أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

ديسمبر 29، 2015

مستقبل فتح في ذكرى انطلاقتها ال 51


عندما انطلقت فتح في ال 65، كان هدفها تحرير كل فلسطين؛ ذلك لأن الضفة الغربية كانت حينها تخضع للحكم الأردني، وقطاع غزة تحت الإدارة المصرية .. لكنها اعتبرت أن الخطوة الأساسية والضرورية لإنجاز التحرير هي إعادة بلورة الكيانية الوطنية، وتجسيد شخصية سياسية للشعب الفلسطيني، لمواجهة مشاريع التصفية والتذويب. أي إنقاذ الشعب الفلسطيني من وضعية الشتات واللجوء، وتحويل قضيته من قضية لاجئين إلى قضية شعب يكافح من أجل تحرير وطنه. بلغة إستراتيجية: تصويب مسار التاريخ.


وقد أدركت فتح منذ البدايات أن فهم خصائص القضية الفلسطينية هو المدخل السليم لحل الصراع، وأن معرفة طبيعة الدور الوظيفي للكيان الإسرائيلي هو المفتاح الصحيح لوضع أسس إدارة هذا الصراع، وأن تحديد ماهيّة المرحلة، وتحليل موازين القوى محليا وخارجيا هو معيار صياغة مباديء الحركة ومنطلقاتها وأدواتها وأساليبها.

وحين صاغت نظريتها الثورية، اعتبرت أن المرحلة التاريخية برمتها مرحلة تحرر وطني، وليست تحرر اجتماعي أو طبقي أو ديني، أي أنها عرّفت طبيعة الصراع على أنه صراع وطني، وليس صراعا اجتماعيا ولا طبقيا ولا دينيا؛ لأن وضع الاحتلال وما نتج عنه من تشرد وتهجير قسري قد هدد وجود الشعب برمته، وعرّضَ هويته السياسية لخطر الزوال، الأمر الذي جعل أزمة الإنسان الفلسطيني الأولى هي أزمة وجود، وبالتالي جعلت هدفه الأول تثبيت هذا الوجود؛ ما يعني تغليب التناقض المركزي مع العدو على التناقضات الثانوية، وهذا الأساس جعل الحركة متحررة من أعباء الأيديولوجيات، وأكسبها حيوية كبيرة مكنتها من استيعاب كافة شرائح وطبقات وفئات الشعب الفلسطيني، بل جعلت منها الحركة التاريخية للشعب الفلسطيني، حيث صار كل فلسطيني يرى نفسه من خلالها، وعضوا فيها حتى بدون أن يملأ استمارة عضوية.

لكن الحركة أثناء مسيرتها اصطدمت بالكثير من العراقيل، التي أصبحت لأسباب عديدة مستحيلة، ما دفعها لتبني "البرنامج المرحلي"، وعند هذا المنعطف التاريخي صار الهدف الإستراتيجي للحركة إقامة دولة فلسطينية على أراض ال 67، دون أن تتخلى (نظريا) عن هدفها الأساس. حيث اعتبرت فتح أن مقتضيات العمل السياسي تتطلب مرونة وواقعية وقدرة على التكيف مع الظروف والمستجدات، حتى تكون قادرة على تجاوز المطبات والسير بين حقول الألغام، أو بلغة سياسية أوضح: تقديم خطاب سياسي مقبول للعالم، وطرح حل قابل للتنفيذ.

لا يخفى على أحد أن الحركة تمر اليوم في أزمة معقدة، وتعاني من الترهل وأعراض الشيخوخة، ويتهددها خطر الانقسام، ولم تعد قادرة على قيادة الشارع، ولا على إقناع الجماهير بخطها السياسي، بل أن ضعفها جعل البعض يتصور على أنها على وشك أن تتحول إلى ذكرى تاريخية .. حتى أن الكثير من أبنائها مستغربين كيف أنها ما زالت صامدة .. والكثير من خصومها يروجون كل عام أنها لن تحتفل في العام القادم بذكرى انطلاقتها ..  

باعتقادي أن السر وراء قوة فتح وديمومتها وصمودها، رغم كل ما مرت به من أزمات وعثرات وهزائم يكمن في بساطتها .. لأن بوصلتها ظلت دوما تُشـير نحو فلسطين، ولأنها منذ البداية حمت القرار الوطني المستقل من محاولات الإنابة والوصاية، وإلى الآن لم تدخل في لعبة المحاور الإقليمية، ولم تؤجر قرارها لأي طرف، ولم تصطف لصالح جهة ضد أخرى، ولم تغلب مصالحها الخاصة على مصالح الشعب، ولم تأخذه رهينة لمغامرات سياسية وعسكرية. لأنها كما كتب الصديق عاطف عطاطرة، "فكرة" التف حولها الشعب الفلسطيني وقبلها العالم، ببساطة لأنها قابلة للتحقيق.

ولأنها حركة براغماتية مرنة، ليس في فكرها أي مقدس سوى العلم والنشيد الوطني .. ولا يوجد بها محرم سوى الدم الفلسطيني، وليس في فكرها كهنوت، أو إدعاء باحتكار الحقيقة المطلقة، ولا تزعم امتلاكها علاقة حصرية بالسماء، ولا قداسة لأي مسؤول فيها، أو لقائد مهما علا شأنه، إلا الشهيد .. ولأنها لا تتردد عن ممارسة أقصى درجات النقد الذاتي، وعلى رؤوس الأشهاد، ودون أن تخشى إظهار غسيلها، سواء كان وسخا أم نظيفا ..

فتح حركة الشعب الفلسطيني، وكما هي حركة الشارع والناس العاديين؛ هي أيضا حركة النخب الفكرية والاقتصادية، وبالتالي سيكون فيها شرفاء، ومناضلين، وجرحى وأسرى وشهداء ..كما فيها لصوص، ومتسلقين، وانتهازيين .. فيها خيرة العقول والمفكرين، كما فيها شلليات ودكاكين ومراكز قوى، وسطوة عائلات، ولكن ليس في صفوفها تيارات تتبع هذا الإقليم أو ذاك ..
كل محاولات شق فتح باءت بالفشل؛ فتح – المجلس الثوري (أبو نضال)، وفتح – الانتفاضة (أبو موسى)، وفتح – الحركة التصحيحية (أبو الزعيم)، وفتح – الإسلام (شاكر العبسي) ,, فشل هؤلاء جميعا لأنهم رهنوا أنفسهم للغير، ولأن منطلقاتهم كانت خارج النسق الوطني الفلسطيني .. انتهوا، وراحوا لمصائرهم .. وظلت فتح .. فتح – فلسطين ..

صحيح أن فتح أخفقت في تجربة حكمها من خلال السلطة الوطنية، ولكن ورغم كل أخطائها وخطاياها؛ ما زالت حركة الجماهير، التي تعطيها الفرصة تلو الأخرى .. لأنها ظلت تحمل أحلامهم وآمالهم، وتعبر عن نبضهم .. وعندما عاقبتها بالانتخابات، فعلت ذلك لأنها أرادت تصويب مسارها، ولم ترد إسقاطها .. وفي غزة، ورغم ما تعرضت له من عنف ومحاولات إقصاء، وأحلام البعض بالقضاء عليها؛ ظلت صامدة، بل أنها بعد كل هذه السنوات العجاف، وتدهور الأحوال المعيشية في القطاع، صارت هي خشبة الخلاص ..

ستعقد فتح مؤتمرها السابع ربما في 2016، وسيكون نفطة مفصلية يمكن أن تحدد مصير ومستقبل الحركة ..

لكن فتح ماضية في مشروعها نحو الاستقلال، ولن تحيد عن هدفها مهما بلغت التضحيات، ولن تتوقف حتى تبلغ غايتها، مهما كان الواقع العربي والدولي صعباً، ربما تصل غداً، أو بعد مائة عام ..

فتح باقية، لأنها هي الشعب، والشعب لا يموت.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق