أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أبريل 11، 2016

حوار سريع على حاجز طيار


رغم وعثاء السفر، ومشقة العبور عن الجسر؛ إلا أن عصر ذلك اليوم كان لطيفا، على طريق "المعرجات" جلتُ بنظري نحو الأفق؛ كان المنظر خرافيا: تلال تشبه القبب، تتحمرّ تحت شمس توشك أن تغيب، وكلما صعدنا أكثر تزداد طراوة الجو، وقد بدت أزهار الأقحوان والحنون تزين السهول المحيطة بألوانها الزاهية، ورائحة الميرمية تفوح بالمكان، فتحتُ شباك السيارة لأملأ رئتي بهواء البلاد، وأنا أتلهف الوصول للبيت.. وبالقرب من بلدة الطيبة، ثمة حاجز إسرائيلي طيّار، أوقفني الضابط بإشارة من يده، وبلهجة محلية طلب مني هويتي، كانت أم كلثوم تغني "ألف ليلة وليلة"، فأردت خفض صوت المسجّل، إلا أن الضابط قال بصوت فيه بعض المرح: خلليه، هو في أحلى من أم كلثوم ؟! قلت له: لا طبعا. فقال: يا ريت لو عنا عبقري زي بليغ حمدي، فأجبته: المسألة مش بهالبساطة، والعبقريات الموسيقية لا تأتي صدفة .. بعصبية رد: طيب طيب، خلص ..

تأمل في بطاقتي الشخصية، ثم بدأ بالتكبيس على أزرار كمبيوتر محمول، كان موضوعا على مقدمة الجيب العسكري، وبعد برهة، التفتَ إلي بلهجة استعراضية قائلا: حضرتك موقّع على حملة لوقف صيد الحيتان الزعنفية في المحيط الهادئ .. قلت له: نعم صحيح، فرد بعصبية: طيب أنتو شو دخلكم بالحيتان الزعنفية، أصلاً بحر ما عندكم !! ولا بدكم تثبتوا للعالم إنكم ناس متحضرين !! بصوت هادئ أجبته: عندنا بحر من أجمل البحار، بس المشكلة ممنوع نوصله ..
تجاهل جملتي الأخيرة، وبنبرة آمرة، سألني: شو كنت تسوي بعمّان ؟! فأجبته بأني كنت قادما من فينّا، فرد بلهجة مستنكرة: يعني بتسافروا وين ما بدكم، وأنا ممنوع أسافر عشان الخدمة العسكرية، ولو بدي أسافر لازم أروح على بلاد أجنبية، لأنه بلادكم بخاف أدخلها، وبعدين بتحكوا عنا احتلال عنصري !!
لم أعلق، فعاود السؤال: وشو كنت تعمل في فينّا؟!  فأجبته بأني شاركت في مؤتمر علمي عن الطاقة البديلة. فرد بنفس العصبية: يعني حتى الطاقة البديلة بدكم تتدخلوا فيها، وأنتو ما عندكم كهرباء !! ثم خفّف من حدة تجهمه، وأخذ يسألني عن رأيي في "الأولاد اللي بطعنوا الجنود بالسكاكين"، وشعرت أنه يريد الدردشة، فقلت له بعد أن تكاثرت السيارات من خلفي: شو رأيك أصف عاليمين، عشان أحكي براحتي وما نأخر الناس اللي ورانا ؟ فقال بسخرية: نأخر مين ؟! وعن إيش بدهم يتأخروا !؟؟
كان صف السيارات وراءنا طويلا، وقد بدأت السيارات البعيدة تطلق "زواميرها" لتشق بكارة الصمت، ومع ذلك كان لا يسمع سوى صوت زوجته وهي تصيح عليه بنبرة غاضبة: ليش ما روحت ؟ فيجيبها بصوت أعلى: يمكن آخر الأسبوع ما أقدر أروح كمان..  كنتُ أنتعش بنسمات العصارى، فيما كان العرق يتصبب من تحت خوذته، أحدّقُ في المدى المفتوح، مأخوذا بسحر المكان، أما هو ورغم تعبه، كان يتجنب الجلوس على الحشيش، خشية تعرضه للدغ الحشرات ..
ناولني الهوية بعصبية، وصرخ بي قائلا: وطّي هالزفت، خلليني أشوف أولاد الكلب اللي بزمروا، يلله روح من هون ... انطلقتُ مسرعا، وأنا أرقب الحاجز بالمرآة، وقد بدأ يتلاشى شيئا فشيئا، إلى أن اختفى كليا، وصراخ الضابط يذوب في الفضاء ويتلاشى .. وعلى أنغام بليغ حمدي، وموسيقاه الساحرة واصلتُ مسيري مدفوعا بأشواقي، وقلبي يدق أسرع كلما اقتربت من البيت ..

عبد الغني سلامه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق