أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

نوفمبر 08، 2015

سيول عمّان، وكوارث المستقبل

اجتاحت العاصمة الأردنية "عمّان" قبل يومين سيول وفيضانات غير مسبوقة، نجمت عن هطول كميات هائلة من الأمطار في فترة قصيرة جداً؛ الأمر الذي تسبب بغرق بيوت وانهيارات وانجرافات وخسائر مادية وبشرية، وبفقدان الثقة بالتجهيزات والاستعدادات التي تحدثت عنها أمانة العاصمة. وقد ترافقت هذه الكارثة الطبيعية مع إعصار "تشابالا" الذي ضرب سلطنة عُمان واليمن، ونجم عنه خسائر فادحة بالممتلكات والأرواح، ولكن، ما كاد "تشابالا" أن يهدأ؛ حتى بدأ إعصار آخر بالتشكل فوق بحر العرب، يحمل رياحا بسرعة 100 ميل بالساعة، سيضرب نفس المنطقة.
وكما غرقت "عمّان"، غرقت أيضا "الإسكندرية" و"طرابلس الغرب"، وكانت "جدة" قد غرقت أيضا قبل سنوات قليلة. هكذا، وبكل سهولة، وخلال أقل من ساعة تتحول شوارع تلك المدن إلى أنهار وسيول عرمة، تجرف في طريقها المركبات والناس وحتى الأسوار في مشهد مأساوي فانتازي غير متوقع، لدرجة أن المواطن صار يعبر الشارع من رصيف إلى آخر "سباحةً"، أو بواسطة القوارب التي أعدت على عجل،  وصار يواجه خطر الموت "غرقا" وهو نائم في سريره !!

حتى لو اعتبرنا ما حدث "كوارث طبيعية" فإن هذا لا يعفي تلك المدن من مسؤولياتها تجاه سكانها، ولا يبرؤها من إهمالها وانشغالاتها بالعالي والمزخرف من العمران، على حساب بنيتها التحتية، ودون أدنى تخطيط لمفاجآت الطبيعة، والأخذ بالحسبان ما هو متوقع وغير متوقع من تطرّفها المناخي.

ورغم أن منطقتنا تقع في دائرة عرض تتيح لها أربعة فصول متساوية معتدلة، إلا أننا عشنا العام الماضي فصل شتاءٍ بارد، شهد منخفضات قطبية عديدة أتت أكثر من مرة بالثلوج، ثم تأخر الشتاء على حساب الربيع، ليبدأ على الفور فصل الصيف بموجات متتابعة من الحر الشديد، وبعدها، بالكاد نعمنا ببضعة أيام من أجواء الخريف؛ حتى أتت هذه الأجواء الماطرة والعاصفة. ومع هذا التطرف في أحوال الطقس، صار كل مواطن "راصد جوي"، ويتنبأ دوما إما بمنخفض عميق جداً، لم نشهد له مثيل، أو بموجة حر "غير شكل" ستحرق الحرث والنسل ..

ولكن هذا التطرف في التنبؤ، له ما يبرره؛ إذ أنه بالفعل أخذت أحوال الطقس في السنوات الأخيرة تأخذ منحنيات متطرفة، لم نعتد عليها، ليس في منطقتنا وحسب، بل وفي مختلف مناطق العالم، تسببت بفيضانات في مناطق، وبجفاف وحرائق في مناطق أخرى، وهذا الأمر ناجم عن تغيرات مناخية كبيرة، أثرت على الكرة الأرضية بشكل عام، وسيحدث المزيد من هذه الكوارث في القريب العاجل .. ربما أسرع مما نتصور.

في السنوات القليلة القادمة ستزيد معدلات الانحباس الحراري، وسترتفع درجة حرارة الأرض؛ لأسباب طبيعية وأخرى صناعية، أهمها التلوث البيئي والتعدي على نظام الطبيعة، الأمر الذي سينجم عنه ذوبان الثلوج القطبيه بمعدلات أسرع، وستتآكل السواحل وتختفي تدريجيا نتيجة ارتفاع منسوب البحار، الأمر الذي يعني غرق أكبر 30 مدينة في العالم، وفقدان ملايين البشر أماكن سكناهم، ولن يقتصر الأمر على ذلك، حيث ستُطلق الثلوج بذوبانها غاز الميثان السام في الجوّ، الذي له القدرة على تسخين الجو أضعاف أضعاف قدرة ثاني أكسيد الكربون.

ونتيجة لانحسار الغطاء النباتي الأرضي، واستمرار عمليات إجتثاث الغابات المدارية والاستوائية؛ وتزايد انبعاث الغازات, ستتقلص مصادر الأوكسجين بشكل كبير وخطير، ثم سترتفع درجة حرارة سطح الأرض أكثر، وبمعدلات تفوق متوسط تزايدها اعتبارا من نهاية آخر عصر جليدي وحتى أيامنا هذه، وبالتالي، ثم وبفعل الانحباس الحراري وتكاثف غازات الدفيئة ستتحرر فقاعات غاز الميثان المخزن في أعماق المحيطات، المقدر حجمها بِ 10 تريليون طن. ما يعني أن أسطح البحار والمحيطات ستُغطّى بالمركبات الحمضية، إضافة إلى متبقيات النفايات الصلبة من العناصر المعدنية الثقيله والنفايات النووية ..

هذه التغيرات الكبرى وغيرها ستؤدي إلى وقوع كوارث بيئية في غاية الخطورة؛ ستجرف معها الإنسان والحيوان والنبات على حد سواء، حيث ستشتعل الحرائق في الغابات وحقول المحاصيل، وستزيد معدلات الجفاف، وستتضاعف مساحات الأرض المتصحرة، وستتراجع بشكل كبير مصادر المياه العذبه، أو أنها ستتلوث، وبالتالي سيطرأ انخفاض حاد في المحاصيل الحقلية والإنتاج الزراعي بشكل عام، وسيحدث تغيرات في أنماط ومعدلات هطول الأمطار والثلوج، سينجم عن ذلك أيضا جفاف العديد من الأنهار والبحيرات الصغيرة، وسيؤدي ذلك كله إلى اختلال التنوع الحيوي، وفقدان النظام البيئي لسمات التوازن والتجدد، وبالتالي ستشهد الطبيعة الكثير من حوادث الانقراض الجماعي، والذي سوف يمحو معظم أنواع النباتات والحيوانات التي نتشارك معها هذا الكوكب.

ومع انهيار النظام الأيكولوجي البيئي العالمي، ومع تفاقم أزمات المياه، وتتالي الكوارث الطبيعية ستحزم البشرية حقائبها، (إذا توفر لها الوقت لذلك) بحثاً عن أماكن لجوء أفضل، على الأقل تتوفر فيها مقومات الحياة، وسيكون على أي بلد في العالم حمل السلاح للدفاع عن مخزونه الخاص من الغذاء والماء، ما يعني أن حربا كونية مدمرة ستنشب على هذا الكوكب، ومن ينجُ من الحروب ربما يقضي بالأمراض والأوبئة والمجاعات .. وربما تكتب نهاية الجنس البشري، مرة أخيرة وللأبد.

ليس في الأمر تهويل أو مبالغة، فإذا لم يتنبّه العالم لهذا السيناريو المرعب سيتحقق كله، أو أغلبه، أو جزء معين منه. وليس مطلوبا منا حتى ننجو، ونستمر بحياتنا الطبيعية الهادئة سوى احترام البيئة، وحفظ التنوع الحيوي، والكف عن إصدار التلوثات والملوثات بأنواعها، واحترام الطبيعة ونظام الكوكب الذي استضافنا لملايين السنين.

ومن المعلوم أن الدول الصناعية هي المسؤول الأول عن التلوث البيئي (الذي هو أحد أسباب التغير المناخي) بسبب ما تنتجه من غازات الدفيئة الضارة، وكذلك استخدام الوقود الأحفوري في وسائل النقل وفي الصناعة، ومع أن دول العالم تنبهت لهذه المخاطر، واتخذت حزمة إجراءات وقرارات مهمة في قمة "كيوتو"، مع التأكيد على توصيات قمة الأرض (ريودجنيرو 1992)؛ إلا أن الولايات المتحدة وحدها لم توقع على الاتفاقية.

في نهاية هذا الشهر (تشرين ثاني 2015) سيجتمع 80 رئيسا ووزيراً من جميع أنحاء العالم في باريس، من أجل محاولة إيجاد حلول للكوارث المتوقعة، وتجديد التزام الدول الصناعية بتقديم 100 مليار دولار لدول العالم الثالث بحلول العام 2020، لكن الدول المعرضة مباشرة لخطر التغير المناخي، صرحت بأنها لن توقع على أي اتفاقية مناخية، مالم تتأكد من استمرار تمويلها لما بعد العام 2020، أي عندما ستتسارع وتيرة الكوارث المناخية بحسب ما يؤكده العلماء. 


وبينما تدعي الدول الغنية بأنها توقفت عن تمويل صناعات الوقود الأحفوري، وأنها لم تعد تملك المال اللازم لدعم شعوب الدول التي تعاني من آثار التغير المناخي؛ فإن صندوق النقد الدولي أظهر في تقاريره مؤخراً أن تلك الدول تصرف 10 مليون دولار في الدقيقة الواحدة على دعم صناعات الوقود الأحفوري، الأمر الذي يكشف ويفضح خداعها للعالم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق