بينما كان المهندس حمدان
ينسق إحدى الحدائق المدرسية في إربد، جاءه طفل في العاشرة، يرتدي زيا مدرسيا
مهترئا، وعرض عليه مساعدته، فسأله على الفور: وماذا بشأن مدرستك وحصصك ؟! فقال:
لقد طلبتُ إذناً من الأستاذ وسمح لي، ورغم تعجبه من الإجابة إلا أنه وافق، حيث أنه
لم يرد أن يخـيّب أمل الطفل، خاصة مع حماسته الظاهرة.
-
عمّو فكرك الأستاذ رح يعطيني علامات لأني بنظف حديقة
المدرسة ؟!
-
أكيد، طبعا .
انتهت الحصة السادسة،
وانصرف التلاميذ إلى بيوتهم، إلا شادي، الذي رغم تعبه، كان يواصل طرح أسئلته
المحيرة وإجاباته المرتبكة، وفي عينيه يلمع بريق غريب، وكأن فيهما كلام كثير ..
-
عمّو، ممكن جوالك شوية، بدي أطمِّن أمي. أكيد أهلي
بكونوا قلقانين عليّ لأني تأخرت ..
-
طبعا، تفضل عمّو ..
يدير شادي وجهه، ويبتعد
قليلا، وبصوت مرتبك: آلو ماما، شو طابخة عالغدا !؟
بعد أن أنهى حمدان العمل،
وهمَّ بالانصراف، استغرب أن شادي ما زال موجودا، فسأله عمّا ينتظر، فأجاب: بستنّى
بابا .. رح ييجي بالسيارة يوخذني كمان شوية.
التقط حمدان هاتفه، وتفقد
سجل المكالمات، فوجده فارغا، فتوجه إلى حارس المدرسة ليعرف منه قصة الطفل الذي ما
زال ينتظر: إنه شادي .. لاجيء سوري، قُتل أهله كلهم في الحرب، ولا يحمل أي ورقة
تثبت أنه إنسان على قيد الحياة .. ولم تقبل أي مدرسة أن تسجله، وهو منذ بداية
السنة، يأتي كل صباح، ويقف على سور المدرسة، يراقب الطلبة بصمت، وبعد الظهر،
يختفي، لا أحد يعلم أين يذهب، ولا من أين يأتى !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق