أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

سبتمبر 01، 2018

التاريخ المظلم للطب



الطب أحد أهم احتياجات الإنسان، ولولاه لظل متوسط عمر الإنسان لا يتجاوز العشرين عاما.. الطب أحد أروع وأهم منجزات البشرية، وتطوره من أهم المقاييس لرصد تطور أي مجتمع.. ولا حاجة لنا لمدح الطب وتبيان أهميته.. والطبيب في أي مجتمع شخصية مرموقة وجديرة بالاحترام..

ولكن، وبالرغم من القفزات الرائعة والعظيمة لتطور الطب على مدى التاريخ، إلا أن للطب تاريخ موازي.. تاريخ فيه صفحات مظلمة (كانت أغلب صفحاته ناصعة ومشرقة).. في هذه الصفحات المظلمة اقترف أطباء أخطاء وخطايا فادحة، بل وجرائم شنيعة.. بعضها كان بسبب محدودية أدوات المعرفة في تلك المراحل التاريخية، أي قبل الوصول لعصر الاكتشافات الكبرى والفتوحات العظيمة في مجالات العلوم المختلفة.. وبعضها كان عن جهل، وبعضها عن سوء نية..

في برنامجها الشهير "الإسبتالية"، تحدثت الدكتورة إيمان الإمام عن مرض وهمي اسمه هيستيريا السيدات، حيث قالت: عاشت النساء مئات السنين وهن متهمات بهذا المرض الخطير، وكان أول من اخترع هذا المرض هو "أبو قراط"، وكلمة هيستيريا في الإغريقية تعني الرحم؛ حيث اعتقد الأطباء حينها أن الاضطرابات النفسية، والأحزان، والقلق، وقلة النوم، وافتعال المشاكل، والعصبية، والمزاجية، وفقدان الشهية، والتعب والإرهاق.. وكذلك الاضطرابات المرافقة للدورة الشهرية، أو أثناء الحمل، أو ما بعد الولادة.. كلها سببها حزن وتوتر الرحم، بسبب الحرمان العاطفي، أو عدم الزواج، أو عدم الإنجاب، وأن هذا التوتر يسري في سائر بدن المرأة، بل إن الرحم نفسه يتنقل في داخل الجسم ناقلا معه كل تلك المشاعر والأعراض السلبية.

وطالما أن هذا المرض مرتبط بالرحم؛ فإنه من الحتمي لن يصيب الذكور، أي أن الهيستيريا مرض خاص بالمرأة.. والأمر الآخر الذي يكشفه هذا التشخيص البدائي، هو نظرة الذكور (ومنهم الأطباء) للمرأة، إذ اعتبروا أن عقل وعاطفة المرأة متركزة في رحمها.. ومن هنا ربما نشأت تلك النظرة الدونية للمرأة..

ولزمن طويل تم تشخيص الهيستيريا بوصفها مس من الشيطان، فكان العلاج بالتخلص من المريضة، أي قتلها، وحرقها، وفي مرحلة لاحقة كان يكتفي الأطباء باستئصال الرحم.. وهنا عندما نقول مريضة نعني أي سيدة تعاني من أي اضطراب نفسي أو جسدي من الأعراض التي ذكرناها، وبسبب ذكورية المجتمع كانت تضاف أعراض أخرى للهيستيريا، فأي سيدة تبدي آراء مخالفة لقيم المجتمع، خاصة المتصلة بالدين، أو تعترض على الزوج في أي مسألة عائلية، أو تحتج على نظام العائلة كانت تتهم بالهيستيريا، وأحيانا كانت التهمة أنها متعلمة زيادة..

 في أوروبا وأمريكا، كان يتم احتجاز السيدات المتهمات بالهيستيريا في مستشفيات وملاجئ خاصة، ضمن ظروف بالغة القسوة، ولسنوات طويلة..

وحتى مع بدء الثورة الصناعية ظلت النساء متهمات بالهيستيريا، وأضيفت لهن تهمة جديدة: عدم قدرتهم على تحمل واستيعاب الحياة المتحضرة، وقد نشر أطباء عديدون أبحاثا تؤكد تلك المقولة.. وحتى نهاية القرن ال 19 كانت النساء ممنوعات من دخول الحقل الطبي، أو الاشتغال بالطب، أو حتى تعلمه..

إلى أن بدأ الأطباء يلاحظون أعراض الهيستيريا على بعض الرجال، خاصة العائدين من الحروب، أو المجرمين، أو من عاشوا طفولة معذبة، ومع ذلك رفض الأطباء الاعتراف بأن هؤلاء الذكور مصابون بالهيستيريا، ولأن العقلية الذكورية مرتبطة دوما بالعنصرية؛ فقد اعتبر الأطباء البريطانيين أن الرجال من الأصول اللاتينية هم وحدهم من يصابون بهذا المرض، وفي أمريكا اعتبروا العبيد فقط من يمكن لهم أن يُصابوا بالهيستيريا.. في ألمانيا ظهرت أبحاث تؤكد أن الرجل الألماني محصن ضد هذا المرض!!

لم يشطب الأطباء مرض "هيستيريا النساء" من قائمة الأمراض الحقيقية إلا سنة 1980.

ومثال آخر على الأخطاء الطبية: حتى نهاية القرن التاسع عشر كان الأطباء يوصون بالمورفين كعلاج للعديد من الأمراض، ثم صار الهيروين نفسه المستخلص من المورفين يباع في الصيدليات باعتباره مهدئ ومسكّن وليس له أضرار جانبية، بل أن قدامى الأطباء في الحضارات القديمة (السومرية والمصرية واليونانية) كانوا يوصون بخلط الأفيون مع الشراب والطعام للمرضى، خاصة الأطفال!!

وكما أخطأ الأطباء بالسماح بتعاطي الأفيون ومشتقاته باعتباره دواء، أخطأوا أيضا بالسماح بمادة DDT، التي استخدمت كمبيد حشري على نطاق واسع في النصف الأول من القرن العشرين، حتى أنهم كانوا يحممون الأطفال والعمال والمساجين بهذه المادة لتعقيمهم من الحشرات، وقد تبين لاحقا أن لها أثر مدمر على صحة الإنسان والحيوان والنبات والبيئة.. إلى أن تم تحريمها دوليا..

وأيضا، ولعقود طويلة كانت أسهل وصفة عند الأطباء "الكورتيزون"، يقترحونه لعشرات الأمراض، نظرا لقدرته العجيبة على الشفاء، واستجابة الجسم السريعة له.. إلى أن تنبه الأطباء لآثاره الجانبية الخطيرة، فجرى تقنين استخدامه بمحاذير شديدة.. وهناك عشرات الأدوية التي كان الأطباء يوصون بها مرضاهم، ثم يتبين لاحقا أن لها آثارا سلبية جانبية، قد تؤدي أحيانا للسرطان، أو تسبب الموت.. اليوم، ولحسن الحظ، لا توافق وزارات الصحة في مختلف دول العالم، على أي دواء قبل التيقن منه، ومن أعراضه الجانبية، وقبل موافقة المنظمات الصحية العالمية، مثل WHO, FDA وغيرها..

أما أخطر الصفحات المظلمة في تاريخ الطب الحديث، فتلك المتعلقة بإجراء تجارب على الإنسان، وقد تورط أطباء كثيرون في تلك الجرائم، خاصة في ألمانيا النازية، وفي كوريا الشمالية، وفي كثير من الأنظمة الشمولية، حيث كانوا يجرون تجارب على أسرى ومعتقلين ومشردين، خاصة في مجالات الحرب الكيماوية، واختراع أسلحة جرثومية، أو حتى في تجارب على أدوية عادية لأمراض مستعصية، وهذا يجري أيضا في أمريكا وأوروبا لدى شركات عملاقة في صناعة الأدوية والبحوث الطبية، ولكن بشكل سري جدا..

وكذلك، ما يتعلق بملفات الفساد في بعض المنظمات الصحية العالمية، التي لها أنشطة في دول العالم الثالث، خاصة في أفريقيا ومناطق الصراع الأخرى.. ويشمل هذا الفساد توزيع لقاحات فاسدة، أو أدوية منتهية الصلاحية..

إلى جانب الفساد الكبير في مصانع الأدوية، خاصة فيما يتعلق بالأرباح الفاحشة، التي تتجاوز مئات أضعاف تكلفتها، أو الامتناع عن صناعة أدوية للأمراض المزمنة مثل السكري والضغط والسرطان.. لأن التجارة في تلك الأمراض تدر عليهم أرباحا طائلة.. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق