أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

نوفمبر 16، 2012

ذاكرة سبعيني


كنت أراه كل يوم، كلما مررت في أي وقت من النهار، في نفس المكان، عجوز سبعيني يقف مع عكازه في ظل شجرة الصنوبر الضخمة، يمد يده المرتجفة، وأحيانا يلوح بعصاه لكل حافلة تمر من أمامه .. ولكن لا أحد يقف له !! ولا سائق يرغب بإيصاله إلى حيث يريد !! وكنت أتساءل عن السبب، وأتعجب من قسوة قلوب هؤلاء السائقين، وذات يوم كنت أجلس بجانب السائق، فمرَّ من قربه ورآه يؤشّـر له، لكنه لم يقف؛ فسألته ألم يرقّ قلبك لهذا الشيخ ؟! قال بلى، ولكن أهله وأولاده أوصوا جميع السائقين على الخط بأن لا يركبوه معهم، فقلت ولماذا ؟ قال: إن ذاكرته مشوشة، وهم يخشون عليه من الضياع.
لم يكن فاقد الذاكرة تماما، وفيه بقايا قوة بالكاد تكفيه لحمله بضعة عشرات من الأمتار، لكن نطقه سليم، سألته بعد أن عرفت قصته: إلى أين تريد الذهاب يا سيدي الشيخ ؟ قال بعفوية: إلى قاع المدينة، قلت وماذا هناك يلح في طلبك ؟ قال: مقهى نسيت اسمه وعنوانه، ولكني متأكد أن أصدقائي ينتظرونني هناك منذ سنين، رغم أني نسيت أسماءهم، وربما هم نسوني أيضاً .. لكني أحتاج أن أذهب هناك فقط.
وبعد سنة، وذات صباح ربيعي، وبينما هو في وقفته المعتادة، مرّت من أمامه سيارة تاكسي، فوقفَتْ له، وما أن صعد حتى سأله السائق: إلى أين يا حج ؟ قال: أريد الذهاب عند سعدية. ومن هي سعدية !؟ وأين تسكن ؟! سأل السائق؛ فأجابه: هي التي عرفْتُ معها معنى السعادة .. هي التي كانت تحن عليّ .. وكانت تعرف أكلاتي المفضلة، ولم تنسى مرة واحدة موعد دوائي، هي الوحيدة التي لم أكن أخجل من ضعفي أمامها .. آخر مرة رأيتها فيها كانت قبل عشرة أعوام، ومن بعدها لم أعد أذكر شيئا .. حسناً، وأين هي الآن ؟ قال: هي في مكان لا تستطيع مغادرته أبدا، تنتظرني ممـدّدة، بلا حِراك .. أرجوك خذني عندها .. خذني إليها .. ولا تنتظرني .. لأنني على الأغلب لن أعود .. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق