أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أكتوبر 28، 2017

إلى وزارة التربية، تحدي القراءة الفلسطيني


حينما كنتُ في الصف الرابع الإبتدائي اشتركتُ في مسابقة لتشجيع المطالعة، تدعى "أوائل المطالعين"، وكان الفوز فيها يتطلب إجتياز التصفيات بين المتنافسين على مستوى المدرسة، ثم المحافظة، ثم المملكة الأردنية الهاشمية حيث كنت أقيم، وبالفعل حققتُ الفوز بالمرتبة الأولى على مستوى الأردن (للصف الرابع) لمدارس الحكومة والوكالة.. وفي السنوات الخمس التالية تكرر نفس الفوز بالمرتبة الأولى.. أخي "محمد" يكبرني بسنتين، وأخي "ثائر" يصغرني بثلاث سنين.. أيضا حصدا نفس الفوز، وربما بعدد من المرات 
أكثر مني.. كان هذا في سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي..

كانت أكبر جائزة حصلنا عليها عبارة عن مجموعة قصص أطفال وكتب منوعة، أو أدوات قرطاسية وألوان.. لا يتجاوز سعرها الدينارين.. يعني وزارة التربية ووكالة الغوث مجتمعين يمنحان جائزة للأول على البلاد قيمتها دينارين.. مع ذلك شكرا لهما، وكل الاحترام والتقدير، فهما على الأقل كانا يفكران بتشجيع القراءة، ولديهما مبادرة لحث الطلبة على الإقبال على الكتب والمطالعة.. وهذا أمر حسن..

 ومع أن الجائزة متواضعة جدا بقيمتها المادية، إلا أنها كانت محفزا كافيا لنا للمشاركة سنة تلو أخرى، وكانت فرحتنا كبيرة حين نقرأ أسماءنا في الصفحات الداخلية للجريدة، وحين يحضر أهالينا حفل تسليم الجوائز، ونلبس اللي عالحبل.. لم يكن حينها فيسبوك ولا فضائيات.. حفل بسيط عالساكت..

اليوم، وبعد كل هذي السنين.. أحصد جائزتي الكبرى.. المعرفة.. وعادة القراءة؛ يستحيل أن يمر يوم دون أن أقرأ.. آلاف الكتب والروايات وأضعافها من المقالات، وعالم بلا حدود من المتعة والسفر في كل الأزمنة والأمكنة.. أول مرة اشتركت في المسابقة تقدمتُ بلائحة القصص والمجلات التي قرأتها.. بعدد إجمالي يربو على ال300.. بيد أن لجنة التقييم رفضت الاعتراف بالمجلات واكتفت بنحو مائة قصة.. كانت مجلات سوبرمان والوطواط وميكي.. كانت أول قصة على القائمة حي بن يقظان، والثانية روبنسن كروزو.. ومعظم القائمة ألغاز المغامرين الخمسة والشياطين ال13, والسلسة الخضراء ..

اليوم، هناك جائزة كبرى لتشجيع المطالعة اسمها "تحدي القراءة" تنظمها مشكورة دولة الإمارات, قيمتها 150 ألف دولار.. عدا عن الاحتفال العالمي المهيب، والظهور على شاشات التلفزة العالمية والصحف والمجلات.. وقد فازت في هذه المسابقة هذا العام الطالبة الفلسطينية "عفاف الشريف".. وهذا فخر وإنجاز لفلسطين أفرحنا جميعا..

تشجع وزارة التربية المدارس والطلبة على المشاركة في هذه المسابقة وغيرها من المسابقات الشبيهة، ويتابع الوزير صبري صيدم شخصيا الفائزين والمرشحين قبل وبعد فوزهم.. ومع ذلك.. لا نلمس إقبالا لافتا على الكتب والمطالعة.. الطلبة (والكبار أيضا) يفضلون القراءات السريعة والمختصرة جدا.. سطرين أو ثلاثة.. حتى النكتة إذا كانت طويلة لا يقرؤونها!!

بالمناسبة، أصعب شيء أن تقنع شخصا ما بمتعة القراءة وأهميتها.. لأن هذه المتعة لا يدركها إلا من جربها.. ومن جربها لا يحتاج لإقناع.. تماما مثل إقناع شخص مجنون بأنه مجنون.. ولذلك، ومن أجل تشجيع الطلبة على القراءة، يجب أن يكون أمامهم محفزات.. أي جوائز.. سواء جوائز معنوية أم مادية.. الاشتراك في المسابقات العربية والدولية ليس بالأمر السهل، اجتياز التصفيات رحلة طويلة لا يصبر عليها إلا القليل..

وطالما أن وزارة التربية والتعليم تدرك أهمية عادة القراءة، باعتبارها شرطا أساسيا لإحداث التغيير الإيجابي المنشود في بنية المجتمع وثقافته.. فضلا عن أهميتها وفوائدها الجمة للطلبة أنفسهم.. فلماذا لا يكون لدينا مسابقاتنا الوطنية المحلية لتشجيع الطلبة على المطالعة؟ أعتقد أنه ليس صعبا أبدا على الوزارة تدبر قيمة الجائزة (فلتكن مثلا خمسة آلاف دولار توزع على أول ثلاثة فائزين)، وتدبر تكاليف المسابقة نفسها التي لن تتجاوز بضعة آلاف أخرى من الدولارات.. مبلغ زهيد جدا على شعب يرنو نحو المستقبل، ودولة نسعى لبنائها على أسس حديثة وسليمة..

صحيح أن أغلبية المدارس تضم في جنباتها مكتبة.. ومن خلال تجوالي على عدد لا بأس به من المدارس لاحظتُ أن عدد الكتب قليل جدا، ونوعيتها لا تلائم الطلبة، ولا تجذب اهتمامهم.. والأهم أنَّ زيارة المكتبة ليست عادة منتشرة بين الطلبة.. الموضوع بحاجة إلى مزيد من الاهتمام، وأن لا يُترك لمزاج المعلمين ودرجة حماسهم للموضوع.. بحاجة إلى برامج مدروسة..

أغلبية المدارس لديها ملاعب، وهذا حسن جدا، بل ضروري وأساسي.. إذا زرت تلك المدارس ستجد معظمها فيها لوح كرة السلة معطوب، أو الحلقة مكسورة.. إصلاح "البورد" و"الرينغ" يكلف نحو مائة دولار فقط.. وأي مدرسة بوسعها تدبر هذا المبلغ الزهيد.. ومع ذلك تبدأ السنة الدراسية وتنتهي دون أن يبادر أحد لإصلاح الملعب.. ماذا يعني هذا؟؟ يعني حرمان عشرات آلاف الطلبة من حقهم في اللعب، وحرمانهم من فرصة أن يبرز أحدهم ويبدع ويتفوق في هذه اللعبة.. وبالتالي تأخر وتخلف الرياضة الفلسطينية، ليس في كرة السلة وحسب، بل وفي كل الألعاب الأخرى التي تستطيع مدارسنا تزويد الوطن سنويا بآلاف اللاعبين المميزين والبارعين فيها..

ما ينطبق على المطالعة واللعب والرياضة ينطبق على الفنون والمهارات والموسيقى وكل المواهب الواعدة التي يمتلكها طلبتنا، لكن مدارسنا حرمتهم من فرصة الإبداع فيها، لأسباب غير مقنعة، غالبا ما تكون بسبب عدم إدراك الإدارة والمعلمين لأهمية هذه المسائل.. أو بسبب تركيز المفتشين على مدى إنجاز المقرر.. وهذه معضلة أخرى..

لا نحتاج ثروات ومبالغ ضخمة حتى نحقق إنجازات كبيرة.. نحتاج فقط إرادة وتخطيط.. ولدينا مخزون بشري غير عادي..
أبو الطيب قال في سالف الزمان: خير جليس في الزمان كتاب..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق