أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

ديسمبر 13، 2024

فهد القواسمي، بعد أربعين سنة سقطت دولة الحشاشين

 

في أيار 1980، جرت أحداث عملية فدائية في الخليل، عند باب الزاوية بالقرب من الحرم الإبراهيمي حيث يقع مبنى الدبويا أسفرت عن مقتل ستة مستوطنين، وإصابة آخرين. حيث استطاع مقاتلون من حركة فتح نصب كمين لمجموعة مستوطنين من "كريات أربع"، وأوقعوهم بين قتيل وجريح، وعلى الفور تم فرض حظر التجوّل على المدينة، وفي وقت لاحق وبعد فترة مطاردة تم اعتقال المنفذين.

المفارقة المدهشة أنه كان من بين المنفذين الذين تم اعتقالهم الأخ تيسير أبو اسنينة، والذي أُفرج عنه لاحقاً في صفقة تبادل للأسرى عام 1985، صار لاحقا رئيسا لبلدية الخليل. في حين استغلت إسرائيل العملية لإبعاد رئيس البلدية آنذاك فهد القواسمي.

في تلك الليلة أُعلن حظر التجول وحاصر الجنود بقيادة الكولونيل "يغال كارمون" منزل فهد بعد منتصف الليل، واقتادوه إلى مقر الحاكم العسكري، حيث احتشد هناك نحو ألفي جندي، وطائرة هليوكبتر رابضة وتنتظر أمراً بالإقلاع، فطلب الكولونيل من فهد الصعود إلى الطائرة لمقابلة وزير الدفاع "عيزر وايزمن" في تل أبيب، وبعد صعوده تفاجأ بالشيخ رجب التميمي ومحمد ملحم وقد تم جلبهم إلى الطائرة، وخلال لحظات قام الجنود بوضع أكياس خيش فوق رؤوسهم حتى لا يعرفون الجهة التي سيهبطون بها، والتي كانت قرية العديسة في جنوب لبنان.

اتخذ مجلس الأمن قراراين يقضيان بعودة فهد وملحم والتميمي، كما رفعت المحامية "فليتسيا لانغر" دعوى لدى المحكمة العليا الإسرائيلية للطعن في قرار الإبعاد، لكن المحكمة أصرت على قرارها، فتم إبعادهم مرة ثانية إلى الأردن، وكانت تلك آخر مرة يشتمون فيها رائحة البلاد.

طيلة فترة إبعاده كرس فهد القواسمي نفسه لشرح القضية الفلسطينية للعالم، وعقد عدة ندوات وشارك في العديد من المؤتمرات الدولية، والتقى بعدد من رؤساء وقادة العالم، واعتصم أمام مجلس الأمن، وهناك قال: "إذا لم يستطع مجلس الأمن بعظمته إعادة ثلاثة أفراد من الشعب الفلسطيني طُردوا من وطنهم عنوة وظلما، فكيف سيستطيع هذا المجلس منح الشعب الفلسطيني حقوقه!".

 كان الحدث الأبرز في حياته، والذي كان سببا لاغتياله، مشاركته في المجلس الوطني الفلسطيني في دورته السابعة عشر، التي عُقدت في عمّان في خريف العام 1984، وسط ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، فقد أتت الدورة بعد الخروج من بيروت، وبعد الانشقاق، وتفجر العلاقة مع النظام السوري.

كان التحدي الأكبر أمام فتح، ومنظمة التحرير استكمال النصاب القانوني لحضور ومشاركة أعضاء المجلس الوطني، وسط دعوات سورية لمقاطعة المجلس، وقد تواصل فهد مع المنشقين وأقنعهم بالحضور والمشاركة في المؤتمر.

وما حصل هو حضور العدد الكافي لثبيت شرعية المجلس، وما زاد من رمزية وقيمة الحدث هو مشاركة شخصيات قيادية منتخبة من داخل الأرض المحتلة، وبالذات شخصيات رمزية وطنية مثل فهد القواسمي، ومحمد ملحم الذين تم انتخابهما عضوان في اللجنة التنفيذية للمنظمة، وقد أنيطت بالقواسمي مسؤولية رئاسة شؤون الوطن المحتل.

في يوم 29 كانون أول 1984، وبينما كان فهد يهم بدخول منزله في عمّان الساعة الثانية ظهراً، امتدت إليه يد الغدر، فتلقى في ظهره رصاصات قاتلة لم تمهله أي وقت ليتابع مسيرته النضالية.

"القواسمي كان العدو الأول للمستوطنين، وانتظرت إسرائيل أول مبرر لإبعاده والتخلص منه"، هذا ما كتبه الصحافي الإسرائيلي "بنحاس عنبري"؛ فكيف لفلسطيني أن يفكر بقتل عدو المستوطنين الأول!

اشترط "رابين" لإعادة جثمانه إلى الوطن أن تعيد المنظمة رفات المفقودين الخمسة الذين فقدوا في معركة جسر يعقوب في لبنان، وكان هذا مستحيلا؛ فأجريت له مراسم جنازة رسمية وشعبية مهيبة في عمّان. وفي الجنازة وأثناء الدفن، ألقى ياسر عرفات كلمة تأبينية، وكان حزينا وغاضبا، ووقف على سور المقبرة واستخدم عبارة "دولة الحشاشين"، في إشارة مباشرة للنظام السوري، والحشاشون حركة إرهابية متطرفة ظهرت في القرن الثالث عشر بزعامة حسن الصباح، وكانت متخصصة بعمليات الاغتيال ضد كل خصومهم السياسيين.

وهكذا خسرنا فهد، وخسرته الخليل، وخسرته فلسطين، فقدنا إنسانا نبيلا وقائدا وطنيا شجاعا.. وكانت تلك خسارة كبيرة.. لا تعوض.

في التحقيقات الأولية، كانت أصابع الاتهام تشير إلى أن من أمر بقتل فهد هو قائد المخابرات الجوية السورية، وهو الذي خطط وأعطى التعليمات لخلية مكونة من تسعة أشخاص، ينتمون إلى تنظيم فتح الانتفاضة، والتي كانت حينها مدعومة من النظام السوري، فتوجهت المجموعة إلى عمّان، وهناك نفذوا جريمتهم.

وبالعودة إلى ذلك الزمن، سنجد تشابها في الظرف السياسي بين اغتيال فهد القواسمي، واغتيال ظافر المصري 1986. فقد جاء اغتيال ظافر في مرحلة خلاف سياسي بين منظمة التحرير والنظام السوري، كما كان الحال في اغتيال فهد. وكلاهما قُتل على يد متطرفين مضللين، تم استخدامهم.

ولنتذكر أنه بعد خروج الثورة من بيروت ألقى الملك الحسين بطوق النجاة لياسر عرفات حين دعا لانعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني 17 في عمّان، لتكون ردا على السياسة السورية، واحتضاناً للقضية الفلسطينية التي كان يريد الأسد احتواءها وتوظيفها، بعد أن شـقَّ فتح..

ومن بعدها تم توقيع اتفاق شباط بين الأردن والمنظمة، والذي دام لعام واحد، حيث ألغاه الملك حسين من جانبه لتشدد المنظمة حول مسألة التمثيل، فتعكرت الأجواء بين الطرفين. يبدو أن من اغتال ظافر كان يريد أن يوقع بين الأردن وفلسطين، على خلفية فشل اتفاق شباط. فقد أتت عملية الاغتيال بعد أسبوعين من إعلان فشله.

ويبدو أن سياسة الاغتيالات كانت نهجاً لدى نظام الأسد (الأب والابن)، ومن أبرز الزعماء والقادة السياسيين الذين طالتهم عمليات الاغتيال المفكّر والزعيم الوطني كمال جنبلاط في آذار1977، والصحافي المعارض سليم اللوزي في آذار 1980، كما طالت يد الغدر القائد الوطني الفلسطيني سعد صايل في أيلول 1982، والرئيس اللبناني رينيه معوض في تشرين ثاني 1989، بنفس الطريقة التي أغتيل فيها الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005، حيث شهدت تلك الفترة سلسلة اغتيالات تبين أنها مسؤولية نظام الأسد، استهدفت جورج حاوي الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، والصحافي والكاتب اللبناني سمير قصير، والصحافي والنائب جبران تويني.. وغيرهم كثر.

في الذكرى الأربعين لاستشهاد القائد الوطني فهد القواسمي، نقول له ولكل الشهداء.. أخيراً، سقطت دولة الحشاسين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق