أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أبريل 09، 2016

الحرب على الإرهاب


بعد انتهاء الحرب الباردة بتفكك الاتحاد السوفييتي وانكفاء الحركات الثورية التي كانت تدور في فلكها، وجدت أمريكا نفسها متفردة في الهيمنة على العالم، وهي المرة الأولى في التاريخ ينشأ فيها نظام أحادي القطبية، وهذا أمر تعلم أمريكا أنه لن يدوم طويلا، لأنه يتناقض مع نواميس الطبيعة وحركة التاريخ. لذا، وفيما كانت الدول الكبرى تتجهز لتأخذ مكانتها على الخارطة السياسية الجديدة، وقبل أن تشكل دول شرق آسيا والاتحاد الأوروبي تكتلات اقتصادية كبرى، وقبل أن تتمكن روسيا من استعادة بعض مكانتها، بادرت أمريكا بخطوة استباقية لاحتلال منابع النفط في الشرق الأوسط، كمدخل أساسي للتحكم في الأسواق العالمية، وشرط للإمساك بشريان العالم الاقتصادي.


في هذا السياق بدأت أمريكا بالبحث عن عدو استراتيجي يغطي الغياب المدوي لغريمها السابق، خاصة وأنها فقدت مبرراتها الأخلاقية التي كانت تسوّقها للعالم (مكافحة الشيوعية والأنظمة الديكتاتورية)؛ فوجدت ضالتها في الإسلام، ومع صعود المحافظين الجدد لسدة البيت الأبيض أواخر التسعينات، والذين هم في الأساس يمثلون شركات نفطية، ويحملون أفكار يمينية متطرفة، وأطماع توسعية، شرع هؤلاء على الفور بوضع الخطط والاستراتيجيات، وخلق المبررات السياسية والأخـلاقية لحربهم الجديدة.

والحرب الجديدة التي ستشنها أمريكا تحت شعار مكافحة الإرهاب، وستضع المسلمين فيها خصما رئيسا، هي في جوهرها حرب سياسية اقتصادية بحتة، لا علاقة للدين بها، إلا بقدر ما تستغله كغطاء وذريعة لتغطي على أهدافها الحقيقية المتمثلة في السيطرة على موارد الشعوب، وإقامة قواعد عسكرية في المناطق الساخنة من العالم، لإدارة حربها الكبرى للسيطرة والهيمنة على العالم أجمع.
وقد احتل مفهوم الإرهاب المرتبة الأولى بين المفاهيم الفكرية والسياسية المختلف عليها في الآونة الأخيرة؛ فتعددت تعريفاته تبعا لكل جهة أرادت تعريفه، ويمكن القول أن معظمها قد تقاطع عند نقطة مفادها أن الإرهاب هو أية أعمال عنف أو تخريب يقوم بها أفراد أو منظمات أو دول لتحقيق أهداف سياسية، تؤدي لإثارة الرعب في نفوس المدنيين، وعادة ما تكون ضحايا الإرهاب عشوائية، دون أن تكون طرفا ضالعا في الصراع، أو تمتلك أية فرصة للرد.

ووفقا لهذا التعريف؛ فإن أمريكا بسبب قيامها بعمليات إبادة جماعية، ودعمها للعديد من الأنظمة الشمولية، وحربها على أفغانستان والعراق، ومن قبلها فيتنام وكوريا وغيرها تعتبر راعية الإرهاب المنظم؛ بل هي سبب ومبرر وجود العنف والتطرف والإرهاب في كل بقاع العالم.

كما أن الاحتلال الإسرائيلي بحد ذاته يعد أعلى مراتب الإرهاب، وما تقترفه إسرائيل من استهداف للمدنيين وعقاب جماعي وعمليات الإستيطان وغيرها، تعتبر جرائم ضد الإنسانية، ومع ذلك وبسبب الماكينة الإعلامية الصهيونية تمكنت إسرائيل من خداع العالم، وتصوير الكفاح الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال بأنه إرهاب، تماما كما نجح الإعلام الأمريكي بقلب الحقائق، وجعل إرهابها حربا على الإرهاب !!

وبالطبع؛ فليس كل ما تعتبره أمريكا إرهابا هو كذلك بالضرورة، فقد استغلت أمريكا مصطلح الإرهاب لأقصى حد، خاصة بعد أحداث 11 أيلول، بقصد التغطية على سياساتها العدوانية، وتشويه صورة الشعوب والحركات التي تناضل ضدها، وبهدف تمرير مشاريع وقوانين داخلية، ولزيادة قدرتها على التحكم بالمجتمع، وحصول أجهزتها الأمنية على موازنات خرافية لتمويل حربها المزعومة، وهي أمور كان من الصعب تمريرها في الأحوال الاعتيادية، لذلك، كان لزاما عليها تضخيم هذا العدو، أو حتى إختلاقه إذا لزم الأمر.

ومن أجل ذلك، تبنت أمريكا ما يُعرف بسياسة "صناعة الرعب"؛ فعمدت إلى إيجاد مجموعات إرهابية تحت مسميات إسلامية، أو اختراق ودعم جماعات إسلامية متشددة، وافتعال أعمال تخريبية ونسبها إليها، وخلق البيئات الملائمة لنمو هذا "الوحش"، طبعا هذا كان في البداية، وفيما بعد كبر هذا الوحش، وصارت له آلياته ومحدداته وأساليبه المستقلة، وجماعاته التي صارت تتسابق فيما بينها على ممارسة الإرهاب. وفي النهاية، قدمت تلك الجماعات خدمة كبرى لأمريكا، وسهلت عليها مهامها بأكثر مما كانت تحلم، ووفرت لها كل الذرائع اللازمة.

وإذا اعتبرنا أن هجمات 11 أيلول، مثلت نقطة التحول الرئيسة، أو شرارة البدء في ما يسمى الحرب على الإرهاب، والاعتداءات التي تلتها في المدن الأوروبية مثلت ذروة التهديد للمجـتمعات الغربية (الكافرة)، فإنها في نفس الوقت قد سلطت الضوء على التنظيمات الأصولية، وطرحت أسئلة جوهرية تتطلب إجابات متأنية معمقة، وهي: هل ما يقوم به هؤلاء الإنتحاريون هو مجرد عمل عبثي من قبل شبان ملأ اليأس قلوبهم، ولم يجدوا وسيلة للدفاع عن قضيتهم العادلة سوى التفجير !؟ ثم ما هي هذه القضية العادلة !! وهل هؤلاء مجرد ضحايا للتضليل الأمريكي، لدرجة أنها ساقتهم للموت وهم فرحون بما يفعلون ؟ أم أنهم أصحاب رؤية ورسالة ؟ بغض النظر عن محتوى تلك الرسالة.

ولو اقتصر الأمر على مهاجمة "المدن الكافرة" لركزنا الإجابات باتجاه محدد، لكن أعمال القتل والتفجير قد شملت مختلف الدول الإسلامية، وامتدت في الساحات والأسواق وحتى المساجد، الأمر الذي سيغير مجرى الإجابات كليا، وهذا يستوجب منا أن نعرف دوافعهم، ومبرراتهم أولا، ثم نضع إجاباتنا بعد ذلك.

 وبالبحث في خطابهم سنجد أنهم يصفون تلك الهجمات الإرهابية بالغزوات، وهي تسمية لها دلالة رمزية تحاول أن تضفي صفة القداسة على أعمالهم، وقد دأب منظّروا هذه الجماعات (شأنهم شأن كل الأصوليات الأخرى في المسيحية واليهودية) على تبرير أعمالهم بفتاوى شرعية، والإدعاء بأنهم يخوضون حربا مقدسة، أي حرب الإيمان ضد الكفر، وبعبارة أوضح: الحرب بين نموذج الإسلام حسب ما تفهمه تلك الجماعات ضد كل ما لا يشبهها في العالم.

بالمختصر، إن استغلت أمريكا موضوع الإرهاب لتبرير إعتداءاتها، وإن دعمت جماعات أصولية معينة، أو حتى اخترقتها بالكامل، فهذا لا يعني أن ما يجري في البلدان العربية والإسلامية من قتل وخطف وترويع وتفجير وقطع للرؤوس وسبي للنساء ... هو ليس إرهابا، لمجرد أن أمريكا تصفه كذلك، أو لمجرد أن أمريكا تحاربه !!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق