أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

نوفمبر 03، 2018

علوم زائفة



حلل شخصيتك من خلال الأسئلة التالية، نزِّل 10 كغم من وزنك في أسبوع، تنفس بالطريقة التالية لتتخلص من الهموم، إتبع الطريقة التالية لتكسب جائزة اليانصيب، عشبة سحرية تنهي مرض السكري..

لا تقتصر أساليب التضليل والخداع على الغش في المنتجات التجارية؛ فتلك يمكن كشفها بالفحص والتحليل؛ الأخطر من ذلك استنباط نظريات فلسفية وعلمية وتسويقها على أنها علم قائم بذاته، وهي ما تسمّى بالعلوم الزائفة (Pseudoscience)..

بعض تلك العلوم قديمة، وبعضها استحدثت مؤخرا، أغلبها لأغراض تجارية بحتة، والقليل منها نشأ وتطور كنوع من الاجتهادات والتصورات.. لكنها في كل الأحوال لا تقوم على أسس متينة، ولا علاقة لها بالعلم الخقيقي.

العلوم الزائفة أو أشباه العلوم، هى المعتقدات والأفكار التي لا تتبع طرق المنهج العلمي، ولا تستند إلى أدلة وبراهين منطقية، على عكس العلوم الحقيقية، ذات المعايير الصارمة والمعروفة، التي تعتمد طرائق البحث العلمي ومنهجية التقصي والتجربة والبرهان والتكرار وإثبات الحجة، ثم صياغتها على شكل نظريات وقوانين..

من أبرز تلك العلوم الزائفة: التنجيم، قراءة الطالع، الأبراج، التنبؤ بالمستقبل، تفسير الأحلام، السحر، الحجب، الباراسيكولوجي، الخيمياء. وأيضا نظريات الأرض المسطحة، والأرض المجوفة، وأسرار مثلث برمودا، والقطب الجنوبي..

ومن أخطر العلوم الزائفة "الطب البديل"، وأشهر أساليبه الإبر الصينية، والأعشاب الطبية، والزيوت والبخور، والرقية، والحجامة.. هذا النوع من الطب يمارَس منذ الأزل في معظم البلدان، وكان شائعا ومقبولا قبل الطب الحديث، أي قبل اكتشاف الأحياء الدقيقة، والمضادات الحيوية، وقبل اختراع الأجهزة والمعدات المتطورة التي من خلالها أمكن التعرف على تفاصيل جسم الإنسان، وقبل الوصول إلى العلوم الحديثة كالوراثة والتشريح.. كانت تلك العلاجات تتناسب مع المستوى المعرفي للناس في تلك الأزمان، وتعتمد على ما هو متوفر في البيئة المجاورة.. صحيح أن بعضها أثبت نجاعة في العلاج، لكنها تظل ممارسات تقليدية لا تقوم على أسس علمية، ولم تعتمد نتائج وإحصاءات لتجارب حقيقية على مجموعات من البشر أو من الحيوانات، ولم تبنى على أساس تحليل مخبري دقيق.. إنما على تجارب شخصية. (ينفق الأميركيون 34 مليار دولار سنوياً على الطب البديل).

يتضمن الطب البديل ما يدعى بالطب النبوي، علماً بأن الرسول الكريم لم يزعم أنه طبيب، ولم تتضمن معجزاته شفاء المرضى، أما النصائح التي كان يقدمها للناس في العلاج، فهي مستوحاة من العلوم والمعارف التي كانت سائدة آنذاك.. وكل من يسوق هذا العلم (الوهمي) إنما يريد المتاجرة بالدين.

ومن العلوم الزائفة "العلاج بالطاقة"؛ الذي تسوقه بعض مراكز التنمية البشرية، أو مراكز الشفاء المزعومة، من أجل الباحثين عن الشفاء، ممن فقدوا الأمل في الحصول على تشخيصٍ طبي سليم. "العلاج بالطاقة" في الأصل تقاليد وممارسات روحية مستمدة من الثقافة الهندية والصينية القديمة، تقول بوجود مراكز خفية للطاقة موجودة بجسم الإنسان، وموجودة في الطبيعة، ويزعمون أنها ذات قدرة على علاج الأمراض الجسدية والنفسية مثل القلق، والتوتر، لأن تلك الأمراض ناجمة عن اضطراب مراكز الطاقة الموجودة في الجسم. وهذه أيضا لا تقوم على أسس علمية، رغم أن بعضها أثبت نجاعته.

وأيضا "البرمجة اللغوية العصبية"، التي تروج لها بعض مراكز التنمية البشرية، على أنها مجموعة من المهارات التي يتعلمها المتدرب، مثل بناء العلاقات مع الآخرين، وفن النجاح، وتحديد الأولويات، والسعي نحو التطور، وغير ذلك من المهارات المنفردة التي تم جمعها في مقرر واحد، وأطلق عليه مصطلح "علم". علما أنه لا توجد أي جامعة محترمة، تحظى باعتراف أكاديمي معتمد تدرس "البرمجة اللغوية العصبية" ضمن مقرراتها التعليمية. بل وفقاً للمجتمع العلمي؛ فإنها تعد علماً زائفاً يجب تجنبه والتحذير منه. 

في أمريكا تنتشر بقوة أنواع عديدة من العلوم الزائفة، ربما لأنها تناسب ثقافة الشارع الأمريكي التي تهيمن عليها نظريات المؤامرة، واتهام الحكومة بأخفاء الأسرار الخطيرة، فانتشرت العديد من الكتب التي تستغل الخيال الشعبي للمجتمع الأمريكي المولع بالإثارة، وأغلبها يدور حول الأطباق الطائرة، أو غزاة من الفضاء، أو سكان العالم السفلي، ومخلوقات تعيش في باطن الأرض، أو خطر الماسونية، والمنظمات السرية التي تحكم العالم.. وهؤلاء الكتٌاب (التجار) ساهموا في ترسيخ هذه الخرافات بحثاً عن الأرباح الطائلة، وتسويق "الكتاب الأكثر مبيعاً".. ولأن الثقافة الأمريكية الاكثر انتشاراً في العالم، ولأن كثيرا من الشعوب يعتقدون بتفوق النموذج الأمريكي، انتشرت تلك الخرافات على نطاق عالمي.

ولأن تلك الممارسات تمثل صناعة مربحة، تصل قيمتها لمليارات الدولارات؛ انتشرت الكتب والمنتجات والنظريات الزائفة التي تدور في المجالات الأكثر أهمية في حياة الإنسان؛ وهي: أسرار الصحة والرشاقة، الحمية وتخسيس الوزن، مستحضرات وطرق التجميل والعناية بالبشرة، المنشطات الجنسية..

وأيضا استغل هؤلاء التجار حاجات الناس الصحية والنفسية وتطلعاتهم المشروعة لحياة صحية وسعيدة، فاستثمروا فيها، مثل مداواة الأمراض، التفكير الإيجابي، تحقيق السعادة الدائمة، إدارة العلاقات العاطفية، كيف تكسب الأصدقاء، كيف تتخلص من همومك، كيف تصبح ثريا.. طبعا هذا لا ينفي وجود بعض الكتب والمنتجات والنظريات المبنية على أسس علمية، لكنها ضاعت وسط سوق الغش والتضليل..

رغم صعوبة وضع حدود فاصلة ودقيقة بين العلوم الحقيقية والعلوم الزائفة، إلا أن العلوم الزائفة غالبا ما تكون مستوحاة من أفكار تاريخية، ومن تراث شعبي موغل في القِدم، لتوحي بأنها خلاصة خبرة الحكماء القدامى، والعلوم الزائفة تتسم بالغموض، وتستخدم مصطلحات غير مألوفة، ومعقدة.. وهي حيلة يمارسها المدعون، ظنا منهم أن إضفاء مسحة من الغموض سيعطي هذه الخرافات صبغة علمية.

والعلوم الزائفة تعتمد على فرضيات غير واضحة، وغير قابلة للاختبار والدحض، أو للإحصاء، ويلجأ منتهجو العلوم الزائفة لنسْب ظواهر معروفة لنظرياتهم الغامضة وإسقاطها عليها، رغم أنها لا علاقة لها بعلومهم بتاتا. مع طمس واخفاء أية أدلة لا تتوافق مع نظرياتهم، أو تدين خداعهم، ويعتمدون على أحكام وأوصاف وشهادات شخصية وقصص نادرة، فالشهادات الشخصية أو القصص النادرة من الممكن أن تُستخدم في بداية اكتشاف فرضية جديدة تخضع للاختبار، ولكنها لا تُستخدم دليلا على صحة الفرضية.
وهناك علوم حقيقية تم الاستثمار فيها تجاريا، لدرجة أفرغها من مضامينها، مثل منح شهادات الأيزو والهاسب وتأهيل المدربين وغير ذلك، سأتناولها في مقال قادم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق