أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يونيو 16، 2022

ثلاثة تلسكوبات، غيرت وجه العلم


كتب الصديق "أحمد عقل" عن التلسكوب الأول، تلسكوب غاليليو، موضحاً أن مراكز الرصد الفلكي في العصر العباسي كانت قريبة جدا من النتائج التي توصل اليها "غاليليو"، ولكن العلماء المسلمين لم يستوعبوا النتيجة، فافترضوا وجود خطأ في حساباتهم، خاصة مع ضعف المعدات المتوفرة آنذاك، وبذلك ضيّعوا على أنفسهم أسبقية أهم اكتشاف في تاريخ العلم.

وطبعاً، لم يكن لغاليليو التوصل لاختراع تسلكوبه لولا علوم من سبقوه، خاصة نظريات "ابن الهيثم" في البصريات، وتجارب "البيروني" لقياس محيط الأرض (القرن العاشر)، وتجربة العالم السكندري "إيراتوستينس" (القرن الثالث ق.م).

ويورد "عقل" مفارقة أخرى مشابهة، حيث كان "إينشتاين" أول من اكتشف تمدد الكون، ولكن عقله رفض نتيجة حساباته، فجاء "إدوين هابل" ليعلن بعده بسنوات عن نظريته في تمدد الكون، ويحوز على المجد..

قبل "غاليليو" كانت الكنيسة الأوروبية تخوض حربا شرسة ضد الفلسفة والتنوير، بما في ذلك الفلسفة العربية، وخاصة كتب ابن رشد وابن سينا وغيرهم ممن كانت أفكارهم حول العقل والميتافيزيقا تنتشر بقوة، لكن الفكر الفلسفي (سواء العربي، أم الأوروبي) والذي كان سائدا آنذاك كان معتمدا على نظريات بطليموس في الفلك، والتي تفترض أن الأرض محور الكون، حتى جاء "غاليليو" وأثبت خطأ بطليموس، وبرهن أن الشمس لا تدور حول الأرض، إنما العكس صحيح، بل وإن الشمس ومجموعتها كلها (بما فيها الأرض) لا تحتل أي موقع مميز في الكون.

بهذا الاكتشاف الذي يبدو لنا الآن بديهيا، من خلال تلسكوبة البسيط والبدائي، يهدم "غاليليو" كل الفلسفة إلاغريقية والرومانية التي عمّرت ألفي سنة، وينسف كل ما سلف، ويفتح الباب على مصراعيه للعلم والتجربة والعقل، رغم أنه لم يكتب كلمة واحدة حول الموضوع، فاسحاً المجال من بعده لظهور جيل جديد من الفلاسفة كرسوا حياتهم لتأسيس منهج علمي صحيح، قائم على تحرير العقل من التصورات القديمة العالقة، والتي كانت بمثابة مسلّمات وبديهيات. ما سمح بتطور الفيزياء الى حد لم يكن العقل البشري ليستوعبه، أو حتى مجرد تخيله. وما كان ذلك ليتحقق لولا تحرير العقل من الأوهام والخرافات، ونزع القداسة عن العلم..

بعد "غاليليو" تطورت التلسكوبات بشكل كبير، حتى ظهر منها جيل جديد سمح للعلماء الغوص عميقا في الكون الفسيح، كان أولها تلسكوب مرصد هارفارد، ثم تلسكوب "هوكر" في كاليفورنيا، لكن النقلة الأهم في التلسكوبات جاءت على يد الفلكي "هابل" حين اكتشف أن هذا الفضاء المرئي لم يكن سوى مجرة هائلة اسمها "درب التبانة"، وأن هذا السديم المتكثف والمركز في زاوية قصية من السماء عبارة عن مجرة أخرى اسمها "أندروميدا". وأن الكون يضم مليارات المجرات.

ومع كل صورة كان يلتقطها، تبين له أن الكون يزداد حجما، لكن المشكلة التي واجهته أن تلك الصور كانت باهتة، فجاء تلسكوب تشيلي العظيم، وتلسكوب مرصد كيك في هاواي ليعطيان صورا أوضح.. ولكن ظلت مشكلة الغلاف الجوي وما يسببه من تشويش على الصور، فصار لزاما على الجيل الجديد من التلسكوبات أن تتحرر من هذا الغلاف، وما أن جاء العام 1990 حتى أطلق أول تلسكوب فضائي خارج غلاف الأرض، على ارتفاع 600 كلم، وحمل اسم الرجل الذي كان مصدر الإلهام، "تلسكوب هابل"، قطر عدسته 2.4 متر، تمكن من تصوير آلاف المجرات في بقعة سماوية نائية كانت تبدو بجم رأس الدبوس.

خلال القرن الماضي ظهرت النسبية، والنسبية العامة والتي حاولت تفسير قوى ونظام الكون، وفهم كيفية عمله، من خلال الفيزياء، ثم جاءت فيزياء الكم، ونظريات الأكوان الموازية، والأوتار الفائقة، واكتشفت الثقوب السوداء، وغيرها.. لتقدم تفسيرات أشمل، وأكثر تطورا، لكن العلماء ظلوا عاجزين عن صياغة نظرية تجمع قوى الكون الأربع في معادلة واحدة، وتعطي تفسيرا قاطعا لنظامه، وأصله، وتفهم حدوده، وتتنبأ بمصيره.

كل هذه الأسئلة يحاول العلماء الإجابة عنها من خلال منشآت علمية عملاقة، أهمها مسرّع "سيرن" على الحدود الفرنسية السويسرية، ووكالات الفضاء الأوروبية والروسية والصينية واليابانية، وأهمها ناسا الأمريكية، ومحطة الفضاء الدولية، ومجموعة التلسكوبات العملاقة الموجودة في أكثر من مكان، وعشرات الجامعات والمراصد الفلكية.. لكن الآمال الآن معلقة في مكان بعيد جدا عن الأرض: تلسكوب "جيمس ويب".

إذن، القفزة الثالثة والأهم في علوم الفضاء والفيزياء تمثلت بإطلاق تلسكوب "جيمس ويب"، في 2021، بقدرة رصد لا مثيل لها ودقة غير مسبوقة، وحساسية عالية للإشعاعات، مزود بمرآة قطرها 6.5 متر. وعلى بعد 1.8 مليون كلم من الأرض. وبدقة صور تفوق مائة مرة صور تلسكوب هابل.

وسيكون لتلسكوب "ويب" قدرة على تنفيذ 266 مهمة بحثية اختيرت من قِبل علماء متخصصين في 41 دولة حول العالم، وسيقضي من أجلها ستة آلاف ساعة عمل، ستتوزع تلك المهام بين دراسة المجرات، والكواكب التي قد تحوي أشكالا من الحياة، ودراسة الفيزياء الفلكية الخاصة بالنجوم، ودراسة المجموعة الشمسية.

وينتظر العلماء بفارغ الصبر أولى الصور التي سيبثها التلسكوب، والتي ستحتاج شهورا وربما سنينا على أمل التوصل إلى إجابات على أسئلة طالما حيرت العلماء، وقد تغير (أو تصوب) تلك الصور الكثير من النظريات العلمية السائدة حاليا. وقد تؤسس لعلم جديد، وبمنظار مختلف لكل ما يتصل بفيزياء الكون.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق