أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مايو 08، 2022

الهرمسية والغنوصية

 

الهرمسية مجموعة أفكار ومعتقدات، ذات هيكل ميثولوجي، تجمع بين الدين، والفلسفة، والعلوم، يلخصها مثلث الحكمة الشهير المكون من الخيمياء (تحويل العناصر الرخيصة إلى ثمينة، وحجر الفلاسفة، وإكسير الحياة)، والسيمياء (طقوس تحضير الأرواح)، والتنجيم (تأثير حركة الكواكب على حياة البشر)، دُونت أكثرها بين القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد. وتنقسم إلى كتابات هرمسية شعبية، وهي الأقدم، والأدب الهرمسي العلمي، والذي ظهر في الفترة الهلنستية متأثرا بهرمسية بابل وفارس والأسكندرية. حيث كُتبت في الإسكندرية "متون الهرمسية"، المكونة من 17 نصا باللغة اليونانية، ونص وحيد بالمصرية القديمة. وفيها يتحاور هرمس مع الإله الأعلى "بويمندرس"، الذي لا يحده وصف، ولا تدركه العقول (حسب هرمس)، وهو إله متعالي عن الكون، ولا يتدخل في شؤونه، وقد انبثق عنه عالم النور. أما الإله الثاني فهو الإله الصانع الذي خلق الإنسان والعالم المادي، ومنه نشأ عالم الظلام. وهنا يضع هرمس نفسه كوسيط بين الإله والبشر، ثم يتحدث عن الخلاص بتحرير الجسد من قيوده المادية، وتحرير الروح من سجنها الجسدي.

ويعتبر "هرمس" الشخصية المركزية في هذه المنظومة، وهو أكثر الشخصيات غموضا في التاريخ، وقد تنازعت أمم كثيرة على نسبه إليها، فهو عند المصريين "تهوت" إله الحكمة، وعند اليونان هو الإله "هرمس"، وعند اليهود والمسيحيين هو النبي "أخنوخ"، وعند المسلمين هو النبي "إدريس"، وعند المندائيين هو "بوذا سف"، وعند الفرس هو الإله "أهورامزدا". فيما يقول البعض بأنه شخصية أسطورية، وأن فلسفته تم تدوينها فيما بعد بواسطة كتاب وحكماء عديدون، بمعنى أن الهرمسية مثلت العقل الجمعي لشعوب العالم القديم.

وقد أثرت الهرمسية على نشوء الأديان الإبراهيمية، وعلى إطلاق النزغة العلمية في عصر النهضة في أوروبا، وعلى ظهور الحركات الباطنية والسرية مثل الماسونية. كما أثرت على التصوف الإسلامي (العرفاني)، وعلى فلسلفة إخوان الصفا.

وتبدو الهرمسية كمرحلة بين الأسطورة والفلسفة. وجوهرها يدور حول أصل النفس ومصيرها، والتصوف الهرمسي يلتقي مع التصوف البوذي، والاثنان يسعيان إلى الوصول إلى الإله الموجود في الإنسان وليس في خارجه. حيث يتماهى الإنسان مع الإله، ويتحرر من جسده، ويعود غريبا إلى العالم بهدف إكمال ولادة الألوهة، فيولد من جديد، ويحوز جسدا خالدا، وهذا الكلام يتفق مع رسائل الرسول بولس. أو أن تعي النفس حقيقة أصلها وطبيعتها الإلهية بوصفها جزءا من الإله الخالق، فيشعر الإنسان أن الله قد حل فيه، فيصبح هو نفسه "محراب الله" (روح الله ساكنة فيكم، الرسول بولس). أو كما قال الحلاج (أنا الحق). حيث يصل الإنسان إلى مرحلة الكشف والإشراق (وقد سمّى التصوف الإسلامي هذه الحالة بوحدة الوجود)، وفي الهندوسية والبوذية يصل إلى مرحلة الاستنارة، أو "النيرفانا"، هى حالة وجود نظرية حيث يهرب الإنسان من المعاناة والألم، ويدرك وحدته مع الكون.

ويقول الماجدي أن الفلسفة الهرمسية أثرت على العصر الهلنستي بأكمله، وكانت الأساس الذي بنيت عليه الغنوصية الأفلاطونية. حيث في العصر الهلنستي اختلطت ثقافات الغرب بتراث الشرق فظهرت الهرمسية من جديد، ويرى البعض أن كتابات فيلون السكندري، ونصوص زرادشت، وأفكار أفلوطين وفيثاغورس، المأخوذة عن مدونة هرمس ومثلث الحكمة قد مهدت لظهور الغنوصية كنظام روحي جديد سيكون له تأثيره الكبير في ظهور المسيحية. وحسب الماجدي، كان يوحنا المعمدان معلم ونبي معمداني خارج على الطرق اليهودية، ضمن فرقة أسينية، وقد أثَّر على نمو الفكر الغنوصي. فظهرت الغنوصية المسيحية في بدايات القرن الأول الميلادي. ويتحدث فراس السواح عن مؤثرات غنوصية واضحة في تعاليم ورسائل القديس بولس.

والفرق بين الهرمسية والغنوصية هو شمول الهرمسية على الفلسفة والدين والعلم، بينما الغنوصية تقتصر على الفلسفة الدينية حصرا، والهرمسية ذات طابع نظري، أما الغنوصية فقد تحولت إلى ديانات ومذاهب.

والغنوصية كلمة يونانية، وتعني المعرفة، أو العلوم الخاصة بالأمور الروحية أو الإلهية. وهي خليط من الأفكار الفلسفية الدينية الهلينية، والثنائية الفارسية، واليهودية، والمسيحية.  

وخلافا للرأي السائد بأن الغنوصية نشأت مع بداية المسيحية، يقول خزعل الماجدي أن الغنوصية كفكرة كانت موجودة في الأديان الشرقية القديمة وديانات وادي الرافدين. ففي الدين السومري هناك الإله "دموزي" الذي ينزل إلى العالم السفلي في الخريف والشتاء، ويصعد إلى الأرض في الربيع والصيف، وبدورته السماوية الأرضية هذه يشكّل صعود ونزول الروح، والتي انبثقت عنها فكرة البدء والميعاد الهرمسية، والتي شكلت أساس الفكر الغنوصي .

وفي الزرادشتية نجد تمظهرات أخرى للغنوصية تتمثل في إله الخير والنور (أهورامزدا)، أي الإله الأعلى، وإله الظلام والشر (أهريمان) وهو الإله الأسفل، المعادل للشيطان في الديانات الإبراهيمية، ويدور بينهما صراع حتى ينتصر إله النور، وهذه الثنائية ستؤسس للفكر الغنوصي لاحقا .

وفي الشرق الأقصى شكلت فكرة بوذا مصدرا من مصادر الغنوصية. وستلهم سيرة بوذا كتاب سيرة السيد المسيح في غنوصية واضحة. كل هذه المصادر كانت خيوطا متناثرة للغنوصية الوثنية القديمة، لكن الصياغة الأولى لهذه الغنوصية الوثنية الشرقية جاءت على يد أفلاطون.

بدأت الغنوصية المسيحية في القرن الأول الميلادي، وازدهرت وانتشرت في القرن الثاني، ومن آبائها: "فالنتينوس" السكندري، والسوري "باسيليدس"، و"ماركيون"، و"سيمون".

شرحت الغنوصية المسيحية أصل ومصير الروح، بإسقاطها إلى عالم المادة، واعتبارها سجينة الجسد، الأمر الذي أدى لتأثّر الإله الأعظم بسقوطها، فأرسل المخلص لكي يخلصها من هذا السجن، واتخذ هذا المخلص مظهر إنسان، لأن الإله لا يمكن أن يتحد بالمادة المرئية، واستطاع بهذه الطريقة أن يعلن للعارفين (الغنوصيين) أصلهم السماوي.

وبالرغم من تنوع مذاهب الغنوصية إلا إنها تشترك في أن المعرفة تأتي عن طريق الإلهام، وبهذه المعرفة فقط نستطيع الوصول إلى إدراك وفهم مَن نحن، وما هو مصدرنا وأصلنا، وما هي الغاية التي نسعى إليها، وبهذه المعرفة نستطيع الوصول إلى الخلاص من الأشياء الحسية التي تربطنا بالمادة. وبالتالي لا يصل الإنسان إلى الخلاص عن طريق الإيمان الذي يمنحه الله إياه في المسيح، بل عن طريق المعرفة التي تنير وترشد إلى الطريق الحقيقي، فلا خلاص عن طريق الإيمان.

وتؤمن الغنوصية بثنائية الخير والشر، وبوجود مملكتين: مملكة النور: يحكمها الإله السامي الأعلى، وقد خرجت منه آلهة متفاوتة الدرجات، وآخرها إله اليهود "يهوة". وكما خرجت عنه مملكة الظلام أو المادة، والتي يحكمها إبليس.

كما رفضت الغنوصية عقيدة الصليب باعتبارها لا تتفق مع لاهوت المسيح، ويقولون أن من صُلب هو سمعان القيرواني الذي شُبّه لليهود..

تمكنت الكنيسة الرسمية من القضاء على الغنوصية وإتلاف كتبهم وأناجيلهم المنحولة، بيد أنه في العام 1945 عُثر عن طريق الصدفة على مخطوطات غنوصية مسيحية في "نجع حمادي" في صعيد مصر، تضم أناجيل منحولة، وكتب ابوكريفا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق