أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يناير 21، 2013

مفترق طرق


أنا الآن في خريف العمر، أتذكر قصتي الأولى التي انتهت سريعا بموتي؛ كنت طفلا شقيا، دخلت ذات يوم "عبّارة" لتصريف مياه المطر، مخبّأة تحت شارع عريض على طرف المدينة .. زحفتُ مدفوعا بالمغامرة، أو لتحقيق إنجاز ما .. بعد نصف ساعة وجدت نفسي أمام مفترق، حِـرْتُ في أمري، لا أذكر اليوم هل سلكت حينها ذات اليمين، أم ذات الشمال .. لكني وجدت نفسي بعد قليل أعبُّ هواءً ثقيلا مشبّعا بالغبار وسط عتمة حالكة، ضاق صدري بقلبي المضطرب، وامتلأت رعبا .. وجسدي بأكمله صار يرتجف، ويبرد، ثم بدأت أختنق، دقائق محمّلة بالعذاب انتهت بي جثة ممدة في نفق معتم وبارد نفذَ منه الهواء .. مضت أيام وأهلي لم يتركوا حجرا إلا وقلبوه .. بحثوا عني في كل مكان .. رصدوا جائزة لمن يعثر علي .. صار اختفائي لغزا محيرا .. كل الناس يئسوا من العثور علي حيّا .. سوى أمي، حزن الجميع على فراقي .. أتذكر وقتها دموع المعزين .. بعد شهر صرت مجرد ذكرى وصورة على حائط، ثم أخذت أعداد المتذكرين بالتناقص .. شهر آخر كان آخر من يتذكرني أبواي .. في آخر السنة وحدها أمي ظلت تراني في حلمها كل ليلة .. بعد موتها كنت مجرد طيف أتى على هذه الدنيا وغاب دون أثر .. حتى عظامي وجدتها مبعثرة ويابسة، ولا تصلح حتى لدرس البيولوجيا ..
ولكني في عتمة النفق، وقبل أن ألفظ نفسي الأخير .. خفت أن يضربني أبي إذا متُّ هنا .. رفضت هذه النهاية السريعة والسخيفة .. عدت زاحفا للخلف، حتى وصلت المفترق، لم أميّز إذا كنت قد عدت من حيث أتيت، أم أني سلكت النفق الآخر .. لكني شممتُ نسمة خفيفة آتية من البعيد .. زحفت وراءها منهكا .. خرجتُ لأجد الشمس كما تركتها قبل ساعة .. رغم ضعفي وخوفي .. شعرتُ بفرحٍ غامر، وبجوع شديد .. وفي الأربعين عاما التالية نجوت من مصائر كثيرة .. وصرت كلما وقفت أمام مفترق أتذكر تلك النسمة الخفيفة التي قادتني لأحكي قصتي هذه ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق