أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أكتوبر 04، 2024

لدينا ما نفخر به


للشعوب الساكنة في هذه المنطقة تسميات عديدة، ولكل تسمية منطلقات أيديولوجية متباينة وأهداف سياسية معينة؛ البعض يسميهم "الأمة العربية"، مقابل من يعتبر أن هذه "الأمة" مجرد خيال افتراضي.. والبعض يسميهم الشعوب الناطقة بالعربية، أو شمال إفريقيا وشرق المتوسط..

لنتجاوز التسمية قليلا (على أهميتها)، ولنتفق أن هذه المنطقة بشعوبها ومؤسساتها متأخرة حضاريا وتكنولوجيا عن بقية سكان الكوكب، وتفصلها عن الدول المتطورة سنين كثيرة في شتى المجالات، ويمكن القول أن الافتراق عن العالم بدأ منذ نحو ألف سنة، وما زالت الهوة في اتساع مضطرد.. وقد تحول سكانها إلى مجرد متلقين ومستهلكين ومراقبين للتطورات المدهشة التي تجري في العالم، دون قدرة على فهمها أو مواكبتها، وبالذات فيما يتعلق بالصناعة والزراعة والتكنولوجيا وعلوم الفضاء والاتصالات والصناعات الحربية ونظم الإدارة وضبط الجودة وبراءات الاختراع، ويمكن إضافة الدساتير ونظم الحكم والديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة والطفل والعمّال والبيئة.. بل وحتى في مجالات أخرى (ولكن بدرجة أقل) كالفلسفة والفنون والآداب والرياضة والسينما..

ولكن، وحنى لا نمارس جلد الذات، ولا نفرط في التشاؤم والذم والسلبية، يتوجب إدراك أننا تركنا بصمات حضارية وإنسانية في مجالات مهمة وليست هينة، وليس فيما سأقوله تالياً أي تهكم أو مزاودة أو إدعاءات.. ولن أتطرق لإسهامات العرب والمسلمين في العصور السابقة والتغني بعبقريات ابن سينا وابن رشد والفارابي والبيروني وابن الهيثم وغيرهم.. فهذا خارج نطاق المقال.

الشعر ثيمة العرب وديوانهم تاريخيا وهم رواده.. والفلسفة ازدهرت في الحقبة الذهبية للحضارة الإسلامية، لكن فن الرواية ظهر متأخراً؛ لذا وبعد انقطاع طويل ظهر في مجال الفلسفة والفكر في القرن العشرين عدد لا يستهان به من المفكرين العرب، مثل طه حسين، وعلي الوردي، ومالك بن نبي، ومحمد أركون، ومحمد عابد الجابري، وجورج طرابيشي، وعبد الرحمن بدوي، وهشام جعيط، وحسن حنفي.. ربما وحده إدوارد سعيد من دخل "العالمية"..

في الشعر برز أحمد شوقي، والسياب، والجواهري، وطوقان، وأدونيس، وعشرات غيرهم، لكن محمود درويش وحده من صار شاعرا عالميا..

 في الرواية ظهر توفيق الحكيم، وعبد الرحمن منيف، وأمين معلوف، وكنفاني، وعشرات غيرهم، لكن نجيب محفوظ كان الأكثر شهرة واجتاز العالمية، ونال جائزة "نوبل"..

في الفكر التحرري والنضال الثوري والوطني ظهر جمال عبد الناصر وياسر عرفات، اللذان تُذكر أسماؤهما تلقائيا إلى جانب أهم القادة التحرريين في العالم: جيفارا، وهوشي منه، ومانديلا، وغاندي، وكاسترو..

في العلوم بكافة حقولها بقي العرب متأخرين جداً، وأغلب العلماء الناجحين الذين برزوا عالميا في الحقيقة تلقوا علومهم وقدموا نتاجاتهم في بيئات خارج المنطقة العربية (السير مجدي يعقوب، وعالم الفلك فاروق الباز، وصاحب جائزة "نوبل" أحمد زويل، والفيزيائي منير نايفة، والفيزيائية مها عاشور، والمهندسة المعمارية زها حديد صاحبة التصاميم العبقرية الشهيرة، وغيرهم). والأمر ذاتع ينطبق على الرياضيين وأصحاب المواهب المميزة الذين نجحوا واشتهروا على مستوى عالمي (اللاعب محمد صلاح، وعارضة الأزياء بيلا حديد، والمصمم إيلي صعب..)، هم أيضا صقلوا مواهبهم وتلقوا تدريباتهم في بيئات خارج المنطقة العربية.

في المسرح لم نقدم مسرحيات بمستوى العالمية، أو بمستوى الأعمال العابرة للأجيال، ولكن على المستوى العربي ظهرت العديد من المسرحيات المميزة والمهمة.. في السينما كانت الإسهامات أفضل بكثير، رغم تواضع إمكانيات الإنتاج والتصوير مقارنة بهوليود مثلا، إلا أن السينما العربية (وبالذات المصرية) أنتجت فنانين عظماء، منهم من اشتهر عالميا (ممثلين ومخرجين)، لكن أغلبهم تميزوا بعبقرية الأداء والتمثيل وتقمص الأدوار، فضلا عن عشرات الأفلام التي قدمت سيناريوهات إنسانية وأدبية في غاية الروعة.

والأمر ذاته ينسحب على النحت والتصوير والفنون التشكيلية، فلدينا نحاتين مبهرين أمثال محمد غني حكمت، وجواد سليم ومحمود مختار، ولدينا فنانين ورسامين مثل إسماعيل شموط ومحمود سعيد وعلاء بشير وعشرات غيرهم.. ولكن، لأسباب معينة (منها سياسية وتجارية) خلّد العالم أعمال فناني عصر النهضة وبعض الفنانين المعاصرين دون غيرهم.

الغناء والموسيقى مثّل حقل النجاح الأبرز للعرب، ويمكن القول وبكل فخر أن العرب قدموا أعظم المطربين والملحنين إن لم يكن على مستوى العالم، فعلى الأقل قدموا موسيقى تضاهي وتنافس ما قدمه أشهر وأعظم الموسيقيين في التاريخ.. يكفينا مثال "أم كلثوم" و"فيروز" كأعظم فنانتين في التاريخ، بتجربتهما الغنائية والإنسانية، ويمكن إضافة كوكبة من عمالقة الطرب الذين ما زالت أغانيهم تطربنا رغم مرور نصف قرن.. وفي مجال التلحين والموسيقى يكفي مثال عبقرية بليغ حمدي، وعبد الوهاب، والسنباطي، والموجي.. الذين قدموا أعظم وأجمل القطع الموسيقية.. ويكفي القول بأن الموسيقى الشرقية بآلاتها وألحانها ومقاماتها حجزت لنفسها مكانا متقدما في حقل الموسيقى العالمية، وأنها وسمت بلاد الشرق كلها بسماتها وأوتارها ومواويلها، وصارت من أبرز علاماتها المميزة.

ربما كان سبب النجاح المبهر للموسيقى العربية لأنها أفلتت ونجت من قمع السلطات، التي لم تضع عليها قيودا وضوابط، كما فعلت مع الفكر والفلسفة والآداب.. وللدقة والموضوعية هذه القيود لم تكن من السلطات وحسب، بل كانت من المجتمع الذي هيمنت عليه ثقافة العنعنة والفكر الخرافي، ولم يكتفِ بالقيود، بل ألغى العقل (التفكير الحر والنقد الشجاع) ووضعه جانبا لصالح النقل والتقليد وتقديس النصوص..

فإذا ما تحررنا من عقدة إلغاء العقل، ستخرج من بيننا آلاف العقول والعبقريات التي بوسعها نقلنا إلى عالم الحضارة والإنسانية والإبداع في شتى المجالات..

وختاماً، العظمة والنجاح والأهمية (للأشخاص والأعمال والأفكار والإبداعات) لا تُقاس بمستوى الانتشار والشهرة عالميا، ربما يكون ذلك مجرد مؤشر، أو نتيجة.. فالغرب الرأسمالي وضع محددات معينة ليست بالضرورة صحيحة تماما، فهي محددات على مقاسه، ووفقا لثقافته وقيمه ومصالحه، وهي ليست ملزمة لكافة الشعوب، لكن ولأن الإعلام بيدهم (وهو أيضا صنعتهم) نجحوا في إقناع الناس بأن معاييرهم هي الشرط الوحيد للنجاح والدليل الوحيد على العظمة والأهمية.. وفي عصر العولمة و"السوشيال ميديا" لم تعد تلك المحددات جدية وعلمية، وقد ظهرت محددات في غاية الوضاعة والتفاهة، جعلت من شخصيات تفتقر لأي موهبة مشهورة عالميا، بل وصنعت منهم أيقونات.. خذ مثلا عائلة كردشيان، وقس عليها..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق