مقدمـة
في الانتخابات
الإسرائيلية الخامسة التي جرت خلال أقل من أربعة أعوام، حقّق معسكر أقصى اليمين
بزعامة "نتنياهو"، فوزاً حاسماً على كتلة التغيير بقيادة "يائير
لابيد"، و"غانتس". وبحصوله على 64 مقعداً من أصل 120 مقعداً في
الكنيست سيكون بوسع "نتنياهو" تشكيل حكومة أكثر استقراراً، ستضمّ حزب
الليكود، وحزب الصهيونية الدينية، وحزب شاس، وحزب يهودات هاتوراه.
وبنظرة سريعة
على تركيبة الحكومة يمكن التنبؤ ببرنامجها السياسي والاقتصادي، بل وبمستقبل دولة
إسرائيل في المدى المنظور، فإلى جانب حزب الليكود اليميني القومي صاحب مشروع
النيوليبرالية والاستيطان، لدينا حزب الصهيونية الدينية بقيادة المتطرف "إيتمار
بن غفير"، الذي يدعو علانية إلى ترحيل الفلسطينيين، بل والتخلص منهم، وحزب
شاس، الذي يمثّل اليهود المتدينين الشرقيين
الذي يزاود بصهيونيته وتطرفه على حزب يهودات هاتوراه، ممثل اليهود
المتدينين الغربيين (الأشكناز).
وفي واقع
الأمر، عكست نتيجة الانتخابات الأخيرة مسارا طويلا من نمو وصعود اليمين المتطرف (القومي
والديني) بدأ مع فوز الليكود لأول مرة في انتخابات العام 1977، ونتيجة هذا المسار
أدت إلى تحوّل المجتمع الإسرائيلي (أو أغلبه حتى الآن) إلى مجتمع ديني متعصب،
تغذيه وتوجهه ماكينة إعلامية دأبت على بث ثقافة الخوف من "الأغيار"،
وكراهية العرب والفلسطينيين.
ومع تشكيل هذه الحكومة يمكن القول بأن إسرائيل
بدأت تنتقل بصورة مضطردة ومتسارعة إلى مرحلة جديدة عنوانها تحكم الفاشية الجديدة في
المجتمع والدولة، وليس في الحكومة فقط، الأمر الذي سيغير هوية إسرائيل وإلى أمد
طويل من دولة شبه علمانية تترأسها حكومات براغماتية إلى دولة دينية فاشية، يحكمها
اليمين المتطرف. وهذا الأمر سيكون له انعكاسات مهمة وخطيرة على مستقبل إسرائيل،
وعلى صورتها (خاصة في الغرب)، وعلى مستقبل العملية السلمية.
توقعات حول
برنامج الحكومة اليمينية
استنادا إلى
مواقف سابقة، وإلى تصريحات إعلامية لأبرز وزراء الحكومة "نتنياهو" يمكن
توقع مزيدا من التصعيد في الساحة الفلسطينية، فبزعامة "نتنياهو"، ومع
وجود المتطرف "بن غفير"، وتوليه وزارة الأمن الداخلي، ستتصاعد اقتحامات
المسجد الأقصى، الذي طالما شكّل عنوانا للانفجار، خاصة إذا ما أقدمت الحكومة على
تشريع التقسيم الزماني والمكاني للأقصى، وستزداد عمليات هدم البيوت العربية في
القدس، أو الاستيلاء عليها، مما سيعيد القدس مرة ثانية إلى واجهة الأحداث، وستزداد
وتيرة الاستيطان بما يهدد بنسف العملية السلمية كلياً؛ سيما وأن عمليات الاستيطان
لن تقتصر على الضفة الغربية، بل ستشمل النقب والجليل، وستكون بالتأكيد على حساب
الوجود الفلسطيني، وبالتالي سيكون فلسطينيو الداخل في قلب المواجهة من جديد.
ويتوقع أيضا تزايد
الاعتداءات الممنهجة على الفلسطينيين خاصة على الحواجز وفي نقاط التماس، بعد أن أُعطيت
للجنود توجيهات بالقتل، بدليل سقوط شهداء في كل يوم تقربيا، وزيادة عمليات مصادرة
الأراضي ما ينذر بنكبة جديدة.
أما العملية
السلمية فيمكن القول أنها انتهت تماما، وليس في الأفق ما يشير إلى إمكانية بدء
مفاوضات مع الفلسطينيين، بعد أن توقّفت كليا منذ العام 2014، بعد تمسّك إسرائيل
بالاستيطان وتراجعها عن إطلاق سراح من تبقى من الأسرى الفلسطينيين القدامى
المعتقلين قبل اتفاق أوسلو.
وبناء على ما
سبق ستتغير شكل العلاقة مع السلطة الوطنية، ولن تكتفِ الحكومة الإسرائيلية بسياسة
إضعاف السلطة وإحراجها، والضغط عليها، وحصارها ماليا، وابتزازها بورقة "ضريبة
المقاصة"، وفتح ملفات أسر الشهداء والأسرى، واستمرارها بزعم ربط المقاومة
الفلسطينية بالإرهاب، والإدعاء بعدم وجود شريك للسلام، فوق ذلك كله ستعمد إلى
توسيع صلاحيات الإدارة المدنية، لتكون عنوانا للفلسطينيين في قضايا التصاريح والتراخيص
وغيرها، بدلا من السلطة، وستعمل على عزل محافظات الضفة عن بعضها، وضم مناطق C، أو على
الأقل الاستيلاء على المزيد منها، وإقامة مستوطنات ومنشآت عسكرية، وربما تصل الأمور إلى حلّ البلديات الكبرى، واستغلال أي
فرصة مواتية لتطبيق مشروع الإمارات الفلسطينية (الكانتونات)، وهو مشروع قديم محفوظ
في الأدراج وبانتظار الوقت المناسب لوضعه للتنفيذ.
هو سيناريو
مرعب، ولكن..
ما سبق عبارة
عن سيناريو مرعب بمعنى الكلمة، ولكن، هل بالضرورة سيتحقق كما يريد له اليمين
الصهيوني؟ بالتأكيد لا، أو على الأقل هناك الكثير من العوامل التي ستعرقله، وربما
تفشله، هذا على المستوى المرحلي والآني، أما على المدى الإستراتيجي والبعيد، فهكذا
سيناريو ربما يكون سببا لنهاية إسرائيل نفسها. وسنناقش ذلك لاحقا، ولنناقش أولا
إمكانيات نجاح المشروع الصهيوني اليميني المتطرف ضمن المعطيات الحالية، وتداعياته
على المشهد بشكل عام، قبل الحديث عن الآفاق البعيدة..
أولاً: فيما يتعلق بالوضع الإسرائيلي الداخلي؛ تتشكل حكومة
نتنياهو من خليط متناقض، يجمعهم التطرف ولكن تفرقهم المطالب، فكل حزب من مكوّنات
الحكومة يستطيع أن يُسقطها إذا لم تتم تلبية مطالبه بالكامل، وكل حزب يتمسك بمطالبه
رغم إدراكه استحالة ذلك دون تنازل بقية الأحزاب خاصة عندما تتضارب المصالح، بمعنى
أن بقاء الحكومة لدورة كاملة غير مضمون، وهناك إمكانية لانتخابات مبكرة، ولكن هذا
لا يعني بالضرورة تحسن الأوضاع، أو حصول انفراج سياسي. ولكن "نتنياهو"
يدرك أنَّ بقاء حكومته وصمودها أمام المعارضة بات منوطاً بتلبية كل المطالب لكل الأحزاب،
وتتلخص مطالب أحزاب اليمين المتطرف بجملة واحدة: الاستيلاء على أهم مؤسسات الدولة:
الجيش، الأمن، القضاء (بعد أن استولت على التعليم منذ فترة طويلة)، أي نزع سماتها
"التاريخية"، بتهويدها (أي نزع ما تبقى منها من علمانية)، وجعلها تابعة
لها، وليس للدولة، وفرض هيمنة "الشريعة" على القانون والقضاء، أي بمعنى
آخر ترويض القضاء وجعله أهم من "الديمقراطية"، وتلك سمات إسرائيل التي
طالما تغنت بها أمام العالم، وفقدانها سيضر بصورتها، ليس أمام العالم وحسب، بل
وحتى في مرآة إسرائيل الداخلية، وهذا الأمر سيكون له تداعيات من الصعب قبول بقية
المجتمع بها، ما سيولد ارتدادات داخلية وتصدعات خطيرة ستعمق من مأزق إسرائيل
الوجودي.
وسيكون لذلك انعكاسات
على المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني، فمثلا في ظل تعهّد "بن غفير"
إعادة السيطرة والسيادة على النقب وتكثيف الاستيطان في الجليل، ستزيد الاحتكاكات
والمواجهات بين الجيش والفلسطينيين في الداخل، فمع كل عملية هدم للبيوت العربية خاصة
في القرى البدوية، ومع كل دونم تتم مصادرته، ومع كل حالة قمع ستتعزز الصحوة
الوطنية في مواجهة العنصرية الصهيونية (هذا بدأ بشكل أوضح بعد سن قانون القومية
اليهودية عام 2017، وإبان العدوان على غزة أيار 2021).
كما سيساهم
فشل أعضاء الكنيست العرب (مجموعة منصور عباس) في التأثير في سلوك الحكومة تجاه
المواطنين العرب بتلبية مطالبهم في إعادة الجمهور العربي الذي انتخبهم إلى مراجعة
حساباته، وربما يؤدي ذلك إلى إنهاء تحالف منصور عباس مع نتنياهو، وسيؤدي ذلك أيضا
إلى تغيير قطاع عريض من الجمهور العربي موقفه من مقاطعة الانتخابات المقبلة، وإذا
ما تمكنت الأحزاب العربية من رص صفوفها وإنهاء خلافاتها وتشكيل إئتلاف حزبي عربي
ستتغير خارطة الانتخابات المقبلة، وسيكون للنواب العرب عدد أكبر من المقاعد بما
يمكنهم من التأثير على تشكيلة أي حكومة قادمة.
ثانياً: الوضع الفلسطيني، وهو الأهم، ستكون الفترة القادمة
صعبة جدا على الفلسطينيين، وخطيرة بشكل غير مسبوق، وستكون الخيارات الفلسطينية
أصعب من بعضها، حيث ستشهد الضفة الغربية مزيداً من اعتداءات المستوطنين، ومزيدا من
عمليات القتل الممنهج على يد الجيش، في الاقتحامات وعلى الحواجز، كما ستعمد الحكومة
على مواصلة الاستيطان، ومصادرة الأراضي، وتصعيد عمليات اقتحام المدن الفلسطينية
وتنفيذ عمليات اعتقال ومطاردة واغتيالات لنشطاء المقاومة.
في القدس، مع
زيادة حدة اقتحامات المستوطنين لباحات الأقصى، والمضي في سياسة تقسيم المسجد،
زمانياً ومكانياً، وزيادة عمليات الهدم لبيوت المقدسيين، سيؤدي ذلك كله إلى زيادة
الاحتكاكات بين المواطنين والجيش والمستوطنين، وبالتالي ستؤدي السياسة العدوانية
لحكومة نتنياهو في الضفة الغربية إلى مزيد من الغليان الشعبي، وربما تصل إلى إشعال
انتفاضة شعبية، أو مسلحة، وفي الحالتين ستفقد إسرائيل السيطرة على الموقف
الميداني، الأمر الذي قد يتطوّر إلى انتقال المواجهات إلى الداخل الفلسطيني
المحتل، الذي بات أكثر قابلية واستعداداً لمواجهة مخططات الاستئصال والترحيل، التي
يتبناها "بن غفير".
وهذا كله يعني
قضم وتهديد مكانة السلطة الفلسطينية، وإضعافها، وإحراجها أمام شعبها، ووضعها أمام
تحديات صعبة حيث ستطالبها إسرائيل بالسيطرة على بؤر المقاومة، وستتهمها بدعم
"الإرهاب" خاصة بعد انخراط عناصر من الأجهزة الأمنية في تشكيلات
المقاومة العسكرية، وتنفيذهم عمليات مسلّحة أدت إلى قتل وإصابة عدد من جنود
الاحتلال ومستوطنيه. وفي المقابل سيطالبها الشعب بالدفاع عنه وحمايته
والتخلي عن التنسيق الأمني.
وفي ظل هذا
الوضع المتأزم، أدركت القيادة السياسية ضرورة تغييره، خاصة بعد أن يأست من أي حل
ممكن أن تقدمه أمريكا أو إسرائيل، وأدركت عدم إمكانية حدوث تغيير في الخارطة
السياسية، أو الوضع الإقليمي ضمن المعطيات الراهنة، وأدركت ايضاً أنَّ تعامل
إسرائيل مع السلطة بوصفها وكالة أمنية أمر مهين جداً.. وهنا يمكن رصد تحول
دراماتيكي في خطابات ولهجة الرئيس محمود عباس في الآونة الأخيرة، مثل تصديه لصفقة
القرن، وإصراره على الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، ولعدد من المنظمات الدولية
ضد رغبة أمريكا، ورغم تهديداتها.. ويبدو أنه فعلا لم يعد يراهن على المجتمع
الدولي، فقد كان خطابه الأخير في الأمم المتحدة موجها بصورة رئيسة إلى الشعب
الفلسطيني، مؤكداً "أن صبرنا قد نفد"، وقبلها في برلين رفض إدانة عملية
ميونخ، بل قال إن الفلسطينيين تعرضوا لخمسين هولوكست على يد الاحتلال الإسرائيلي..
وفي شباط الماضي تحدث عبر هاتف نقّال يحمله محمود العالول معزيا باستشهاد ثلاثة من
كتائب شهداء الأقصى اغتالتهم إسرائيل وحينها قال حرفيا: "ردوا الصاع
صاعين"، وفي مكالمات هاتفية أخرى معزيا بشهداء قال: "صبرنا سبعين سنة
ونفد صبرنا"..
وفي السياق ذاته، أدى تراجع
دور وفاعلية الفصائل الوطنية إلى خلق فراغ سياسي ونضالي في الساحة الفلسطينية، ما
سمح بظهور حالات نضالية فردية، سرعان ما تحولت إلى خلايا صغيرة مسلحة، ومن ثم إلى
مجموعات أوسع أخذت تطوّر خطابها وآليات عملها، حتى باتت قادرة على تحريك الجماهير،
مثل الإعلان عن الإضرابات، وتسيير تظاهرات شعبية.
ومع
ظهور عرين الأسود، وما سبقها وتبعها من عمليات فدائية جريئة، وكان آخرها عمليتي
الشهيد عدي التميمي والشهيد محمد الجعبري، بدا وكأن الجماهير بدأت تستعيد روحها
النضالية، وتسترد بعضاً من كرامتها الوطنية بعد أن بثت تلك العمليات بعض الطمأنينة
في روحها الجمعية، وهذا أكثر ما تحتاجه.. الأمر الذي يفسر نشوة الفرح واستعادة
الأمل، التي ظهرت في حجم الالتفاف الشعبي حول الكتائب المسلحة.
ما تقدم ذكره يعني
أنَّ على الفلسطينيين رفض الواقع وليس للتكيف معه، أي بتصعيد المقاومة الشعبية
وصولا إلى انتفاضة، وبالتالي هي فرصة للقيادة لبدء مراجعة شاملة للحالة
الفلسطينية، وتصويب الخط السياسي، والتنسيق مع قوى المقاومة، بحيث تتناغم أدوات
الفعل الفلسطيني ميدانيا ودبلوماسياً، وفرصة لحركة "فتح" لتقف أمام مسؤولياتها
الوطنية، ولتطلع بدورها وتستعيد مكانتها التاريخية، وفرصة لحركة "حماس"
لتراجع استئثارها بقطاع غزة، ولتنهي موضوع الانقسام، وفرصة أمام الفصائل الوطنية للنهوض من جديد، فالفسطينيون
أمام مرحلة جديدة ومختلفة، لا يمتلكون ترف الخيارات، ولا وقت لديهم للمناكفات
الداخلية والمزايدات الحزبية.
وإذا ما حصل
ذلك كله، أو بعضا منه، سيكون بوسع الفلسطينيين عرقلة وإحباط مشروع اليمين الصهيوني.
ثالثاً: الموقف الدولي، على الرغم من أن سياسة الحكومة السابقة
بزعامة لابيد وسلَفه نيفتالي بينيت، لن تختلف كثيرا عن السياسات التي سيتّبعها
نتنياهو وكتلته المصنَّفة "يميناً متطرفاً" تجاه الشعب الفلسطيني
وحقوقه، فمثلا قتلت الحكومة السابقة أكثر من 230 فلسطيني خلال العام 2022، واعتقلت
نحو 5300 فلسطيني، وأوقفت كليا عملية السلام، واستمرت في سياسات الاستيطان
والتهويد، وشنّت عدواناً على قطاع غزة، وسُجِّلت في عهدها أرقامٌ قياسية في عدد
المستوطنين المقتحمين باحات المسجد الأقصى، ولم تمنح السلطة أيَّ مكتسبات سياسية..
إلخ، وبالتالي كل ما في الأمر أنّ شكل وسلوك حكومة نتنياهو سيكون أكثر وضوحاً
وتعبيراً عن السياسات الإسرائيلية. فكتلة لابيد، التي ضمت خليطاً من أحزاب مصنّفة
بين يمين، ويمين وسط، ويسار، ويسار وسط، تبنت خطابا إعلاميا ودبلوماسيا مخادعا،
خاصة في المسار السياسي وتجاه السلطة الوطنية، وتحدّثت بمواربة عن حلّ الدولتين،
وتمكنت من التمويه على ممارساتها العدوانية والاستيطانية والتهويدية على الأرض
التي لم تتوقف يوما.
وسيكون من
الصعب جدا على حكومة نتنياهو المحافظة على السياق ذاته، وعلى نفس الدرجة من الرضا
الدولي (أو التغاضي)، كونها ستعبّر عن وجه إسرائيل الحقيقي وبشكل سافر، دون ماكياج
يخدع العالم، وذلك من خلال ممارستها مزيدا من البطش، ومن خلال الخطاب العنصري الذي
يتبناه حزب الصهيونية الدينية، وزعيمه بن غفير.
هذا يعني أن
العالم لن يقبل بسياسة هذه الحكومة المتطرفة، أو على الأقل سيجد حرجا في تبرير
ممارساتها، وهذا ما يشكّل فرصة للقيادة الفلسطينية وللقوى المؤيدة للقضية
الفلسطينية في بدء مسار يُفضي إلى عزل إسرائيل، ونزع الشرعية عنها، وتفعيل حركات
المقاطعة BDS، ودعمها في أكثر من مستوى، وفضح مسار التطبيع في المنطقة.
خلاصة
تمكن نظام
الفصل العنصري من حكم جنوب إفريقيا لثلاثة قرون ونصف، وكان ممكنا أن يظل أكثر، ولكن
مسار نهايته بدأ منذ تولي الحزب الوطني دفة الحكم عام 1948، وحينها قرر شرعنة
وقوننة كل الممارسات والسياسات العنصرية، وجعلها جزءا من دستور الدولة.. وهذا بدوره
أثار غضب الشعب، ما جعله يطلق العنان لثورته، كما أثار حفيظة العالم، لدرجة أن
حلفاء النظام تخلوا عنه..
ما يحدث في إسرائيل
منذ صعود اليمين القومي والديني مشابه لما حدث في تجربة نظام الأبارتهايد الجنوب إفريقي،
فها هي إسرائيل تشرعن وتقونن سياساتها وممارساتها العنصرية والتهويدية
والاستيطانية عبر قاون القومية، وعبر تشكيلها حكومات تفاخر بعنصريتها وعدوانيتها،
الأمر الذي سيرتد عليها أولا، بعد أن يتغول فيها الاستيطان، فيأكل الدولة أولا، وبعد
أن يدرك العالم أنها نظام أبارتهايد، ومن العار عليهم دعمه ومساندته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق