أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أكتوبر 11، 2022

اضطرابات القلق

 

أكثر من ثُلث سكان العالم يعاني من القلق بصورة شبه دائمة.. وكلنا عانى من القلق في أوقات معينة وبدرجات متفاوتة، وبعضنا ما زال يعاني.. قد يكون القلق مجرد عارض بسيط، وقد يتحول إلى مرض خطير..

الطبيبة المصرية اللامعة إيمان الإمام قدمت حلقة خاصة عن القلق، بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، والذي يصادف 10/10 من كل عام، ومعتبرة أن القلق عبارة عن رد فعل طبيعي وصحي تجاه أي تهديد خارجي، شريطة ألا يتحول إلى حالة مرضية تستدعي تدخل طبي، وموضحة أن اضطرابات القلق يندرج تحتها 11 نوعا، منها: الخوف، والذعر، والهلع، والرعب، والوسواس القهري، وأنواع الفوبيا المختلفة...

نشعر بالقلق حين تحدث تغييرات في البيئة الخارجية، أو حين نتعرض لتهديد، أو إذا واجهنا ظروفا غير اعتيادية وضاغطة، مثل إجراء مقابلة للحصول على وظيفة، أو نتيجة مشاكل في العمل أو في البيت، أو عند نشوب أزمات عالمية، أو وقوع كوارث طبيعية، وأكثر أنواع القلق شيوعا هو الخوف من المستقبل..

في حالات القلق، يعاني الجسم من تغييرات عديدة، تحدث كاستجابة طبيعية تطورت مع تطور الإنسان في رحلته الطويلة، وهذه التغيرات تحدث على شكل تغيرات هرمونية، أو خلل في الوظائف، وفي الأداء، أو في جهاز المناعة، أو تغير في العواطف والمشاعر والسلوك والاستجابة والتفاعل الاجتماعي.. وغالبا ما تحدث تلك التغييرات دون قدرة الفرد على التحكم بها.

ولتمييزه عن الخوف، القلق يتكون كاستجابة لخطر أو تهديد متوقع في المستقبل، قد يحدث، وقد لا يحدث.. وقد تكون متأكدا بعقلك الواعي أن هذا التهديد من المستحيل أن يحدث فعليا، أو أن نسبة حدوثه منخفضة جدا، والخطر أو الأذى الممكن حصوله لا يتناسب مع مستوى القلق، ومع ذلك تشعر بالقلق.. خلافا للخوف والذي يتكون ردا على خطر أو تهديد يحدث حالا، سواء كان حقيقيا أو متوهما.

وفي أغلب الحالات ما كنتَ قلقاً بشأنه لا يحدث فعلا، ومع ذلك فإن عقل الإنسان يظل مصرا على الاحتفاظ بميكانزيم القلق، خشية وقوع أي احتمال للخطر فعلاً، حتى لو كان احتمالا ضئيلا، وفي ذلك حماية للإنسان ولصحته وحياته وإنقاذا له من خسائر محتملة.. علما أنَّ الشعور بالقلق يستنزف طاقة وقدرة الجسم، وهو مثل توظيف حارس للمزرعة، قد يشتغل سنين طويلة دون أن تحدث سرقة، ومع ذلك ستظل محتفظا به رغم تكلفته المالية.

 وإلى هذا الحد يكون القلق طبيعيا وصحيا وعنصر وقاية، حتى لو صاحبه خفقان شديد للقلب وتعرق.. ولكنه يصبح مرضا عقليا خطيرا، ويستوجب العلاج، إذا ما ظهرت بعض الأعراض الجسدية كالتعب والإعياء من أقل مجهود، واضطرابات النوم، وآلام في العضلات وصداع ومشاكل في الهضم.. بالإضافة للأعراض النفسية مثل تحول القلق إلى حالة دائمة ومستمرة، أو إذا كان القلق مبالغا فيه ولا يتناسب مع حجم الخطر المتوقع، أو إذا أصبح الفرد يتوقع أسوأ النتائج دائما وبروح يسيطر عليها التشاؤم، مع إحساس بأن كل عناصر الطبيعة من حوله تشكل تهديدا له، وأنها معادية، أو في حالات التردد والخوف من اتخاذ أي قرار، لاعتقاده أنه قرار خاطئ وخطير، أو في حالات عدم القدرة على التحكم بالمشاعر وفقدان السيطرة عليها، وقد تزداد اضطرابات القلق سوءاً في حال عدم معالجتها لدرجة التفكير بالانتحار..

ومع أننا نتعرض لنفس المؤثرات تقريبا، إلا أن استجابة أجسامنا وعقولنا للقلق تحتلف من شخص إلى آخر، وهنا تدخل عوامل عديدة غير مرئية، مثل التعرض لإساءة في فترة الطفولة، مثل التعنيف، أو التحرش، أو الاغتصاب، أو إساءة المعاملة.. بالإضافة للأسباب الجينية والمرتبطة بعوامل بيئية..

ومن أنواع اضطرابات القلق ما يُعرف ب"الهلع"، حيث ينتاب الشخص مشاعر خوف غير عادي وغير مفهوم، وبشكل مفاجئ ومتكرر ودون سابق إنذار. فيبدا بالتعرق، مع ألم الصدر، وخفقان غير منتظم للقلب أو إحساس بالاختناق، فيظن أنه يمر بنوبة قلبية، أو أنه على وشك أن يفقد عقله.

وهناك أيضا ما يسمى "إجهاد ما بعد الصدمة"؛  حيث يتعرض الشخص لصدمة نفسية شديدة من جراء تعرضه لحدث مؤلم أو مُروع، مثل التعرض للتعذيب أو الاغتصاب، أو عند وفاة شخص عزيز، وغالباً ما تساور المصاب أفكار وذكريات دائمة ومخيفة من الماضي، وأحيانا يلجأ العقل لتجاهل الحادثة وتناسيها، لحماية الجسد من آثار الصدمة.

وكذلك لدينا "الرهاب"؛ وهو الخوف المبالغ فيه وغير المبرر وغير المتناسب مع الموقف، مثل الخوف من الحشرات، أو الأماكن الضيقة، أو المرتفعات، أو ركوب الطيارة، أو الخوف من العتمة... وهناك ما يُدعى بالرهاب الاجتماعي، وهو شعور بالقلق حيال المواقف الاجتماعية اليومية والعادية، خاصة أمام حشد من الناس، فيستحوذ الوعي الذاتي على الشخص، ويجعله قلقا من ردود فعل الآخرين، ومن أحكامهم عليه، أو خشيته أن يتصرف بطريقة خاطئة قد تسبب إحراجه، واستهزاء الغير به..

ربما تكون أخطر أنواع اضطرابات القلق عند الأطفال؛ مثل خوفهم من العقوبة، ومن الامتحانات، ومن التنمر، أو من الفشل في التنافس مع أقرانهم، وخوفهم من الكوارث الطبيعية، ومن وحوش متخيلة، كالأشباح والجن.. والأخطر من كل ذلك خوفهم من الموت، أو من فقدان الأهل خاصة في مناطق النزاعات والحروب.. ويزداد الخطر على الأطفال عند سماعهم دوي القذائف وأصوات الانفجارات، ومشاهدة الضحايا وآثار التدمير.. وفي فلسطين، وبسبب جرائم الاحتلال واعتداءاته المتكررة يعاني الأطفال (خاصة في غزة) من اضطرابات القلق وبشكل خطير، ما يستدعي تدخل جهات الاختصاص.

مع كل ما سبق علينا ألا نقلق من القلق؛ حيث توجد علاجات فعالة للقلق، وهي متاحة، ومعروفة ومجربة في الأوساط الطبية.. أما نصائح مروجو التنمية البشرية، حتى لو كانت صحيحة، فأنا شخصيا لا أعيرها اهتماما كبيرا، فالمشكلة أن المصاب بالقلق لن يتذكر شيئا من تلك النصائح، بل إنه مع تفاقم خطورة وضعه الصحي، يبدأ بالتخلي عن استخدام عقله الواعي، مسلما نفسه بالكامل لغرائزه وعقله البدائي..

مع ذلك؛ نمط الحياة الصحية، والنوم الكافي، وممارسة الرياضة، وتنشيط الحياة الاجتماعية كافية لأن نعيش دون قلق.. أو بمعنى أدق نعيش مع قلق عادي وصحي ومقبول؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق