أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مارس 01، 2017

محمد عبد الله نصر


قضت محكمة مصرية، في شباط الماضي، بمعاقبة الشيخ "محمد عبدالله نصر" (رئيس الإتحاد العالمي لعلماء الإسلام من أجل السلام) بالسجن 5 سنوات مع الشغل والنفاذ، وهي الحد الأقصى للعقوبة، رغم أن العقوبة كان يمكن أن تكون غرامة، أو ستة ٲشهر، وبعد جلسات عديدة! ما يشير إلى أن الحكم كان جاهزاً.. التهمة هي إزدراء الأديان، وجاءت على خلفية اجتهاد الشيخ حول موضوع قطع يد السارق..

شيخ الأزهر "أحمد الطيب" من الذين رفعوا الدعوة ضده، وهو - حسب ما وصفه بعض المشايخ والمفكرين المصريين - ضحل الثقافة، وكان مقربا من نظام "مبارك"، حيث عينه "جمال مبارك" ضمن لجنة السياسات في الحزب الوطني، ثم رقّاه رئيسا لجامعة الأزهر، ثم جعله شيخا للأزهر.. وهو من الذين رفضوا دعوة "السيسى" لتطوير وإصلاح الخطاب الدينى؛ وهي دعوة على ما يبدو تواجه عثرات كبيرة، عمل الكثيرون على إفراغها من مضامينها، حتى باتت مجرد شعارات.
حول موضوع الدعوة، اعتبر الشيخ "مصطفى راشد" أن ما قاله الشيخ "نصر" في تفسيره للآية 38 من سورة المائدة "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما"، بأنه اجتهاد، فسّر فيه القطع المقصود في الآية بمعنى التجريح أو التشريط، وليس البتر.. مستدلا بذلك على قوله تعالى فى سورة يوسف: "وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ"، مستنتجا أن القطع في تلك القصة لم يكن البتر الكامل، بل كان مجرد تشريطا وتجريحا لها. 
الشيخ "أحمد صبحي منصور" قال بأن هذا القاضي الذى حكم على الشيخ "نصر" بالسجن إنما يناقض نفسه، ويناقض القانون الذى يحكم به، فهذا القاضي لم يحكم على أي سارق بقطع يده، رغم مئات قضايا السرقة التي مرت عليه، لأن القانون المصري ليس فيه بتر.. وهو بذلك يتفق مع اجتهاد الشيخ "نصر"، أي أن القانون المصري يتفق مع ما يقوله الشيخ "نصر"؛ فلماذا حكم عليه بأقصى عقوبة؟
الشيخ "نصر" كان فى فرنسا قبل المشكلة، وكان يستطيع اللجوء إليها لو أراد، لكنه آثر العودة لبلده، ومواصلة معركته في مواجهة ما يسميه "هيمنة السلفية على الأزهر".. ولفهم أبعاد وخلفيات القضية، يتوجب ربطها بمحاكمات سابقة، حَكَم فيها القضاء المصري على مفكرين متنورين، كل ما فعلوه هو مخالفة الأزهر، منهم الكاتب "نصر حامد أبو زيد"، الذي كفرته المحكمة، وأمرت بتفريقه عن زوجته، وأيضا الباحث "إسلام البحيري"، الذي حكم بالسجن لخمس سنوات، تم تخفيضها إلى سنة..
لا نريد هنا العودة المحاكمات سابقة ودعاوى مرفوعة ضد مفكرين وفنانين، وكتّاب، مثل نجيب محفوظ، محمد عبد الوهاب، فاطمة ناعوت، سيد القمني وغيرهم.. فهؤلاء من خارج المؤسسة الدينية، ويصرحون بعلمانيتهم.. لنكتفي بالحديث عن الدعاوى المرفوعة ضد علماء ومفكرين إسلاميين، بتهمة إزداء الأديان.. (الشيخ نصر، نصر أبو زيد، إسلام البحيري).. هؤلاء يعتبرون أنفسهم إسلاميين، لم يتطرقوا للذات الإلهية أو لنبي الإسلام، ولم ينكروا ماهو معلوم من الدين بالضرورة، ولم يشككوا بآية من القرآن الكريم، أو بحديث صحيح متواتر، ولم يسخروا من الدين بشئ.. كل ما فعلوه أنهم اجتهدوا، وحاولوا تنقية التراث الإسلامي مما أصابه من شوائب، وتصويب بعض المفاهيم المغلوطة عن الإسلام.. لكنهم خرجوا بنتائج مغايرة للعقلية السلفية المغلقة التي تسيطر على الأزهر، انتقدوا الكتب والمناهج المقررة في الأزهر.. إسلام البحيرى مثلا قال إن برنامجه مكرس للدفاع عن الإسلام، وأن هناك عددًا من الأئمة لا يستحقون لقب إنسان، وأن البخارى ليس ملَكا لا يخطئ.. ومع ذلك، أو ربما بسبب ذلك هاجمهم الأزهر، واستقوى بالسلطة لإقصائهم..
المعركة بين الأزهر والمفكرين، أو بين الإسلاميين المعتدلين المتنورين ضد السلفيين والوهابيين معركة قديمة، وأسبابها معروفة.. وهي متوقعة.. وأيضا استقواء نظام مبارك ومن جاء بعده بالأزهر مسألة متوقعة، وتأتي في سياق استعانة السلطة ببعض المشايخ (وعاظ السلاطين) لتثبيت أركان حكمها، والاستقواء بشرعية المؤسسة الدينية وهيمنتها على قلوب وعقول العامة... لكن الغريب، وغير المتوقع هو سير نظام "السيسي" على ذات النهج، ليس لأن السيسي أفضل من سابقيه؛ بل لأن مصر تتعرض لهجمة خطيرة وممنهجة من قبل داعش، أو بعبارة أخرى من قبل التيار السلفي المتشدد.. وهذه المعركة لا تقتصر على سيناء، بل تمتد في كافة أنحاء البر المصري.. وهؤلاء لا يُلحِقون الهزائم بالجيش المصري في سيناء وحسب، بل ويسعون لاختراق كافة مؤسسات الدولة ومرافقها (الجيش، الأمن، القضاء، النقابات، الاقتصاد، الإعلام...) للهيمنة عليها وعلى المجتمع، وفرض مفاهيمهم على الناس، وتحديد أنماط حياتهم، وصولا إلى تغيير هوية الدولة، وهوية مصر كلها..
الجيش المصري، أقوى جيش عربى، ومن المؤسف أن نراه يتصاغر ويتراجع وينهزم أمام مجموعات مسلحة بأسلحة بدائية، ويتلقى ضرباتها في نفس المكان مرات عديدة، حيث تقوم داعش بقتل الجنود والضباط فى سيناء، وتسيطر على مساحات كبيرة منها. وشيوخ السلفية مع شيوخ الأزهر يدافعون بكل ضراوة عن دين داعش الوهابي، ويأمرون "السيسي" بسجن الشيخ نصر والبحيري وغيرهم، فيستجيب لهم منصاعا!!
في هذه المعركة، وإزاء هذا الواقع، ليس أمام النظام المصري سوى طريقين لا ثالث لهما: إما إصلاح وتطوير الخطاب الديني والسياسي، وإما مواصلة السير فى طريق الاستبداد والفساد إلى نهايته.. ويبدو أن النظام اختار المهادنة مع الأزهر ومع الفساد أيضا، وإذا ما استمر الوضع على ذلك، فمن المتوقع خروج ثورة جياع قد تطيح بالنظام، حينها لن تنفعه أي محاولة لكسب الوقت، وإلهاء المصريين بأي حادث، ولن يفيده إرضاء السلفيين المتشددين، أو إرضاء شيخ الأزهر صاحب الحظوة لدى السعودية..

أحيانا، أخطاء صغيرة، أو الإصرار عليها، أو التأخر في إصلاحها تقود إلى كوارث.. والخطير أن مشاكل النظام باتت كلها عبارة عن كوارث..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق