أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

فبراير 16، 2012

عصفور الشمس الفلسطيني


الفن على جبهة الصراع
للصراع الفلسطيني الإسرائيلي جبهات عدة؛ تسعى إسرائيل لحصرها أمام الفلسطينيين في المواجهات العسكرية، حتى تبرز تفوّق الجندي الإسرائيلي المحمي بدبابة الميركافا، وطائرة F-16، وأمام العالم تواصل - في ذات الوقت - إبراز نموذجها "الغربي"مقابل "السكان الأصليين"، وتفوقها الحضاري على النموذج "البدائي" الذي يمثله الفلسطينيون. وفي المقابل يصر الفلسطينيون على إبراز العناصر الحقيقية للصراع؛ فيفتحون كافة الجبهات دفعة واحدة، لإثبات عدالة قضيتهم، ولكشف زيف الرواية الإسرائيلية، وإظهار الحقيقة أمام العالم، ولتفكيك عناصر القوة الإسرائيلية وتفتيتها.

فإذا كانت إسرائيل تتباهى بالميركافا رمزاً لقوتها العسكرية، فإن الفتى "فارس عودة" قد أذلها، ومرَّغ كرامتها في الوحل، بيديه الصغيرتين، وقميصه المفتوح على صدر عاري، وبحجر .. وإذا كانت إسرائيل تستند في شرعيتها على رواية توراتية متهالكة تّدعي وجود صلات تاريخية لشعبها بفلسطين، فإن البعثات التاريخية العلمية قد فككت هذه الرواية وجعلتها تتهاوى كبيت من ورق. وهكذا كلما فتحت إسرائيل جبهة رد الفلسطينيون إليها الصاع بصاعين.
حتى عناصر الطبيعة كانت وما تزال تكشف وهن الروابط الإسرائيلية بالأرض، وتصطف إلى جانب الحق الفلسطيني، ففي دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة التي جرت في الصين، اختارت إسرائيل لتمثيلها زهرة «قرن الغزال»، وهي زهرة برية فلسطينية تتفتح في الربيع، فأبت هذه الزهرة إلا أن تكون فلسطينية، وفشلت محاولات إسرائيل في إيجاد طريقة لجعلها تزهر في الصيف، أي في فترة الأولمبياد.
وفي محاولة أخرى منها، حاولت إسرائيل أن تختار طائرا وطنيا يصلح لها كرمز، فاختارت «عصفور الشمس»، ثم اكتشفت بعد ذلك أن الاسم العلمي لهذا الطائر هوPalestine sunbird  أي عصفور الشمس الفلسطيني، فأحجمت عن المحاولة. وحاولت أيضا إلباس مضيفات شركة طيران "العال" الثوبَ الفلسطيني، لكنها تراجعت بعد أن كشف العالم هذه السرقة، وأن أهم الزخارف التي تزين هذا الثوب تسمى "نجمة كنعان".
الفنان الفلسطيني المبدع "خالد جرار" وظَّف موهبته الفذة في إظهار هذه الحقائق، واكتشف بحسه المرهف ما يكمن وراء هذا المشهد، وبيَّن للعالم أن الزهور تمثل للفلسطينيين ما هو أجمل من شذاها، وأن في العصفور ما هو أعمق من منظره الجميل، وأن في الزعتر ما هو أكثر من استخداماته العلاجية؛  تماما كما فعل من قبله الفنان "إسماعيل شموط" وزوجته المبدعة "تمام الأكحل" حين أبرزا البعد الحضاري في المجتمع الفلسطيني، وكما أبرز "غسان كنفاني" الجانب الإنساني في الشخصية الفلسطينية، وكما وعد "محمود درويش" أنه من حجر سينشئ دولة العشاق.
فقد عمدَ هؤلاء المبدعون على إدخال الفن والأدب على جبهة الصراع، ونجحوا في أثبات أن كل ما هو على هذه الأرض إنما هو فلسطيني الوجه والقلب، وأنه جزء من الميثولوجيا الشعبية التي تراكمت عبر العصور، وساهمت في صنع الهوية الوطنية الفلسطينية، ويكفي تفحص الأسماء المحلية التي أطلقت على هذه النباتات والطيور والأماكن، لإثبات هذا الأمر.
وخالد جرار ككل الفلسطينيين .. ينشد الحرية، ويحلم بالدولة والاستقلال، لكنه أراد أن يتجاوز حقيقة غياب الدولة، وخضوعها لاحتلال غاشم، يحرمها حق الاستقلال، ويحرم شعبها العيش كأحرار في وطن يمارسون فيه حياتهم الطبيعية كأي شعب آخر؛ فاجترح فكرة ختم "دولة فلسطين"، واختار له شعار "عصفور الشمس الفلسطيني"، الذي استجاب له طائعا ليحط ختما رمزيا على جوازات السفر الحقيقية، خاصة للأجانب والمتضامنين مع القضية الفلسطينية. ورغم ما قد ينشأ عن هذا الختم من إشكالات في المطار، فقد خاطر الكثيرون وقبلوا بفرح أن تختم جوازاتهم بشعار الدولة الفلسطينية، وحتى الذين رفضوا، اعتذروا وقالوا إنهم يشعرون بالخجل والحرج لرفضهم، لأنهم يخشون أن يتعرضوا للمساءلة في طريق عودتهم من قبل الإسرائيليين في المطار. وبذلك فضح "جرار" الإجراءات الصارمة والمجحفة والعنصرية التي يفرضها الإسرائيليون على السياح الراغبين بزيارة الأراضي الفلسطينية.
لقد تحدث "جرار" للعالم بطريقة مختلفة ومبتكرة، وسعى بفنِّــه أن يعبرِّ عن حقيقة وجوده الوطني، عبْر مشروعه الذي يتسم بطابعه الرمزي، والذي من خلاله يمارس مخاطبة العقل للروح، وحديث المنطق للوجدان، ويتيح للجمهور خوض تجربة تشاركية تضع الإبداع في مواجهة مفتوحة مع الواقع، متحدياً بذلك قمع سلطات الاحتلال، وموجهاً بذلك رسالةُ حضارية للعالم مفادها أن كافة عناصر الاستقلال الوطني موجودة بالفعل، وما يحول دون ممارستها هو فقط الاحتلال.

وكما حلم "جرار" بأن يحلِّق عصفوره في جميع أرجاء العالم، محمولا على جوازات السفر، حاملا معه شرحا موجزا عن أحقية الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال، حلم أن يطير هذه المرة مع أغلفة الرسائل التي يبعثها المحبين لبعضهم عبر العالم بأسره، فصمّم طابعا فلسطينيا، يستخدم لبعث الرسائل. ضمن مشروعه الإبداعي الثاني، والذي يكمل إلى جانب "الختم" أحد أهم رموز الاستقلال.
الطابع الفلسطيني الذي صممه وطبع منه آلاف النسخ على نفقته، أتى مفعما بالرمزية، بل ومتخما بالدلالات، ومنسجما مع مشروعه الأول ومكملا له، حيث جاء يحمل رسوما رائعة لأزهار برية فلسطينية، وبما أن طائر الشمس - في مشروعه الأول – يتغذى على رحيق الأزهار البرية، وكلاهما (الزهرة والعصفور) يحملان ألوان الطيف الزاهية، فهما إنما يعلنان معا أنه رغم الحروب والدمار، ورغم الاحتلال والحصار .. تظل طيور فلسطين تغرد كل صباح، وأزهارها تتفتح كل ربيع .. وأن فلسطين جميلة رغم بشاعة الاحتلال، وأن كل عناصر الطبيعة فيها تعبِّر عن ارتباطها بالقضية، فزيتونها تمتد جذوره في باطن الأرض إلى ما قبل أيام الرومان، وزهرة "الحنون" أو "شقائق النعمان" اكتسبت لونها الأحمر القاني من دماء الشهداء، ونخيلها شامخ وشاهد على أن كل شيء في هذه الأرض فلسطيني ويعاند إسرائيل. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق