في رام الله، قام نشطاء من
فتح بإتلاف محتويات شاحنة محمّلة ببضائع إسرائيلية، وتكرر الأمر في أكثر من مدينة،
وكانت ردود الفعل كما جرت العادة بين مؤيد ومعارض، علما بأنه سبق أن تم تحذير
التجار والموزعين بأنه تقرر منع البضائع الإسرائيلية من دخول الأسواق الفلسطينية، وأُعطوا
مهلة زمنية معينة، فضلا عن حملات عديدة سابقة دعت فيها الفصائل لمقاطعة المنتجات
الإسرائيلية .. قد تبدو عملية سكب محتويات الشاحنة على دوار المنارة منفّرة من
الناحية البيئية، وقد تكون مخالفة قانونية لاتفاقية باريس .. لكن، أحيانا يلزم
ممارسات ثورية لفرض إرادة وطنية، وبدونها تبقى الدعوات مجرد شعارات وكلام معلق في
الهواء .. تسلم إيدين الشبيبة ..
وهنا أود التوضيح أنه بالنسبة
لي ولعائلتي فنحن ملتزمون بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية منذ زمن طويل، وهو ما
تفعله معظم العائلات الفلسطينية، وهو التزام أخلاقي وطني بإرادة حرة، ودون توصية
من أحد. وهذا لا يقلل من أهمية حملات التوعية التي تقوم بها فصائل العمل الوطني
بضرورة المقاطعة.
ومقاطعة المنتجات
الإسرائيلية – رغم أهميتها – إلا أنها لا تصب بالضرورة لصالح المنتج الوطني، وهذه
قضية أخرى مختلفة، لها سياقات قد تتصل في كثير من النواحي مع موضوع المقاطعة، مع
التأكيد على أن دعم المنتج المحلي هو خيار وطني، الهدف منه تحسين فرص الاقتصاد
الفلسطيني للنمو، وللتحرر قدر المسطاع من هيمنة الاقتصاد الإسرائيلي، وهذا الدعم
لا يتحقق من خلال تخويف التجار والموزعين، وإرغامهم على المقاطعة، ولكن من خلال
سياسة عامة وتخطيط إستراتيجي يتضمن العديد من النقاط، التي لا يتسع المجال لذكرها
هنا، علما بأن مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة قد حدد خطة متكاملة للنهوض بالمنتج
الوطني، أعتقد أنها إذا طُبقت بأمانة ستُحدث قفزة كبرى في نوعية وجودة المنتج
الوطني، وجعله قادراً على المنافسة وفرض نفسه كخيار أول بالنسبة للمستهلك. طبعا مع
التأكيد على أن كلاً من المستهلك والمنتِج هما العاملان المهمان والحاسمان في هذا
الموضوع.
أما ما قام به الشبان
الفلسطينيون، على دوار المنارة (مصادرة وإتلاف حمولة شاحنة محملة بالبضائع
الإسرائيلية) فهو يأتي في سياق قرارات حركة فتح بتصعيد المواجهة مع إسرائيل،
باعتبار المقاطعة شكلا مهما من أشكال المقاومة الشعبية، ومن الضروري ملاحظة أن
قرار منع منتجات أهم وأكبر الشركات الإسرائيلية من دخول الأسواق الفلسطينية قد
تزامن مع قرارات المجلس المركزي الأخيرة (آذار 2015)، وأهمها وقف التنسيق الأمني،
ومراجعة الدور الوظيفي للسلطة، وإعادة رسم العلاقة مع الطرف الإسرائيلي على أساس
المواجهة. وهي قرارات تأخرت كثيرا، وكان من المفترض أن يبدأ تنفيذها مباشرة بعد
عقد المؤتمر الحركي السابع لفتح (2009).
ندرك أن موضوع المقاطعة
(بالنسبة لسكان الأرض المحتلة) موضوع معقد ومتشابك، ومن الصعب جدا أن ينجح بشكل
كامل، لاعتبارات موضوعية لا تخفى على أي متابع، ولكنها مع كل ذلك خطوة ضرورية
وأساسية لبناء اقتصاد وطني، ولحرمان الاقتصاد الإسرائيلي من مليارات الدولارات
التي ينفقها المستهلك الفلسطيني على منتجاته التي تُغرق أسواقنا وتنافس منتجاتنا. ولكن
يجب الحذر من قضية أخذ القانون باليد، حتى لا تكون مدخلا لفوضى أمنية ولممارسات
غير مسؤولة، قد تتستر خلف موضوع وطني حساس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق