أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يونيو 12، 2016

البرامج الرمضانية


تناول المسلسل الشهير "باب الحارة" في الأجزاء الأولى منه جانبا من حياة الأحياء الشعبية من دمشق القديمة في بدايات القرن العشرين، وقد لاقى المسلسل في بداياته إقبالا جماهيريا، حتى صار مقترنا بشهر رمضان.. ما دل على نجاحه في تقديم مادة فنية في إطار من التشويق والتسلية، الأمر الذي أغرى المنتج بتقديم أجزاء متلاحقة منه، وفكرة إنتاج أجزاء إضافية لأي مسلسل أو فيلم ليست بالجديدة، وإن كانت في أغلب الأحيان تنطلق من هدف ربحي على حساب المضمون والمحتوى.. وأيضا ليس غريبا أن يكون المسلسل طويلا؛ فالمسلسلات التركية والمكسيكية وحتى الأمريكية طويلة جدا.. ولكن بالنسبة لباب الحارة لا أدري ما الذي سيقوله في هذا الجزء، الذي بدأ مملا ومكررا..

في الأجزاء الأولى أظهر المسلسل قيم أهل الحارة الإيجابية، كالتعاون والتكافل الاجتماعي؛ إلا أنه في المقابل أبرز المظالم التي كانت تتعرض لها المرأة آنذاك، والنظرة السلبية التي كانت تحيط بها، كما لو أنها هي الفضيلة بحد ذاتها، وقد أخفق تماما في إظهار أي نقيض لهذه الحالة السلبية، كأن يستدعي المؤلف على سبيل المثال شخصية ما لها نظرة مغايرة تجاه المرأة تكون أكثر تطورا وإيجابية، ما يفتح المجال أمام المشاهد لإجراء مقاربة بين النموذجين، أو أن يُظهر المخرج مشاهد إهانة المرأة وظلمها بحيث تبدو مستهجنة ومُدانة.
ونلاحظ أن المرأة في باب الحارة مجرد خادمة يبدأ عملها الشاق مع أول خيوط الشمس ولا ينتهي إلا بعد أن ينام آخر الذكور في البيت، وما حياتها إلا تنقل بين سلطة الأب والأخ والزوج دون أن تحظى بأية فرصة لتعيش ذاتها،كما لو أن المخرج أراد تصوير هذا الوضع باعتباره النموذج الصحيح الذي يتوجب على نساء اليوم أن تحذو حذوه!! في النهاية، أحدث المسلسل تأثيرا سلبيا لدى المتلقي (الرجل والمرأة)؛ بحيث صار يعتبر أن دور المرأة الصحيح تلخصه عبارة "حاضر إبن عمي".. وعدى عن طرحه قضية المرأة بهذه السلبية؛ فإن المسلسل قدم صورة مغايرة للواقع؛ فالمرأة السورية لم تكن دائما بهذه السلبية، وهناك نماذج راقية لها أخفق المسلسل في إظهارها.
ولاكتمال صورة المجتمع البطريركي التي يظهرها المسلسل؛ سنرى طريقة تعامل الكبار تجاه الصغار، وفرض رؤاهم عليهم، والظلم الذي يتعرضون له، ومصادرة حياتهم الخاصة، وجعلها استمرارا لصورة المجتمع القديم المحافظ المسكون بالخوف من التغيير، قدمها المسلسل أيضا كما لو أنها الحالة النموذجية للأسرة الصالحة..
ثم تأتي صورة رجل الدين (الرسمي، أو التقليدي) الذي أراد لها محرر النص أن تكون مغايرة تماما ومختلفة بسلوكها ومظهرها عن بقية شخوص الحارة، فبدت شخصية معصومة عن الخطأ، وتسمو على طبائع البشر، وهذا تصوير مثالي يتناقض مع الواقع، وربما كان مسكونا بهاجس أيديولوجي غيبـي، بدليل معالجتة للمشاكل وتعامله مع الأحداث بطريقة ساذجة وسطحية ترتكز على الأسطورة. فيما قدم الجزء الأخير من المسلسل صورة المتدين المتشدد، الذي يعامل زوجته بكل قسوة..
أما المغالطة التاريخية الواضحة فهي إظهار البرجوازية التجارية في دور المجاهد الذي لا يكتفي بدفع التبرعات، بل بحمل البندقية واختبار الأخطار الحقيقية، في حين يكاد ينحصر دور الفقراء بين التسول والانحراف، وفي أحسن الأحوال عدم انخراطهم في أي دور نضالي ضد الاستعمار.
من المسلسلات الجديرة بالمشاهدة؛ "أفراح القبة" للأديب الكبير نجيب محفوظ، و"ساق البامبو" للروائي الكويتي سعود السنعوسي، والذي أتمنى أن يأتيان بمستوى روعة الرواية، وأيضا المسلسل التاريخي "سمرقند"، الذي يتناول واحدة من المراحل الخطيرة في تاريخنا.
من المبكر الحكم على مسلسل عادل إمام، الذي بدا لحد الآن مكررا، برتم بطيء، ومثل مسلسلاته السابقة يأتي بسيناريوهات غير منطقية ومبالغ فيها، مثلا ما هو غير منطقي (حتى الآن) قيام السفير الأمريكي بدور تاجر العقارات، الذي يمضي الساعات الطوال وهو يتفاوض على سعر بيت.. هل لذلك بعد سياسي سيظهر فيما بعد؟ أم أن ذلك جزء من عملية تشويق مبتذلة؟!
أما الكوميديا العبثية "رامز يلعب بالنار" فهي مجرد استهزاء من المشاهير وهم في حالة ضعف، وممارسة سادية تقود إلى التطرف، وتجعل المشاهد يتلذذ بمشاهدة إنسان يتعذب وهو يواجه موقفا مربكا ومخيفا، فبدلا من التفكير بمساعدته تحثه على الضحك عليه!! حتى ينسى في غمرة الضحك أن هذا الشخص (ضحية الحلقة) الذي تحول إلى مادة سخرية، هو مجرد إنسان، سيتصرف بتلقائية وغريزية، تماما مثل أي إنسان آخر..
خلافا للكوميديا الهادفة "سيلفي" للفنان ناصر القصبي، الذي يقدم تشخيصا اجتماعيا جريئا، يتعرض فيه بالنقد للكثير من المظاهر السلبية للمجتمعات العربية.
وربما أكثر ما يزعج في التلفزيون الرمضاني الدعايات التجارية؛ ليس كثرتها والمبالغ فيها وحسب؛ بل والأهم من ذلك محتواها والرسائل الضمنية التي تبثها.. وحثها على تنمية عقلية الاستهلاك، والتبذير، وتشييء كل القيم الإنسانية، وتشويهها.. 
وفي ذات السياق؛ أي استغلال شهر رمضان للأغراض التجارية، تأتي الكثير من برامج الغذاء والصحة وفنون الطبخ، والتي في كثير من الأحيان لا تراعي دقة المعلومة، بقدر ما تركز على تلبية رغبات المشاهدين بتقديم الوصفات "السحرية" لتخسيس الوزن.. ومثلها تماما بعض البرامج الدينية التي تعيد إنتاج نفس الفتاوى، ونفس الأسئلة الساذجة، والإجابات الجاهزة..
ربما يكون برنامج الصدمة مختلف؛ لكونه يقدم شكلا جديدا من النقد الاجتماعي على شكل كوميديا سوداء، وحتى لو كان الواقع أحيانا أكثر بشاعة، إلا أن البرنامج صدمنا بحقيقة واقعنا وبعض تفاصيله الصادمة: عقوق الوالدين، قسوتنا على الفئات الضعيفة، وذوي الاحتياجات الخاصة، والخادمات، تعاملنا المتعالي مع عمال النظافة، عنصريتنا تجاه الغرباء. إضافة لذلك وضعنا البرنامج في مواجهة مع ذاتنا، وكشف أمراضنا النفسية، وضعفنا، وسلبيتنا إزاء ما نشاهده ولا يعجبنا.. وحتى ميلنا للعنف؛ حيث نعطي لأنفسنا الحق بضرب شخص آخر، ليس لتصويب مسلكه، ولا محاولة منا حل المشكلة؛ بل لمجرد "فشة الغل" والتنفيس عن الغضب.
برنامج القمرة، للإعلامي أحمد الشقيري، أيضا مختلف، فهو يقدم مادة توعوية وناقدة من خلال مشاركات ناشطين، عبر أفلام مسجلة قصيرة جدا، ولكنها مفيدة، ومتماشية مع تطور وسائل الاتصال التكنولوجي.
ورمضان كريم.. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق