أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مارس 14، 2021

عقلية ذكورية

 

تقريباً، ومع استثناءات نادرة، كل رجلٍ منا يعتقد موقنا في قرارة نفسه أنه أقوى من المرأة (المرأة بشكل عام، أو النساء اللواتي في محيطه)، هو أقوى منها جسديا، أكثر ذكاء، متفوق عليها بحكمته، ورجاحة تفكيره، لأنه يستخدم عقله لا عواطفه (خلافا للنساء)، وأنه يستطيع تدبر أي أمر، وحل أي مشكلة بصيغة أفضل من المرأة، يقود السيارة بمهارة تفتقدها المرأة، يستطيع تركيب جرة الغاز، وإصلاح الغسالة، وتسليك البالوعة، وطراشة جدران البيت، وتدبر احتياجات الأسرة، وإدارة ميزانيتها، وقتل أي صرصور أو فأر يتسلل من تحت الباب فجأة، وتوجيهاته للأولاد ونصائحه العظيمة وطريقته المميزة في التربية هي وحدها الصحيحة..

إذا كانت العائلة غير قادرة على تحمل تكاليف الدراسة فإن الذكر هو الأحق بالالتحاق بالجامعة، وبعد التخرج هو الأحق بفرصة العمل، وفي العمل هو الأحق بالدورات التدريبية خاصة تلك التي في الخارج، والأحق بالترقية، وتولي المناصب الإدارية العليا..

يعتقد الرجل ويؤمن بأن مكان المرأة الطبيعي هو البيت، وتحديدا في المطبخ، وأنها لا تصلح للعمل الشاق، والمضني، والذي يتطلب مهارات خاصة، وإذا خرجت للعمل، يجب ألا تخرج إلا إذا كانت مجبرة على ذلك، أما الأعمال التي تليق بالمرأة فهي معلمة مدرسة، ممرضة، حاضنة أطفال.. أما إذا أكملت تعليمها فإن مجالات دراساتها يجب ألا تتعدى المهن التعليمية، وفي أحسن الأحوال طبيبة نسائية، وربما طبيبة أسنان، أو أخصائية تغدية.. التخصصات الأخرى خطيرة وحساسة وتحتاج ذكاء الرجل..

الفتاة الصالحة هي التي تخدم أخوتها، ولا تخرج من البيت إلا للضرورة، وتحت المراقبة، ولا تعصي لأهلها أمرا، تمشي فقط وفق توجيهاتهم وقوانينهم، حياتها بأكملها خاضعة لقانون الأب، والأخ الأكبر، وحسب مقاسهم، وأي خيار تختاره، أو هواية تحبها، أو موهبة تريد تطويرها يجب أن تنال موافقة الذكور في البيت.. وإذا مات والدها، يجب أن تتنازل عن حقها في الميراث لإخوتها الذكور..

هي ممنوعة من السفر لوحدها، لأننا لا نثق بقدرتها على تدبر أمرها  بمفردها، ولا نضمن الظروف، ولا نضمن ألا تنحرف وتجلب العار للعائلة.. وطبعا كل الثقة بالشاب الذكر، حتى لو تأخر في السهر كل يوم إلى الفجر..

المرأة الصالحة هي التي تطيع زوجها دائما، وتلاقيه بوجه مبتسم في كل الظروف، هي التي تصبر على أذاه، وتتحمل عصبيته ونزقه، وحتى إذا ضربها وأهانها ووبخها، يجب أن تتحمله حتى لو كان فاشلا، أو مدمن مخدرات، أو يهينها صبح مساء.. وإلا اعتبرت ناشزا..

في الشارع إذا رأينا سيدة تقود سيارتها باحتراف نستغرب، وربما بعضنا يصفّر مندهشا.. إذا رأينا فتاة تركب "بسكليت" سنتساءل أين أهلها؟ وكيف سمحوا لها بذلك؟ أما إذا ركبت دراجة بخارية فستكون من علامات الساعة، ومن مظاهر تفكك المجتمع.. وإذا انحبس المطر شهرا سيكون السبب ملابس النساء "الفاضحة"..

إذا أظهرت المرأة شجاعة في موقف ما، نصفها بأخت الرجال.. وإذا تميزت ونجحت وأثبتت جدارتها سنعتبر ذلك حالات استثنائية.. وإذا تطلقت سنحملها مسؤولية فشل الزواج، وإذا ذبحها أخوها الفاشل، أو ابن عمها المدمن سنقول "أبصر شو عملت؟"

تلك أهم سمات وتجليات العقلية الذكورية، وهي مترسخة في عقلنا الباطن، وربما نجح البعض منا في تجاوزها، وأدرك مدى ظلمها وتخلفها وبدائيتها، لكن بعضا من ملامح تلك الذكورية لا بد أن تظهر من حين لآخر، أو نعتقد متوهمين أننا صرنا نفكر بعقلية حضارية إنسانية، فنسمح للمرأة أن تعمل، ونعطيها كوتا في الحزب، وفي البلدية، وفي البرلمان، ونهديها وردة في يوم المرأة، ونشتري لها "خلاط مولينكس" في عيد الأم، وشمعة حمراء في يوم الفلانتاين.. ونعلق لافتة مكتوب عليها "أنا رجل، لذلك لا أضرب المرأة".. وصرنا نسمح للفتاة أن تكمل تعليمها، ونتقبل فكرة أن ترأسنا في العمل.. كل ذلك كرم منا، وحسن أخلاق ومروءة..

لم نعد نندهش كثيرا إذا رأينا لوحة فنية رسمتها فتاة، وإذا سمعنا عن مهندسة عبقرية، أو عالمة طورت نظرية، أو طبيبة دماغ وأعصاب أجرت عملية دقيقة، أو رياضية نالت ميدالية ذهبية، أو فتاة شجاعة قادت مظاهرة، أو طالبة ذكية أحرزت المرتبة الأولى، أو أرملة ربت أبناءها أحسن تربية، أو مغنية مشهورة، أو محامية بارعة، أو روائية نالت نوبل..  ليس لأن نظرتنا للمرأة تغيرت ولأن عقليتنا تطورت.. بل لأن المرأة أثبتت جدارتها، وأخذت تفرض وجودها، وما زالت تشق طريقها..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق