أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

ديسمبر 17، 2017

الفيدرالية هي الحل


لطالما سعت الدوائر المعادية للأمة، تعميق انقساماتها الداخلية (وهي انقاسامات وهمية ومفتعلة)، بهدف تأجيج الحروب الدينية، وتحويل الصراع العربي/الصهيوني إلى صراع سني/شيعي، وتفتيت مقومات الوحدة العربية، وإقامة ممالك وكيانات طائفية، بحيث تجد إسرائيل فرصتها السانحة لإعلان نفسها دولة يهودية، وتكرس هذا الوجود بشكل شرعي ونهائي..

ومع أهمية وخطورة هذا المخطط، إلا أن الأنظمة والعربية وشعوبها تساوقت معه بأشكال عديدة، وأحيانا بما يفوق توقعات العدو؛ فتكرست بصورة أو بأخرى انقسامات العالم العربي بين مسيحيين ومسلمين، وبين سنّة وشيعة، وبين أكثرية وأقلية، وما ساعد على ذلك، إرث تاريخي طويل وممتد من الصراعات والفتن الداخلية، ووجود أنظمة مستبدة وفاسدة، ونخب مثقفة لعبت دور المحرض المتآمر، إضافة لوجود مكونات عرقية وإثنية وطائفية، وهذه المكونات تحولت بحكم التوزيع الديموغرافي، والتطور السيسيولوجي للمجتمعات العربية إلى أقليات. ولا يخفى على أي مراقب أن أمريكا وإسرائيل تستغل وجود تلك الأقليات (المضطهدة)، بحيث تتخد من مزاعمها بدعمهم موطئ قدم في المنطقة، ولنشر الفتن والإقتتالات الداخلية، ولجعلها ذريعة للتدخل في شؤون الدول العربية الداخلية..

وقضايا المكونات العرقية والثقافية والأقليات في العالم العربي من أهم القضايا السياسية والاجتماعية التي تنذر بتفتيت النسيج الاجتماعي وتهدد السلم الأهلي، بل وتشعل فتيل الحروب الأهلية والطائفية، وتقود إلى مشاريع الانفصال؛ خاصة بسبب السياسات الإقصائية للأنظمة الاستبدادية الشمولية، وتفشي ثقافة التعصب المذهبي والديني والقومي، والعقلية الأبوية البطريركية التي تهيمن على المجتمعات التقليدية، وتحول دون انطلاقها إلى فضاء الإنسانية والتعددية والديمقراطية والتسامح واحترام حقوق الانسان، وضمان حقوق الأقليات..

وما يزيد من خطورة هذه التقسيمات، أن البلدان العربية، خاصة بعد ما سمي بالربيع العربي، تمر في مرحلة ضعف غير مسبوقة؛ فهناك أربعة حروب داخلية (سورية، العراق، اليمن، ليبيا)، وهناك حالة عدم استقرار في المنطقة، في ظل تفوق كبير لأمريكا، وإسرائيل، يمكن وصفه بالهيمنة شبه المطلقة على مقدرات وتوجهات الدول العربية..

وفي هذا الواقع المزري، تتوفر المناخات الملائمة، لتقسيم المنطقة وإعادة رسم حدودها من جديد، هذه المرة على أسس طائفية ومذهبية.. وقد سمعنا عن خرائط جاهزة، وفي حال نجح هذا المخطط فأنه سيشمل المنطقة بأسرها.. لكن نجاحه ليس بالقدر المحتوم؛ فما زالت الفرصة كبيرة لإفشاله.

في الجانب الطائفي، حاليا، أخطر وأهم تلك التقسيمات: الصراع المؤسف بين السنّة والشيعة، وبين المسلمين والمسيحيين.. أما في الجانب الإثني والقومي فتأتي قضيتي الأمازيغ والأكراد في المقدمة.. أما على صعيد إضطهاد الأقليات، فهي تتفاوت من بلد لآخر، ولكن، بشكل عام لا تتمتع تلك الأقليات بحقوقها الثقافية والدينية.. مع الإقرار بأن المواطن العربي أصلاً لا يتمتع بحقوقه المدنية، ويتعرض لحالات متعددة من القمع والإقصاء والتهميش، بغض النظر عن طائفته وإثنيته..

في بعض البلدان العربية مئات الآلاف من السكان يعيشون في أراضيها، لكنهم لا يحملون جنسيتها، ولا أية جنسية أخرى، يسمونهم البدون، بلدان أخرى تضم في تركيبتها السكانية طوائف وتكوينات ثقافية مختلفة، تعاملهم الدولة كمواطنين درجة ثانية أو ثالثة، إضافة للفساد والقمع السلطوي الذي يعم معظم الدول العربية.. أمام هذه الحالات، وغيرها، لا حل إلا بدولة المواطنَة، أي الدولة الدستورية الديمقراطية، التي يتمتع جميع سكانها بغض النظر عن أصولهم ومعتقداتهم بنفس الحقوق والواجبات، ويكونو سواء أمام القانون، يمارسون حرياتهم الشخصية والثقافية والدينية بحماية القانون، دون منّة من أحد..

أما فيما يتعلق بالتكوينات العرقية والقومية كالأكراد والأمازيغ، فإن موضوعهم يحتاج إلى ما هو أعمق من دولة المواطَنة.. رغم أنها تكفل لهم الحد الأدنى من حقوقهم الثقافية، إلا أنه في الوضع الراهن، ولأسباب موضوعية وسياسية، يحتاج الأمر إلى الدولة الديمقراطية الفيدرالية..

حاليا، يطالب الأكراد بدولة كردستان، وقد نظموا استفتاء على ذلك، والأمازيع يناضلون منذ زمن طويل للإعتراف بلغتهم وحقوقهم الثقافية، ومنهم من يطالب بالانفصال.. وبوسع أي مراقب استحضار عشرات الشواهد على محاولات إسرائيلية وأمريكية ومن جهات معادية أخرى على استخدام تلك القضيتين في عدائهم للأمة العربية، وتشجيع مشاريع الانفصال، في سياق مخططات التفتيت والتجزئة.. وقد سبق أن نجحت الجهات الخارجية بتقسيم أكبر دولة عربية، حين دعمت مشروع السودان الجنوبي، واعترفت به عام 2011. وهذا كان أيضا دليل فشل على مشروع أسلمة السودان برعاية البشير..

في ظل الصراع الداخلي المحتدم حاليا في أربع دول عربية، ومع وجود تكوينات إثنية كبيرة نسبيا، ولتفادي مشاريع الانفصال، وتفويت الفرصة على الأعداء، ولضمان حقوق الجميع، ولتمتين الجبهات الداخلية، وتقوية مؤسسات الدولة، فإن الحل الوحيد الممكن هو الفيدرالية..

الفيدرالية لا تعني التقسيم، ولا تجزئة البلد الواحد.. هذه فزاعة، أكثر البلدان قوة واستقرار ومنعة تلك التي يحكمها نظام فيدرالي، أنظروا مثلا: الولايات المتحدة، سويسرا، ألمانيا، أستراليا، كندا، الهند، الأرجنتين، فنزويلا، ماليزيا، المكسيك..

والفيدارالية مصطلح أجنبي، ويعني "الاتحادية"، وهي تعبير عن طبيعة نظام الدولة المُركب، فهي اتحاد اختياري بين ولايات أو مقاطعات أو أقاليم، تختلف فيما بينها قومياً أو عرقياً أو دينيا أو لغة أو ثقافة، فيأتي نظام مركزي ليجعل منها شخصية قانونية واحدة، ونظام سياسي واحد، مع احتفاظ كل ولاية أو مقاطعة بخصوصيتها وهويتها، وثقافتها.. وفي هذه الحالة يتوفر لكل ولاية أو إقليم نظام ذاتي مستقل، له سلطة تشريعية، وتنفيذية، وقضائية. وتكون الدولة هي الإطار الجامع، لها حق السيادة على جميع أجزائها، ولها احتكار الجيش والسياسة الخارجية وإدارة الاقتصاد العام، وتمثيل الولايات في الخارج.


وعندما نتحدث عن فيدرالية في أي دولة عربية، فإنه من الضروري جدا استبعاد المعيار الطائفي، أي أن التقسيم يكون على أساس جغرافي، بحيث تضم كل مقاطعة كافة سكانها، دون الأخذ بعين الاعتبار انتماءاتهم الطائفية، مع منع وتحريم أي هجرات قسرية أو نزوح جماعي داخلي، وبالتأكيد مع ضمان حقوق الأفراد والجماعات بقوة القانون.. وفي هذه الحالة ستكون الأكثرية السكانية في ولاية ما لطائفة معينة، أو تكوين إثني معين (الأكراد مثلا)، ولكن يجب على تلك الأكثرية احترام القانون العام، الذي يكفل حقوق جميع المواطنين.. وأيضا على دستور الدولة أن يضع التدابير التي تحول دون تغول مقاطعة معينة على الدولة، واستئثارها بالموارد..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق