أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يناير 11، 2021

لنجرب حكم المرأة

 

يقول بعض أنصار الفكر الذكوري أن الرجل تفوق تاريخيا على المرأة في كافة المجالات، بما فيها المجالات التي لا تتطلب جهدا بدنيا، أو شجاعة خارقة، أو قوة جسدية، مثل التلحين والرسم، أو التي تتلاءم مع تكوين المرأة البيولوجي والنفسي مثل الطهي وتصميم الأزياء.. وهذا صحيح إحصائيا، ولكنه ينطوي على تضليل.

المرأة في المراحل المبكرة من عمر البشرية ولفترة ليست بالقصيرة كانت هي المهيمنة على المجتمع، فقد وصلت مرحلة التقديس والتأليه، وكانت سيدة العائلة ومدبرتها، وتحظى باحترام وتقدير الجميع، ظنا منهم (حينها) أنها هي التي تمنح الحياة، ولشبهها الكبير مع الطبيعة واقترانها بالخصوبة وما تهبه الأرض، وكانت تلك الحقبة الذهبية للمرأة، وقد سمي عصر الأمومة (الماتريرك).

انتهى هذا العصر بسيطرة الرجل "الصياد"، الذي احتكر السلاح والتدريب عليه، وبعد أن أدرك سر الإنجاب، ومنذ ذلك الوقت بدأ العصر الذكوري (الباطريرك)، وظهرت الآلهة المذكرة، وأخذت المرأة مكانتها الدونية في أسفل السلم الاجتماعي، وفرضت عليها القيود والغلال..

لذلك، وطوال مراحل التاريخ، هيمن الرجل على الفضاء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعسكري، بكافة تفاصيله؛ فكان الملك، وشيخ القبيلة، والقائد العسكري، والجندي، والمفكر، والنبي، والنجار، والصانع، والتاجر، والشاعر.. باستثناء حالات محددة ونادرة برزت فيها المرأة، وتبوأت مناصب قيادية.. أو برزت في مجالات إبداعية معينة..  

الإبداع في أي مجال يتطلب شرطا أساسيا يسبقه (الحرية)، وهذه الحرية حُرمت منها النساء ولفترات تشكل معظم التاريخ الإنساني، فكيف لامرأة حبيسة البيت، ورهينة القيود الاجتماعية، والقوانين التي تكبلها، وتحدد لها أدوارا معينة، وتعيش في ظل صورة نمطية، تجعلها تنظر تجاه نفسها نظرة دونية، وأنه لا يمكن لها أن تعيش باستقلالية عن الرجل.. كيف لها أن تبدع؟

هذه المكانة التي وُضعت فيها المرأة، وتلك العقلية والثقافة المجتمعية (الذكورية) عمرها آلاف السنين، وهي مستقرة في العقل الباطن للرجل والمرأة على حد سواء، ومن الصعب تجاوزها.. وكل المكاسب الحقوقية والاجتماعية التي حققتها المرأة لا يتجاوز عمرها المائة سنة، وهي غير مكتملة تماما.. لذلك، في المجتمعات التي قطعت شوطا كبيرا في مجال إنصاف المرأة والنظر إليها نظرة إنسانية على قدم المساواة مع الرجل.. فقط في تلك المجتمعات برزت المرأة وتقدمت وبرعت وأثبتت حضورا متميزا، بما في ذلك ميادين الرجل التقليدية مثل الرياضات العنيفة والأعمال الشاقة وغيرها.. وغير ذلك، ما نراه هنا وهناك عبارة عن حالات نادرة وخارجة عن السياق.

في سياق متصل، ولتوضيح الفكرة، لندرس هذا المثال: أجرى علماء نفس وتربويون في الولايات المتحدة تجربة على مئات الأطفال الأمريكان لقياس مستوى ذكائهم، وأشارت النتائج إلى تفوق الأطفال البيض على السود والملونين، وللتأكد أعادوا التجربة أكثر من مرة، وكانت النتائج متشابهة.. هذا إحصائيا صحيح، ولكن لفهم السبب كان عليهم دراسة وفهم الظروف الموضوعية المحيطة، حتى لا يخرجوا باستنتاجات عنصرية؛ فقد تبين أن الأطفال البيض أغلبيتهم من الطبقات الوسطى المتعلمة، والتي تمتد لأجيال سابقة عديدة، وأغلب عائلاتهم تمتلك مكتبة في البيت، وحاصلين على تعليم عالي.. خلافا للأطفال السود، الذين ينتمون لطبقات اجتماعية تحت الوسطى، ولا يمتلكون مكتبة بيتية، مع تذكر أن الأجيال التي سبقتهم عانت من العبودية، ثم من التمييز العنصري، وما زالت تعاني من التهميش، الأمر الذي انعكس على أدائهم.. أي بفعل الظرف التاريخي والاجتماعي الذي نشأوا فيه..

الذكاء والإبداع والتميز هو حصيلة ظروف اجتماعية وتاريخية، وليس مجرد قرار.. رغم أهمية وقدرة القرار الفردي والإرادة القوية في حياة أي شخص، ذكرا كان أم أنثى..

الهدف مما سبق ليس استعراض تاريخ مظلومية المرأة، بل لأخذ العبر؛ فطوال التاريخ الطويل والممتد من حكم الرجل المطلق لم نر سوى الحروب، والصراعات، والانقلابات الدموية، والأطماع التوسعية، والجرائم، والظلم الاجتماعي، والتطرف، والشركات الاحتكارية، والتعديات على الطبيعة والبيئة.. إلخ.

ذلك لأن تركيبة الرجل البيولوجية والنفسية، وبسبب هرمونات التستسترون، والثقافة الذكورية التي تربى عليها.. تجعله يميل للعنف، وحب التملك والسيطرة، وبالتالي إلى الحروب والقتل وسفك الدماء.. تحركه إحباطاته الجنسية، ومشاعر الكبت المقموعة، وأوهام الفحولة، ورهابُ المرأة، وأمراض العصاب الذُكوريّ النمطي، التي توصله إلى الحدود القصوى والتطرف..

تلك الأمراض ضخمت فيه مشاعر الكراهية والتسلط، وجعلته لا يتوقف عن تأكيد سلطاته الذكورية في كل مناسبة، ودون رحمة، وأحيانا مغلفة بعبارات رقيقة، أو بديباجات دينية، ليس فقط ضد المرأة، بل وضد الأطفال، وبقية المجتمع. لهذا نجد الأغلبية الساحقة من الملوك والأباطرة والجنرالات وزعماء الطوائف وقادة الميليشيات ورؤساء العصابات والمافيات واللصوص والقتلة والمجرمين والزعماء المستبدين والدكتاتوريين هم من الرجال.. ولذلك قاد حكمهم إلى كل هذا الدمار والخراب والوحشية..

بينما هرمونات المرأة وطبيعتها الأنثوية تجعلها تميل للخجل والهدوء والسلام والجمال.. الأنثى الحقيقية لا تشن حربا، ولا تقتل، ولا تقمع، ولا تَسقط في إغواء المُلكية ومتطلباتها الوحشية.. لأنها ببساطة لا تحتاج كل ذلك.. الأنثى هي التعبير الأول والأنقى عن إنسانيتنا، هي صنو الحياة والعطاء، هي رمز الحنان والأمومة.. هي الشكل الأجمل للوجود، والنصف الأحلى للمجتمع.. هي الرقة والنعومة والصبر على الشدائد، هي الاحتفال بالحياة وتحمّل ويلاتها دون عنف ودون دماء ودون قهر.. وهذا ليس وصفا شاعريا للأنوثة.. تلك حقائق موضوعية يؤكدها التاريخ والعلم.. المرأة أكثر تطورا من الرجل من الناحية الإنسانية.. وأقرب للكمال منه؛ لأنها تميل دوما للسلام وتنحاز للحياة والفرح.. هي العاشقة للحياة، ورغم ذلك تظل وفية لذكرى زوجها إذا رحل، خلافا للرجل الذي يتزوج عليها وهي على فراش المرض.. وهذا أيضا ليس تملقا للمرأة.. بل هي الحقيقة.. الرجل هو الذي اخترع الحروب والأسلحة والتدمير والجريمة المنظمة..

"تاتشر"، "هيلاري كلينتون"، "تيريزا ماي"، "جولدامائير"، "كونداليزارايس" لا تمثل أي منهن الأنوثة، حتى لو كانت امرأة جميلة.. هؤلاء أتين للسلطة بعقلية ذكورية، وكنتاج للمجتمعات الذكورية..

خديجة بنت خويلد، زنوبيا، كليوباترا، حتشبسوت، أنديرا غاندي، الأم تريسا، مدام كوري، هيلين كيلر.. وغيرهن.. مجرد نماذج مشرقة متميزة لنساء أصبحن أيقونات..

لنجرب حكم المرأة.. فقد نحظى بعالم بلا حروب، عالم يعمه السلام والجمال..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق