أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يناير 19، 2019

سيناريوهات مرعبة



"في العام 2026، أحد الكتاب يعد عاموده الأسبوعي للصحيفة، وعلى الأرجح سيكون عبد الغني سلامه.. فكتب:
قبل سنوات كان لي على فيسبوك صديقا يعمل طبيبا نفسيا في غزة، لا أعرف أين اختفى، هل توفي في أحداث غزة الرهيبة التي انتهت قبل سنوات؟ أم صار عجوزا لا يقوى على الكتابة، أم غادر البلد بعيداً؟
لن أشرح لكم كيف انتهى الوضع في غزة بكارثة دموية تعرفونها جيدا، والتي لا زلنا نعيش مرارتها وتوابعها، مع آلاف الأسر الثكلى في غزة، عدا عن المعاقين والجرحى، والدمار الفظيع، والحسرة في القلوب.. وحتى بعد انتهاء الوضع في غزة، لم تهدأ الأمور في ذلك الوقت سريعا، فقد استمرت لفترة طويلة انتقامات داخلية وعمليات انتحارية مارستها المجموعات المسلحة التي سيطرت على غزة ضد كل الأطراف.

كل شيء انتهى الآن، وأصبح الوضع هادئا نسبيا، وصار أقصى ما نطمح إليه هو عودة الأمور للوضع الذي كانت عليه في العام 1996..

لماذا انتهت الأمور بهذه الطريقة؟ ولماذا شعرت قطاعات واسعة من الشعب حينها أن خلاصها هو انتهاء سيطرة المجموعات المسلحة على حياتها؟! السبب، أنَّ ما عرفت حينها بالمقاومة، لم تكن مقاومة حقيقية؛ بل كانت إحدى أنواع وأدوات الصراع الداخلي أساساً، أكثر وبما لا يقاس من كونها أداة للصراع مع إسرائيل.. ولأنها كانت تطرح مشروع عمل، عدا عن كونه لا يوحّد الشعب؛ الأهم والأخطر أنه كان فوق قدرات الشعب، حتى لو كان موحَّدا..

ولأنه لا إمكانية لأي مقاومة أن تعمل من خارج الوحدة الوطنية الفلسطينية، وضمن بيئة عربية حاضنة، ومناخ دولي مناسب، عدا أنها كانت أحد أسباب انهيار الوحدة الوطنية.. ولأنها كمقاومة باشرت عملها في الزمان والمكان الخطأ، وبالأيديولوجيا الخطأ، وبأدوات العمل الخطأ.. فهي واجهت جيشا متقدماً متطوراً بأدوات وأسلحة جيش بدائي، وكانت جزءاً من المجموعات الإسلامية المسلحة التي اجتاحت المنطقة، وبقيت غزة في مرحلة ما الجيب الأخير المتبقي لهذه المجموعات، والتي تحولت لشيء غير مقبول إقليميا ولا دوليا، خصوصا أنها تصرفت كسلطة لمجتمع، وأبدت هوساً في التمسك بهكذا سلطة، وحتى في مظاهرها الشكلية والرمزية، وامتازت بعناد ومراوغة لا حدود لها، بل ولا معنى لها.. وفي النهاية فشلت كمقاومة، كما كانت تسمي نفسها، وفشلت كسلطة، وتركت خلفها مرارة وحرقة في القلوب.. 9-1-2026.".

لسببٍ ما، اختارني الدكتور فضل عاشور، مشكورا، ليقول على لساني، ويكتب سيناريو محتمل للوضع في غزة بعد سبع سنوات من الآن.. الصديق فضل، طبيب نفسي مشهور في غزة، وهو من الفدائيين القدامى، وقد شارك في معارك الجنوب اللبناني وملحمة صمود بيروت.. ورغم أنه كادر متقدم في حركة فتح، إلا أنه معتزل للعمل التنظيمي حاليا، لأسبابه الخاصة التي أقدرها.. ولكونه كاتب مثابر، وتحليله السياسي دوما موضع تقدير واهتمام من جمهوره الواسع.. لذلك فإن تصوره لمستقبل غزة، في غاية الأهمية، وهذا السيناريو المرعب، إن لم يتحقق، كما نرجوا وندعوا الله، فإنه يدق ناقوس الخطر على الأقل.. فربما تلتفت القيادة والفصائل لحقيقة الوضع، وتتدارك الخطر قبل وقوعه..

وإليكم سيناريو آخر، أخشى أن يتحقق..

"بعد أن صارت غزة دويلة مستقلة، تعترف بها أمريكا وإسرائيل ودول عدة أخرى، وبعد وفاة أبو مازن، نشب صراع داخلي على قيادة السلطة، تورطت فيه مختلف الأطراف، فقد أعلن أحمد بحر أنه الرئيس الشرعي، بصفته نائب رئيس المجلس التشريعي، الأمر الذي رفضته فتح وقوى أخرى، لكون المجلس منحلا، ومنتهي الصلاحية.. ومع ذلك، فقد ظهرت مجموعات مسلحة من حماس في مناطق مختلفة من الضفة، وبدأت تثير القلاقل، والفوضى، تصدت لها مجموعات مسلحة من فتح، في محاولة لفرض الأمن، لكن دخول إسرائيل على الخط، قد جعل الأمور تأخذ منحى خطير، وخارج عن سيطرة الجميع، حتى صارت الضفة الغربية ساحة فوضى واقتتال داخلي، وقد سقط آلاف القتلى من مختلف الجهات، وانفرط العقد الاجتماعي، وانهار الأمن، وانهار معه الاقتصاد الداخلي، ولم تعد السلطة قادرة على شيء، بل إنها أفلست سياسيا وماديا، فاستغلت إسرائيل الظرف، وبتواطؤ دولي وعربي، بدأت تدفع المواطنين للهجرة بالقوة والإرهاب، حتى ظهرت ميليشيات مسلحة من المستوطنين، وبدأت بالهجوم على القرى، وأطراف المدن، بدعم من الجيش الإسرائيلي، وقد اضطرت الأردن ومصر لفتح حدودها أمام ملايين الهاربين من جحيم الحرب الأهلية، ومن هجمات المستوطنين ومذابحهم المروعة.. ثم صدر قرار مجلس الأمن 2420، الداعي لتوطين اللاجئين في مخيمات مؤقتة شرقي الأردن، وفي سيناء، ودعوة الاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا لاستيعاب مليوني لاجئ فلسطيني".

مثل هذه السيناريوهات، لا تُطرخ لإثارة الفزع والقلق، أو لنشر ثقافة العجز والإحباط.. بل هي بمثابة صدمة، تحتاجها بعض العقول المتبلدة، لمن يعتقد أن إسرائيل استكملت مشروعها، ولم يعد لديها خططاً توسعية، أو أنها تريد سلاما حقيقيا مع الفلسطينيين، أو أنها ستعيد الإدارة المدنية (التي تخدم المواطنين بشكل أفضل من السلطة!!)، أو الذين يراهنون على أخلاق المجتمع الدولي (الذي لا يسمح بعمليات ترانسفير جماعي)، أو من يراهنون على فزعة الدول العربية (التي ستهب لنجدتنا).. هذه مجرد أماني.. والحقيقة أنه في أدراج صانع القرار الإسرائيلي العديد من الخطط والمشاريع والسيناريوهات.. وفي كل مرة تنتظر نضوج الظروف لتنفيذ ما تريد..

طبعا، هذا لا يعني أن إسرائيل مطلقة القوة، وبوسعها أن تفعل ما يحلو لها.. فهناك ضوابط ومحددات داخلية وخارجية لا تملكها جميعها.. وأهمها وجود وثبات الشعب الفلسطيني فوق أرضه.

وما يكبح جماح إسرائيل (حاليا)، صمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه، ولكون قيادته الشرعية تطرح برنامجا سياسيا يعترف به المجتمع الدولي.. لكن هذا الأمر يتطلب تعزيز الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام، وتجميد الصراعات الحزبية.. وتوحيد الصفوف في مواجهة الاحتلال، ضمن رؤية إستراتيجية جديدة، تقوم على المقاومة الشعبية، وإعادة تعريف العلاقة بإسرائيل بوصفها قوة احتلال غاشمة.

ما حدث ويحدث حاليا في سورية والعراق واليمن وليبيا، من اقتتال داخلي وحروب أهلية، ونزاعات طائفية، وتفجيرات إرهابية، وهدم مدن وقرى كاملة، وتهجير ملايين اللاجئين.. كانت مجرد سيناريوهات خيالية، لم تخطر على بال أحد قبل عشرة أو عشرين سنة.

على الأقل لنتسلح بالوعي..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق