أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

فبراير 23، 2016

أين الخطأ في الإضراب المعلمين؟


فرحتُ، كما فرح كثيرون بتعيين د. صبري صيدم وزيرا للتربية، ربما لثقتنا الزائدة فيه، وتلهفنا لما يحمله من وعود ومشاريع، ستنهض بواقع التعليم، علمنا منها مثلا رقمنة التعليم، إعادة النظر بنظام التوجيهي، وبالمناهج، ونظرته المستقبلية لمواكبة أساليب التعليم الحديثة .. وقد استبشرنا خيرا ونحن نتابع نشاطاته الدؤوبة .. والتي إذا قيض لها النجاح ستضعنا أمام واقع جديد ومختلف.

ولكن، حين بدأ الإضراب، توقعنا منه حلولا أفضل .. مع علمنا بأن مفاتيح المال ليست بيده، وأن طموحاته، ومطالب المعلمين العادلة لا تستطيع وزارته تلبيتها .. لكني ما زلت مستغربا من تفاعله مع الأزمة .. ربما لأنها أزمة مركبة متعددة الأطراف والجوانب، فحتى لو كانت الوزارة طرفا مهما، فهنالك أطرافا أخرى لا تقل أهمية ..


في الحديث عن أزمة الإضراب، سنجد أنه لا أحد يعترض على عدالة ومشروعية مطالب المعلمين، ولا أحد يقلل من أهمية وقيمة دور المعلمين، وفي المقابل لا أحد من المعلمين له عداوة خاصة مع الوزارة، وحتى لو كان هناك حالة من السخط على بعض مظاهر الفساد في السلطة، إلا أن ذلك لم يمنع المعلمين من القيام بواجباتهم بكل روح الفداء والبذل .. كما أن جميع الأطراف تدرك حجم الخسائر الناجمة عن الإضراب، وتأثيراتها السلبية المدمرة على الطلبة، لذلك لا حاجة للحديث في هذه الأمور ..

في الواقع ثمة أخطاء عديدة سبقت الإضراب، وكانت من بين أسبابه، وأخطاء أخرى وقعت أثناء الإضراب، وكانت سببا في استعصاء المشكلة وتفاقمها .. جميعنا يعلم بأن رواتب المعلمين متدنية، ولا تكفي لحياة كريمة، ونعلم أيضا أن موارد السلطة محدودة، ولكن، في ثقافتنا الفلسطينية اعتدنا أنه لا يمكن تحصيل حق إلا من خلال انتزاعه غصبا؛ بالمحاكم، والمظاهرات والإضرابات، أي بعد استنزاف الكثير من الوقت والجهد والمال .. لم نعتد من الحكومة المبادرة باجتراح الحلول؛ فطالما أن الحكومة تعلم مدى حجم المعاناة التي يكابدها المعلمون، وتعلم ظروفهم جيدا، لماذا لم تبادر مسبقا بإيجاد حلول ؟ مثلا: علاوة سنوية محدودة بحيث تكون دائمة ومنتظمة، وحتى لو كانت بسيطة، فلو بدأنا بمثل هكذا حل قبل عشر سنوات مثلا، فعلى الأغلب لن يحتاج المعلمين أي إضراب. لو اتخذت الحكومة سياسة الحوافز والمكافئات المالية لكل معلم متميز، حينها بدلا من التفكير بالإضراب سيفكر كل معلم بتقديم الأفضل .. لو أدركت الحكومة أهمية قطاع التعليم وأخرجت إدراكها هذا من حيز الشعارات والخطابة إلى حيز التنفيذ، ستفكر حينها برفع موازنة التعليم، على حساب موازنات أخرى أقل أهمية (مثل الأمن). ولو طرحت القضية على الجامعة العربية، أو على الدول المانحة، ربما لحصلت على دعم مالي يخصص فقط لحل مشكلة المعلمين ..

أما اتحاد المعلمين، فقد ارتكب الخطأ المريع بموافقته على صرف علاوة في معدلها (20 شيكل)، أي أقل من ثمن باكيت دخان !! وهي زيادة مهينة، والخطأ الثاني إدعائه بأن الأزمة مسيّسة، وأن حماس هي المحرضة، وهي إدعاءات غبية، الهدف منها التغطية على فشل الاتحاد بانتزاع حقوق المعلمين، ومحاولة كسر الإضراب .. وكان الأجدى برئيس الاتحاد تقديم استقالته على الفور، بدلا من هذه التصريحات الخرقاء، الخطأ الثالث، عدم محاولة الاتحاد التفاهم مع اللجان التي أفرزها المعلمون، والتي تحدد الفعاليات على الأرض، وحتى لو كانت هذه اللجان غير شرعية، إلا أنها تعبّر عن إرادة قطاع واسع من المعلمين، من الواجب الاستماع  لمطالبهم، ومناقشتهم، للتوصل إلى نقاط تفاهم مشتركة، بدلا من الاصطدام معهم.

صحيح أن اتحاد المعلمين هو الجسم الشرعي، ولا يجب أن نشكك فيه، أو نهدمه فجأة، ولكن الشرعيات تستمد شرعيتها من قاعدتها الانتخابية، فلماذا لا تجدد الانتخابات بشكل دوري ؟

الخطأ الذي تمعن الحكومة في ارتكابه دائما هو عدم وضوحها وعدم صراحتها في شرح موقفها، وتفسيره بخطاب يحترم عقول الناس، الخطأ الآخر الذي اقترفته تمثل في حملة الاعتقالات التي طالت ما يقارب ثلاثين معلماً، والتذرع بالأبعاد السياسية للأزمة، علما بأنها ليست كذلك. أما الخطأ الذي وقع فيه الجميع هو أن الفعاليات الوطنية وعلى رأسها الكتل البرلمانية لم تتدخل بشكلٍ فاعل كوسيط محايد بين جميع الأطراف. والموقف الغريب والمستهجن تمثل في تصريحات غير موفقة لعدد من قيادات فتح على نحو يظهر وكأن فتح ضد المعلمين !!


مع تفهمنا الكامل لمطالب المعلمين، وتضامننا معهم؛ وتمنياتنا بأن تحل الأزمة بأسرع وقت وأفضل طريقة، إلا أن فكرة الإضراب الشامل والمفتوح فكرة خطيرة، لها تداعياتها التي لا يرغب بها أحد .. إذا كان لا بد، لنفكر مثلا بالإضراب الجزئي، أو أية أشكال احتجاجية أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق