أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يناير 19، 2019

سيناريوهات متفائلة



احتج عدد من الأصدقاء على السيناريوهات المرعبة التي كتبتها قبل فترة بمشاركة الصديق د. فضل عاشور، حول تصورات الأوضاع في المستقبل القريب، إذا ما استمرت حالة الانقسام والتدهور في الساحة الفلسطينية.. وقد وصفها عدد من القراء بأنها سيناريوهات مستحيلة، ومتشائمة، ولا يمكن أن تتحقق..

حسناً، جميعنا يتمنى ألا تحقق تلك السيناريوهات الرهيبة.. وحتى لا أُتهَم بالتشاؤمية والسلبية، سأقترح سيناريوهات مختلفة، على أمل أن تتحقق فعلا.. وما ذلك على الله بعزيز..

"في العام 2030، يصادق البرلمان الفلسطيني على موازنة الدولة، التي خلت من العجز لأول مرة؛ فبعد سنوات من الاستقرار السياسي، أخذت الأراضي الفلسطينية تشهد حالة انتعاش في شتى المجالات، وقد بلغت نسبة النمو الاقتصادي 8%، وتجاوز سقف الاستثمارات الأجنبية حاجز الخمسين مليار، خاصة وأن التقارير الدولية أشادت بخلو الحكومة الفلسطينية من الفساد.. وتشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء إلى تراجع مستويات البطالة لأقل من 4%.. كيف حدث هذا؟ وما دلالاته؟

حسب محللين ومراقبين، بدأ التغير الإيجابي في مطلع العشرينات، مع وفاة آخر الآباء المؤسسين، وبروز قيادات شابة من فتح وحماس، ومن بقية الفصائل، تبعتها مبادرات ريادية شبابية مستقلة، في المجالات الحزبية والاقتصادية والمجتمعية، أدت بدايةً لإنهاء ما عرف حينها بالإنقسام، ثم تنظيم انتخابات حرة شاركت فيها جميع القوى السياسية، أوجدت صيغة توافقية وسطية، أنهت هيمنة الحزبين الكبيرين على الحياة السياسية.. وما ساعد على إنجاح هذا التحول المفصلي هو تخلي حماس عن تبعيتها للإخوان المسلمين، ودخولها منظمة التحرير الفلسطينية كطرف فلسطيني فاعل ومؤثر، ومشاركتها في السلطة من موقع المعارضة الإيجابية، خاصة وأن المجلس الوطني (الذي أعيد انتخاب جميع أعضائه) قد أخذ يعقد اجتماعاته بشكل دوري ومنتظم، مما أدى إلى استنهاض منظمة التحرير، وتجديد هياكلها، وقياداتها، كما ساهمت النخب المثقفة في طرح إستراتيجية فلسطينية اتسمت بالواقعية والثورية والوضوح، نجم عنها برنامج نضالي طموح قام على تصعيد المقاومة الشعبية، بالتوافق مع هجوم سياسي ودبلوماسي، قاد إلى ضغط دولي على إسرائيل، لأول مرة في تاريخها، لإجبارها على الرضوخ لقرارات مجلس الأمن الداعية للإعتراف بدولة فلسطين.. وكان للجاليات الفلسطينية في الخارج ولجهود منظمة BDS دورا مهما في فرض عزلة سياسية على إسرائيل، وفرض عقوبات عليها.

اليوم، ونحن نحتفل بيوم الاستقلال، نتذكر تلك الفترة الصعبة من سنوات الانقسام، التي مرت على الفلسطينيين ثقيلة، تافهة، وبلا معنى.. أضاعت عليهم الكثير، وكادت أن تودي بحلمهم الوطني، نتذكر بألم وحسرة كل قطرة دم أريقت بين الأخوة، وهم يتقاتلون على السلطة.. نتذكر بغضب مهرجانات الكذب، والخطابات المجلجلة، والانتصارات الوهمية..

اليوم، يعود الأقصى حرا، يصدح بالآذان، وتعود القيامة حرة، تقرع أجراس السلام، وتستقبل القدس ملايين الحجاج، وقد أعدنا افتتاح مطار ياسر عرفات، وبدأ ميناء غزة يتحول إلى ميناء مركزي للبحر المتوسط، وصارت حقول الغاز تحقق إيرادات عالية، تفي باحتياجات شعبنا.. وكل هذا لم يتحقق بسهولة، تحقق بعد عقود من الكفاح المرير، وتقديم تضحيات غالية من الشهداء والأسرى.. نتذكر عبدالقادر الحسيني، وخليل الوزير، وصلاح خلف، وأحمد ياسين، وجورج حبش، وفتحي الشقاقي، وآلاف الشهداء.. نتذكر مروان برغوثي، وأحمد سعدات، وكريم يونس، وآلاف الأسرى.. نتذكر الأمهات، وعذابات شعبنا في لبنان واليرموك وفي أقاصي المنافي.. ونقول لهم جميعا.. شكرا لكم.. لقد مهّدتم بتضحياتكم الطريق لهذا اليوم العظيم".

ليس مهما أن نصدق هذا السيناريو (المتفائل)، أو ذاك المتشائم.. المهم ما سنفعله إزاء ذلك كله.. فبنظرة موضوعية مجردة من العواطف سنجد أن كل السيناريوهات المطروحة واقعية جدا، وليس فيها مبالغات ولا تهويل، ومن الممكن أن تتحقق.. من الممكن جدا أن ندخل في أتون الفتنة والصراعات الداخلية والفوضى، وأن نفشل كشعب وكقيادة وكمؤسسات، وأن تستغل إسرائيل الفرصة، وتهجّرنا بالقوة، ونجد أنفسنا بين ليلة وضحاها في خيام اللاجئين من جديد.. وأيضا، من الممكن جدا أن نتوحد، وأن ننتصر، وأن نطرد الاحتلال، وأن نبني دولة مزدهرة..

نحن لسنا شعب استثنائي، نحن شعب طبيعي كبقية الشعوب، تنطبق علينا نواميس الكون، وقوانين الصراع، قد نخسر الحرب، وقد نربحها.. وقد نظل بين بين، في منطقة وسطى بين الهزيمة والنصر..

ما يعني أننا أمام ثلاثة سيناريوهات لا رابع لها: الأول (المتشائم)، والثاني (المتفائل)، والثالث أن يظل الوضع كما هو عليه الآن، ولأمد غير معلوم.. ولكن، "ما هو عليه الآن" ليس واقعا ثابتا ولا ساكنا (الطبيعة والسياسة ترفضان الفراغ)، "ما هو عليه الآن" واقع متغير، وهو للأسف يسير بانحدار وتدهور مستمرين، وإن كنا لا نلاحظ ذلك، طالما الانقسام باقٍ، وطالما حماس متمسكة بحكم غزة (التي لا مستقبل لها في ظل حكم حماس)، وطالما فتح في حالة عجز وتراجع، والقيادة غائبة، والجماهير مغيبة، والواقع العربي والدولي سلبي وضاغط، بل ومعادي.. إذن، استمرار الوضع الحالي سيقود بالضرورة إلى السيناريو (المتشائم).. أو، أن نبدأ بتصويب الوضع، وتدارك الأخطاء، ووضع استراتيجية فلسطينية جديدة ستقود حتما إلى السيناريو (المتفائل)، وهذا يتطلب بدايةً إنهاء الانقسام..

أرجو ألا يكون طرح هذه السيناريوهات مجرد تمارين ذهنية..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق