أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يناير 05، 2016

لقطات من السوق


في إحدى محلات بيع الملابس الجاهزة، دخلتْ سيدة أربعينية بخطى بطيئة، وبصوت خافت طلبت من صاحب المحل إرجاع قطعة كانت قد اشترتها قبل يوم أو يومين، البائع رفض، ووافق فقط على التبديل، لكن السيدة ظلت تشرح له أسباب رغبتها بالإرجاع، وأنها لا تريد التبديل. هو ظل مصمّماً على رفضه، وهي ظلت تلح وترجوه مع جهود واضحة بأن لا يتحول رجاؤها إلى توسل .. خرجتُ من المحل قبل أن أعرف نتيجة المفاوضات، وفي فمي سؤال: القطعة سعرها 20 شيكل .. ألم يخطر ببال البائع (المحترم) أنها ربما تريد ال 20 شيكل لأسباب قاهرة !؟ على الأغلب لم يجرب أن يبيت وثلاجته وجيوبه وأمعائه فارغة تماما ..

على بعد أمتار قليلة، وقبالة ملحمة السعادة، توقفت سيارة دفع رباعي، ونزل منها رجل خمسيني بدين، وما أن دخل المحل حتى بدأ صاحبه بالتأهيل والترحيب، على الفور شرع بتجهيز "طلبيته" من كافة أنواع وأشكال اللحوم وصيغها المتعددة ومصادرها المتنوعة، وطوال نصف ساعة من العمل بكل تأنٍ ومهارة، لم تتوقف الضحكات والتعليقات المرحة بينهما .. في هذه الأثناء دخل شاب نحيل في نهاية الثلاثينات، يبدو من هيئته أنه موظف، وقف صافنا وكأنه ينتظر شيئا ما، وحين أتى دوره، سأله اللحام عن طلبه، مع ابتسامة عريضة؛ فأجابه مرتبكا وبصوت خجول: بدّي بحدود نص كيلو، يعني ما يزيد عن 30 شيكل، بس الله يخليك بدون دهن، على الفور اختفت الابتسامة من على وجه اللحام، وتناول قطعة كبيرة واقتطع منها ما يوازي نصف كيلو، وناوله إياها قائلا: طلعت 35 شيكل، فما كان من الشاب إلا أن اعتذر وغادر المحل بسرعة .. أما اللحام فقد أمضى ربع الساعة التالية وهو يشتم ويسب على زباين آخر زمن ..

وعند مدخل كراج "بيتونيا"، وصلت سيدة في منتصف العمر، ومعها طفل يجر عربة معدنية (زي عربات المول)، وبداخلها ما لا يقل عن عشرين كيسا بأحجام وأوزان متفاوتة، وقبل أن يهم الطفل بتنزيل الحمولة، طلب منها الأجرة، فمدت يدها بشيكل واحد، الطفل بدوره اعترض ممتعضا: شو بتفكريني شحاد !! السيدة باستغراب: شو بدك أعطيك 100 شيكل يعني !! شو مفكر حالك دكتور !! لكن الطفل لم يرضخ بسهولة كما توقعت السيدة، فقال لها بنبرة عصبية: صارلي ساعتين بفر معك، وما خليتي شي وما شتريتيه، وما برضا بأقل من خمسة شواقل. وبتردد، أخرجت السيدة شيكلاً آخر، وقالت: أكثر من هيك ما تحلم، وحين يأس الطفل أمسك بالشيكلين ورماهما بعيدا، ثم ألقى بحمولة العربة دفعة واحدة، ومضى في سبيله وهو يتمتم بشتائم من الزنار وتحت ..

.... ولو واصلتُ السير؛ لوجدتُ على طاولة منعزلة في مقهى شعبي، شبان يمضون نهارات قصيرة وطويلة، وليالٍ مقمرة وأخرى معتمة وهم ينتظرون الفرج، وربما سأرى من يفترش الرصيف ليبيع بعضا من ملابسه، وأدوات مطبخه، وخردوات لم تعد تصلح لشيء، تنتظر من هو أفقر منه، وسأجد من ينتظر غياب الشمس ليجول في أزقة "الحسبة" باحثا عن بقايا ثمار، أو حبات من البندورة، يمكن استصلاحها، ومن ينتظر حلول الظلام، ليفتش حاويات القمامة، ومن يأخذ من محلات الدواجن كيسا من مخلفات الدجاج، لا أعلم كيف سيستفيد منها ..

باختصار، ليس مهما كم من البلاوي يمكن أن نشاهد يوميا، المهم أن تحرك فينا الإنسان ..

عبد الغني سلامه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق