أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مارس 15، 2020

النساء في زمن الكورونا



لم أجد خلال بحثي عن الكورونا أية علاقة خاصة تربط بينه وبين النساء على وجه التحديد؛ سواء من الناحيتين الصحية والنفسية، أو من النواحي الاجتماعية والاقتصادية؛ والإحصاءات التي تشير إلى تفشي الوباء في صفوف الرجال بنسبة أكبر من النساء، تدل أيضا على أن السبب له علاقة بالتدخين، وليس بالنوع الاجتماعي على أساس الجنس؛ وفي واقع الأمر فرض فيروس كورونا مساواة جبرية بين الجنسين، لم يحققها أي عامل آخر، بل فرض مساواة بين كل البشر، وعلى كافة المستويات، فهذا الفيروس لا يفرق بين غني وفقير، ولا بين سنّي وشيعي، ولا بين أسود وأبيض.. أصاب رؤساء دول، ووزراء، ونواب برلمان، ومشاهير، كما أصاب فقراء، ومتعلمين، وجهلة، ومن كافة الطبقات والشرائح الاجتماعية..

المثير في الموضوع أن كورونا خلق حالة جديدة ومختلفة من العولمة.. فبعد أن انتشر في أكثر من مائة دولة، حتى أن منظمة الصحة العالمية أعلنته وباء عالميا، إلا أنه بنفس قدر توسعه عالميا؛ إلا أنه فرض عزلة شديدة على كل دولة على حدة، بل حتى عزل مقاطعات ومدن معينة عن غيرها، وفرض ما يشبه حظر التجول على عدد كبير من مدن العالم.. والمؤسف، أن الكورونا كما أوجد حالة تضامن عالمية، وعزز المشاعر الإنسانية العابرة للقوميات والحدود (ربما بحكم المصلحة المتبادلة، وتنامي حالة الخوف الجماعي)، إلا أنه كشف عن ممارسات عنصرية بغيضة عند البعض.
لم يسبق لوباء أن فعل ما يفعله الكورونا الآن؛ مع أن جائحات كثيرة وخطيرة ضربت المجتمعات الإنسانية في أزمنة سابقة، وألحقت بها خسائر فادحة بالأرواح، كما فعل الطاعون، والكوليرا، والأنفلونزا الإسبانية، وتلك الخسائر البشرية فاقت كثيرا ضحايا الكورونا؛ بيد أن الكورونا، وربما لأسباب لها علاقة بثورة التكنولوجيا والاتصالات، ولأنه جاء في عصر الإنترنت وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي.. وأيضا بسبب زيادة وعي الإنسان الصحي.. نرى أنه تسيّد نشرات الأخبار بلا منازع، وأصبح حديث الناس، وشغلهم الشاغل، وبات أكبر همهم، ومصدر قلقهم ورعبهم..
ومع حالة الهلع التي خلقها الفيروس، إلا أن الناس ابتدعت عشرات النكات والمواقف الطريفة عنه.. وتلك حيلة الإنسان القديمة (والدائمة) في التغلب على مخاوفه وأحزانه..
كما غيَّر الكورونا الكثير من أنماط حياتنا، ولحسن الحظ أكثرها تغيرات إيجابية رفعت منسوب الوعي الصحي، وأجبرت كثيرين على الاهتمام بالنظافة الشخصية، وألغت بعض العادات التي يتوجب تغييرها، ولكنه، في المقابل، كشف عن ممارسات سلبية؛ مثل التزاحم في الأسواق، وحمى التخزين، وبعض السلوكيات الأنانية..
لستُ من المؤمنين بنظرية المؤامرة، ولا أصدق إدعاءات التخليق الاصطناعي للفيروس، لكني أعتقد أن جهات دولية ومنظمات عديدة استفادت من الضخ الإعلامي، وضخمته، بعضها لأسباب تتعلق بالحروب التجارية، وبعضها لدراسة سلوك البشر في الأزمات والمحن، لمعرفة كيفية التحكم بهم، وتوجيههم في لحظات معينة.. ومع ذلك، لا أقلل من شأن الوباء، ولا أؤيد فكرة تجاهله، والتعامل معه كأمر عرضي، أو كوباء سينتهي حتما، ولو بعد حين..
نعم، الموضوع خطير وجدي، ويستوجب أقصى درجات الحيطة والحذر، وقد تبين أن الدول التي استخفت بالفيروس، أو تأخرت عن مواجهته استفحل فيها بصورة خطيرة، خلافا للدول التي تعاملت معه بكل جدية وحزم، كما فعلت الصين، التي تقريبا طوقت الوباء، وأنهته. كذلك السلطة الوطنية، التي كانت من السباقين، في اتخاذ الخطوات والتدابير الصحيحة والحاسمة، التي أثبتت نجاعتها وكفاءتها، وكان للمواطنين بوعيهم وسلوكهم الحضاري دورا بالغ الأهمية في تطويق الوباء وحصره.. بالرغم من بعض الحالات الشاذة وغير المسؤولة..
اهتمام الناس بالكورونا، وخوفهم منه، ليس خطأ، بل هو فعل طبيعي وواعي؛ فهذا الفيروس يكاد يشل حركة الكوكب، وقد أصاب عصب الاقتصاد، وصار يهدد بأزمة اقتصادية عالمية، وينذر بكوارث اجتماعية لا أحد يعلم مدياتها.. الأثرياء وأصحاب المصالح يخافونه، وكذلك الناس العاديون والبسطاء.. فقد بات يهدد حياة كل إنسان.. ومن لم يصبه الفيروس، سيتأثر بتداعياته.. لكنها فرصة أن نتذكر أوبئة لا تقل خطورة، تضرب أنحاء عديدة من كوكبنا ولم نكن نحس بها، أو نحس بها، ولكننا لم نتأثر ولم نتحرك، لاعتقادنا أنها لن تصيبنا.. لنتذكر أن وباء الجوع يقتل عشرات آلاف الأطفال يوميا، ووباء الفقر والجهل والأمية.. ووباء العنصرية والإرهاب والتطرف والطائفية، واحتكارات الرأسمالية المتوحشة، والحروب، والإتجار بالبشر، وعمالة الأطفال، وتجنيدهم في الحروب والأعمال القذرة، واضطهاد النساء.. وتلك أوبئة تضع مصير البشرية على المحك..
ستنتهي غمامة الكورونا، كما انتهت غيرها، وستصير مجرد ذكرى وأرقام.. فذكاء البشر أثبت نجاعته في التغلب على قوى الطبيعة.. المهم، بعد أن نسترد صحتنا، أن نعود لإنسانيتنا..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق