أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أكتوبر 26، 2012

الأطفال المجندون .. لا يعرفون العيد


في معظم دول العالم، سواء تلك التي تطبق نظام التجنيد الإجباري، أم تلك التي تستقطب الشبان طواعية؛ فإن سن التجنيد يبدأ من الثامنة عشر، وتتذرع الحكومات بأن الإنسان في هذا العمر يكون في ذروة نشاطه الجسدي، وبالتالي فهو عمر مناسب صحيا، ويتناسب مع طبيعة الأعمال التي يطلبها منه الجيش.

وفي حقيقة الأمر، فإن الشبان في هذه المرحلة العمرية الحرجة لا يكونون قد شكّلوا لأنفسهم الشخصية الفكرية النهائية، ويكونون في حالة ذهنية قلقة وغير مستقرة، بعضهم يظلون يبحثون عن إجابات لأسئلة تؤرقهم، والبعض الآخر لا يكترث، وفي كلا الحالتين يسهل إقناعهم، أو تغيير قناعاتهم، وإعادة تشكيلهم من جديد؛ لذلك فقد اختارت الأنظمة – ومنذ أقدم الأزمان - هذا العمر بالتحديد، للاستفادة من طاقات الشباب، وتطويعهم وإخضاعهم، وجعلهم جزء من المنظومة الشاملة التي يسير عليها النظام الحاكم، ولصهرهم في البوتقة العسكرية للدولة، وجعلهم الأداة المنفذة لسياسات النظام، والحامية له، والمدافعة عن مصالحه .. ومن خلالهم تتم عملية إخضاع وتطويع المجتمع بأكمله، وطبعا تحت شعارات خدمة الشعب، والدفاع عن الوطن، والانضباط، والالتزام بالتعليمات، وإطاعة الأوامر، والتراتبية العسكرية.

وبالرغم أن الحكومات قد استغلت الشبان، وأقنعتهم بشعاراتها، واستخدمتهم للدفاع عن مصالح الطبقة الحاكمة؛ إلا أن هذا الوضع من الناحية القانونية مقبول، ويمكن لأصحاب الأيديولوجيات تبريره بسهولة. بل أنه بالفعل في حالات محددة كالتعرض للاحتلال يكون مصلحة وطنية. لكن ما لا يمكن تبريره، أو القبول به، هو تجنيد الأطفال الصغار.

وطبقاً للمعاهدات والأعراف الدولية؛ فإن تجنيد واستخدام الأطفال للعمل بوصفهم جنوداً يعد أمرا محظورا، وهو بموجب القانون الدولي الإنساني يتم تعريفه بوصفه "جريمة حرب" من جانب المحكمة الجنائية الدولية.

وفضلاً عن ذلك يُعلِن قانون حقوق الإنسان سن الثامنة عشرة بوصفها الحد القانوني الأدنى للعمر بالنسبة للتجنيد ولاستخدام الأطفال في الأعمال الحربية. وفي التقارير السنوية للأمم المتحدة، وضمن قوائم خاصة يصدرها الأمين العام توضع أطراف النزاع التي تجنِّد وتستخدِم الأطفال في قائمة تسمى قائمة العار.

وفي أيار 2000، وقعت أربع وتسعون دولة على بروتوكول اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الأطفال، والذي يمنع الحكومات والجماعات المتمردة من استخدام الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة في أي شكل من أشكال الصراع المسلح، ومع تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة للبروتوكول فقد صار إلزاميا. كما دعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» لاعتماد يوم 12 شباط (فبراير) يوما لمناهضة تجنيد الأطفال.
وحسب إعلان مبادئ باريس بشأن إشراك الأطفال في المنازعات المسلّحة (2007)، فإن الطفل المجند هو أي طفل دون الثامنة عشرة من عمره يرتبط بقوة أو بجماعة عسكرية، سواء كان مجنّداً مسلحا، أو مُستخدَماً في أي صفة بما في ذلك استخدامه محاربا أو طاهيا أو حمّالاً أو جاسوسا أو لأغراض جنسية.
وتقدر تقارير لمنظمات دولية متخصصة (منها اليونيسيف) عدد الأطفال المجندين الذين يشاركون في القتال حول العالم بحوالي 300 ألف طفل، في أكثر من 35 دولة. وتضم أفريقيا أكبر عدد من الأطفال المجندين؛ أكثرهم في بوروندي وأفريقيا الوسطى وتشاد والكونغو ورواندا والصومال والسودان وأوغندا. أما في آسيا، فهناك أيضا الآلاف من الأطفال الذين تم توريطهم في القتال، مثلا "ميانمار"، التي تعتبر البلد الوحيد في العالم التي تجبر الأطفال بين الـ12 والـ18 عاما على الانتماء إلى الجيش. وهناك أطفال جنود في أفغانستان وبنغلاديش والهند وإندونيسيا والنيبال والفليبين وتايلاند وسريلانكا، وكذلك في إيران والعراق وإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة وفي اليمن. أما في أميركا اللاتينية، فهناك نحو 14 ألف طفل، ينتمون للقوات المسلحة المختلفة في كولومبيا. وأيضا هناك أطفال ينتمون إلى فرق مسلحة في تركيا والشيشان.
وقد أصبح تجنيد واستخدام الأطفال الوسيلة الأسهل لكثير من الجماعات ‏المسلحة من أجل شن الحروب، ويعود السبب الجذري لذلك إلى سهولة استمالة الأطفال بصفة خاصة للتجنيد العسكري، ودفعهم لارتكاب العنف، ذلك لأنهم في هذا العمر يكونون سذَّج وسريعو الانقياد ويسهل توجيههم. وسواء التحقوا بالجماعات العسكرية غصبا عنهم، أو طمعا منهم، أو تم تضليلهم، أو حتى من خلال خطفهم من ذويهم، فإن تلك الجماعات المسلحة تخضعهم لعمليات غسيل دماغ، تمتد لسنوات عديدة، يتعرضون خلالها لشتى صنوف القهر والإخضاع والترهيب، وإجبارهم على الطاعة العمياء عن طريق الترهيب، وجعلهم خائفين باستمرار على حياتهم؛ فهؤلاء الأطفال سيدركون بسرعة أن الطاعة والانقياد هما السبيل الوحيد لضمان بقائهم. وفي بعض الأحيان يجبرونهم على المشاركة في قتل أطفال آخرين أو أعضاء من أسرهم، وحتى على ارتكاب مجازر دموية، حيث تقوم تلك المجموعات بإفهام الأطفال بأنه ليس هناك من سبيل أمامهم للعودة إلى ديارهم بعد ارتكابهم لمثل هذه الجرائم؛ بل وحتى استحالة عودتهم لإنسانيتهم.
وبغض النظر عن كيفية تجنيدهم، وعن المهمات التي تُطلَب منهم؛ فإن هؤلاء الأطفال غالبا ما يقعون ضحايا نزاعات لا دخل لهم فيها، ويتعرضون لأشكال مهينة من الأذى الجسدي والنفسي، وللإذلال والتعذيب، ومنهم من يتعرض لأشكال رهيبة من العنف، أو يُجبر على ممارسته، وكثير منهم يموتون من جراء ذلك، وفي جميع الأحوال فإنهم بالإضافة لحرمانهم من عوائلهم، ومصادرة حقهم الطبيعي بالعيش حياة طبيعية، وسرقة طفولتهم، واستغلالهم أبشع استغلال؛ فإنهم أيضا يتعرضون لمعاناة نفسية خطيرة جدا، تترك آثارها المدمرة لأمد طويل، ويواجهون صعوبات بالغة في التكيف مع مجتمعاتهم، وأكثرهم يستبد به باليأس والشعور بضياع المستقبل.
في هذا العيد لنتذكر الأطفال المجندين، والأطفال الذين يتم اختطافهم ضمن صفقات الإتجار بالبشر، لاستغلالهم جنسيا، أو للإتجار بأعضائهم، أو لاستغلالهم في أعمال شاقة، والأطفال الذين فقدوا أهاليهم بالحروب .. هؤلاء الأطفال لا يعرفون العيد، ولم تدخل الفرحة قلوبهم منذ زمن طويل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق