمات القطاع على كافة المستويات، خاصة بعد سنوات عجاف من الحصار
والحروب والتدمير.
ولكن، وحتى لو كان هذا الطرح صحيحا -
وأظنه كذلك نسبيا - إلا أن حماس تظل جزءاً أساسيا ومهما من الشعب الفلسطيني ومكونا
رئيسا في نظامه السياسي، ولا يمكن استبعادها بأي حال، بل أن عودتها للصف الوطني
مرحبٌ به في أي وقت، ومهما كانت دوافعه، ورغم أنها - حسب وجهة نظري - تتحمل الجزء
الأكبر من المسؤولية؛ إلا أنه من غير العدل تحميلها كامل المسؤولية عن استمرار
الانقسام، وتأخر إعمار غزة وإنهاء الحصار وعدم تحديد موعد للانتخابات ..
ولكن، وعلى مدار العام المنصرم تكشفت
الكثير من الحقائق التي بينت بشكل جلي أن حماس أرادت من خلال هذا الاتفاق المراهنة
على الوقت، إلى حين تغير الظروف الإقليمية، وتتمكن من استعادة قدرتها على إدارة
القطاع، أو تحميل أعباء غزة بكل احتياجاتها ومشكلاتها على حكومة التوافق، دون أن
تخسر ميزة حكمها له، بدليل أن مطالب حماس الرئيسية تلخصت في دفع رواتب موظفيها، في
نفس الوقت الذي رفضت التخلي عن الأجهزة الأمنية، ولم تسمح لحكومة التوافق بممارسة
مهامها في الوزارات التي من المفروض أنها تابعة لها، بل أنها كانت تفرض إقامة
جبرية على الوزراء لدى وصولهم إلى غزة، وتقيد حركتهم، وتتحكم بمن تسمح لهم
بمقابلتهم، كما أنها ما زالت تتلكأ بموضوع تسليم معبر رفح للرئاسة، ولم تعطي موقفا
واضحا وصريحا فيما يخص إجراء الانتخابات؛ بل أنها ممعنة في تكريس الانقسام، إذْ
أنها ما زالت تفرض قوانينها الخاصة، ومؤخرا فرضت ضرائب جديدة على التجار.
وعلى هذا الأساس؛ فإن الوضع لن يتغير،
والانقسام لن ينتهي، وستبقى حماس متمسكة بحكمها لغزة .. وقد كشف تصريح "الزهار"
حقيقة نوايا حماس تجاه المصالحة، فقد عبّرَ بكلام واضح أنه لا مانع لديه من عودة
الإدارة المدنية، أو إقامة حكم ذاتي لقطاع غزة، أو إعلان دويلة .. وأن هذا لا يعني
التخلي عن فلسطين !! وسابقا صرح "موسى أبو مرزوق" بأن المفاوضات
المباشرة مع إسرائيل ليست حراما؛ ما يرجح صحة المعلومات التي تسربت عن مفاوضات
خلفية تجري بين حماس وإسرائيل بشأن تثبيت الوضع في غزة على نحو يكرس الإنقسام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق