أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

فبراير 27، 2021

الانتخابات، تقدير موقف أولي

 

عراقيل عديدة ما زالت أمام الانتخابات، منها اشتراط قبول الاستقالة من العمل لمن يرغب بالترشح للانتخابات، وهذا قرار خطير، من شأنه تهديد إمكانية نجاح الانتخابات، ويتنافى مع أسس الديمقراطية، ويحرم المئات من الكفاءات والشخصيات المحترمة من الترشح، حيث أنهم لن يغامروا بالتضحية بمصدر رزقهم من أجل انتخابات لا يضمنون النجاح فيها، ويجب استبداله بشرط الاستقالة من عمله في حال فوزه بمقعد.

وأيضا، تهديد القيادة لأبناء فتح من الترشح خارج القائمة المركزية للحركة، وهو خطأ آخر، ليس لأنه يتنافى مع الديمقراطية وحسب، بل لأنه يضر بالحركة قبل أي شيء آخر؛ فطالما أن الانتخابات ستجرى وفق مبدأ القوائم والنسبية، واعتبار الوطن دائرة انتخابية واحدة، فهذا يعني أن المواطن سينتخب قائمة واحدة فقط.. وهذا ملزم لأبناء التنظيم، لكنه ليس ملزما للمواطن العادي، بما في ذلك جمهور فتح ومناصريها.. وهم الأكثرية الساحقة، أي الذين يحددون موقفهم في الساعات الأخيرة، ومن الممكن لهم انتخاب قوائم أُخرى.. فمن شبه المؤكد أن قائمة فتح الرسمية ستضم أشخاصا غير محبوبين، أو غير معروفين، أو لديهم سمعة غير جيدة، مما يعني أن المواطن بسبب وجود بعض هؤلاء قد يحجب صوته عن قائمة فتح (وهذا ينطبق حتى على أبناء فتح الملتزمين).. أما في حالة وجود قائمتين لفتح فهذا يعطي للناخب خيارين، وبالتالي فرص أكبر لنجاح فتح، وحصولها على مقاعد أكثر، شريطة أن تضم القوائم الشخصيات المحترمة، وأن تراعي انتقاء المرشحين بعناية، مع إعطاء مساحات كافية للشباب والنساء والكفاءات من كافة القطاعات.

أما عن منع جميع أعضاء المركزية والثوري والمجلس الاستشاري، والوزراء، والسفراء، وأعضاء التشريعي السابقين من الترشح.. فهو قرار جيد، وقد فرح به الجمهور، ورأوا فيه فرصة للتخلص من الوجوه القديمة، والشخصيات المجرَّبة، ومن بعض من لحقتهم شبهات فساد، أو تقصير في الأداء.. لكن لا بد من عمل استثناءات محددة، فهذا لا ينطبق على الجميع، وبالتأكيد يوجد من بين هؤلاء شخصيات وطنية ومحترمة، وكفاءات ذات خبرة ودراية، سنكون في التشريعي القادم بحاجة لهم ولخبراتهم وتجربتهم.. فالقطيعة التاريخية عندما تكون بهذا المستوى تصبح مجازفة.

هذه انتخابات عامة، سيشترك فيها كل أبناء الوطن، وليست انتخابات تنظيمية داخلية، ومعروف في كل انتخابات العالم أن جمهور الناخبين يتكون من قسمين: الأول؛ يضم أبناء التنظيمات والأحزاب المشاركة، والدائرة الضيقة من مناصريها، وهؤلاء لهم موقف ثابت، وقرار مسبق، بغض النظر عن أداء حزبه، وعن الأحداث السياسية.. لكنهم في أحسن الأحوال لا يمثلون أكثر من 20% من جمهور الناخبين.

القسم الثاني هم المواطنون العاديون (المستقلون، وشبه المستقلين، ومؤيدو الأحزاب والمقربين منها)، وهؤلاء عادة تتذبذب آرائهم، وتتغير مواقفهم، تبعا لأداء الحزب الذي يؤيدوه، أو بحسب تطورات الأحداث السياسية، وقد يرغب قسم كبير منهم بمعاقبة الحزب الذي يناصرونه (لأنه خذلهم، أو لأنه نكص عن وعوده، أو لأخطاء اقترفها الحزب) فيحجبون أصواتهم عنه، لصالح الحزب المنافس.. هؤلاء يشكلون نحو 80% من الأصوات.

الشعب الفلسطيني، رغم ذكائه، ومستوى تعليمه المرتفع، وخبرته الكفاحية الطويلة، إلا أنه يفتقر للخبرة الديمقراطية، فقد يعاقب نفسه كما حصل في انتخابات 2006، وليس هناك ضمانات أنه تعلم من الدرس، واستفاد من تجربته المريرة.. والأهم من ذلك أن الشعب يقوم دوما بحركات نوعية غير متوقعة، بل إن مجمل تاريخ الشعب الفلسطيني كان خارج التوقعات، أي يأتي عكس السياق الطبيعي، وخلافا لتنبؤات المحللين، ومراكز الدراسات، وأجهزة المخابرات في العالم (وهذه سمة المجتمعات غير المستقرة).. حصل هذا في انطلاقة الثورة عام 65، وفي الانتفاضتين الأولى والثانية.. وقد اعتاد أن يفاجئ المراقبين، فعندما يتوقعون منه الثورة والانتفاضة والخروج للشوارع لا يفعل، رغم أن المعطيات تدعو لذلك.. وعندما يظنون أن الشعب استكان، ورضخ، وأن الضغوطات أثمرت.. يفاجئهم بالثورة والانتفاضة والتصعيد..

أقول هذا الكلام، لدق ناقوس الخطر، فمن يراهن على أن الشعب سينتخب فتح فقط لأنها فتح، وصاحبة التجربة الكفاحية، التي قدمت الشهداء والأسرى والتضحيات.. سيكون رهانه خاطئا.. فتح في وعي الشعب هي قائدة المشروع الوطني، وصاحبة الخط السياسي العقلاني، هي الوسيلة الممكنة للتحرر من الاحتلال، وهي صاحبة البرنامج الاجتماعي المدني الديمقراطي المعتدل المنفتح على الحضارة والإنسانية.. لكنها في وعي الجماهير ليست شيئا مقدسا ونهائيا.. وعندما تصل إلى قناعة أن فتح الحالية ليست فتح التي في خاطرها سيتخلون عنها بكل بساطة.. وسيجترحون حركة أخرى أفضل وأكثر ثورية.. وهذه فرصة فتح الأخيرة.

فرصتها في الاتفاق على قائمة موحدة، أو قائمتين بحيث لا يحدث انشقاق أو تشظي، وفرصتها في تسمية مرشحيها بعقلية غير حزبية؛ ففتح تنجح بجمهورها ومحبيها، وليس بأبناء التنظيم وحسب.. تنجح حين تغلب المصلحة الوطنية، وتعي أن المهم في هذه المرحلة هو بناء الوطن، وترسيخ الديمقراطية.. لا الحفاظ على مكتسبات..

الخطر الثاني الذي أود الإشارة إليه نقرأه من نسبة الإقبال على التسجيل للانتخابات، والتي بلغت 93.3% (في غزة بحدود 99%)، وهي أرقام عالية جدا، وغير مسبوقة، حتى في أعتى الديمقراطيات.. لكنها أرقام حقيقية ودقيقة، وتدل على مدى الاهتمام الشعبي بالانتخابات.. هذا الاهتمام ليس لإنجاح حزب معين أو مرشح ما.. هذا الاهتمام عبارة عن رغبة جماهيرية جامحة في التغيير، ولكن بطريقة سلمية وهادئة وحضارية.. لأنهم يراهنون على أن الانتخابات ستخلق تغييرا حاسما في المشهد السياسي، وعناوين هذا التغيير: إنهاء الانقسام، والتخلص من الواقع البائس (خاصة في قطاع غزة)، والتخلص من رموز العهد القديم، والرغبة في تجديد القيادات، ورفدها بروح وحيوية الشباب، على أمل أن ذلك كله سيحدث تغييرا إيجابيا كبيرا، أو على الأقل نكون قد وضعنا أرجلنا على بداية الطريق الصحيح.. هذا كله جيد وإيجابي ويدعو للتفاؤل، لكن الخطر إذا فشلت الانتخابات، أو إذا جلبت وجوها كالحة، وقيادات دون المستوى المتوقع، وإذا استبدلت الانقسام بالمحاصصة.. حينها فإن الجماهير تكون قد استنفذت طاقتها في التحمل وقدرتها على الصبر، حينئذ ستكون وسيلتها في التغيير ليست سلمية أبدا.. قد تحدث فوضى عارمة، وقد يحدث عنف منظم.. لا أحد يدري، لكن التغيير قادم لا محالة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق