أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

نوفمبر 22، 2015

هل هناك إرهاب إسلامي ؟


الإسلام كدين سماوي، مثل كل الأديان الأخرى، يدعو للمُثُل العليا، وللحق والعدل والسلام، ولإعلاء شأن الإنسان، وينبذ الظلم القتل والإرهاب وكل ما يتعارض مع الإنسانية، ومع ذلك خرجت جماعات إرهابية ومتطرفة منسوبة للإسلام (قديما وحديثا)، وبالمثل، خرجت جماعات وأفكار إرهابية وإجرامية من الديانات المسيحية واليهودية كالنازية والصهيونية والجماعات اليمينية المتطرفة، والتي مارست العنف بأسوأ أشكاله، لذا من الخطأ نسب الإرهاب والهمجية إلى الدين نفسه، لأنها في النهاية ممارسات بشرية، مدفوعة برغبات وغرائز بشرية.

وعلينا أن نتذكر أن عدد المسلمين في العالم أكثر من مليار ونصف المليار إنسان، أي تقريبا خُمس سكان العالم، وبالتالي لا يعقل أن يكون كل هؤلاء إرهابيين، بل أنه من الخطأ إطلاق أي توصيف محدد على هذا العدد من الناس، ببساطة لأنهم من مختلف الأصول والأعراق والثقافات، وهم موزعون على كافة بقاع وأقاليم الأرض، ما يعني أنهم في الواقع عينة نموذجية تمثل الإنسان الذي يسكن كوكب الأرض، مثلهم مثل باقي البشر. ولكن، المسلمين، مثل أي أتباع دين آخر، وإن اجتمعت فيهم بعص الصفات المشتركة، إلا أن ما يظهر منهم للعالم ويبدو جليا للعيان، هو ممارسات الجماعات النشطة، وهم في الوقت الحاضر جماعات متشددة ومتطرفة، ولكنهم - كما كانوا في كل العصور - أقلية ضئيلة جدا من حيث العدد، ولكن بسبب الإعلام، ولأغراض سياسية معينة، باتت تلك الجماعات هي التي تمثل مجموع المسلمين، وتعكس صورتهم أمام الآخرين .. وما رسَّخ من هذه الصورة أن الأغلبية الساحقة من المسلمين صامتة تماما، أو أن صوتها غير مسموع.
وبحسب بيانات للشرطة الأوروبية، وتقرير خاص نشره موقع "فوكاتيف" الأمريكي؛ فإن نسبة المسلمين المتورطين في عمليات إرهابية مقارنة بعدد الجاليات الإسلامية في أوروبا تكاد لا تذكر، وأن نسبة العمليات الإرهابية من منطلقات دينية لا تتجاوز ال 3% مقارنة بالهجمات الإرهابية لدوافع أخرى، حيث وقعت عشرات العمليات الإرهابية نفذها شبان أوروبيون لدوافع عنصرية ويمينية متطرفة. ولكن، ومع ذلك نجح الإعلام بتسليط الضوء على الجماعات الإسلامية المتشددة، وتضخيم ظاهرة "الإسلام فوبيا"، وتكريس مفهوم "الإرهاب الإسلامي" في الخطاب الإعلامي.

الأغلبية الساحقة من المسلمين تتبرأ من تصرفات داعش، وترفض العمليات التفجيرية بحق المدنيين، بل وترفض منطق وخطاب كافة الجماعات المتطرفة والمتشددة، وتؤكد أنها ليست من الإسلام، وقد أدان الإرهاب الكثير من علماء الدين المسلمين .. ولكن، في واقع الأمر نحن أمام أشكال ونماذج متعددة للإسلام، فهناك الإسلام المتشدد، والمعتدل، والسلفي، والصوفي، والوهابي ... فضلا عن التنوع الطائفي والمذهبي، وإلى جانب التنوع السياسي والأيديولوجي في فهم وتفسير الإسلام، والذي تعبّر عنه الجماعات الإسلامية بطرق مختلفة متباينة ومتناقضة في كثير من الأحيان، تصل إلى حد التكفير.

بالرغم من أن ممارسات داعش تسيء للإسلام، وتشوه صورته، كما يؤكد المسلمون أنفسهم، إلا أن استنكار جمهور المسلمين لها غير واضح، وغير صريح، ومبهم أحيانا، وينطوي على تأييد مبطن في أحيان أخرى .. وهو لا يقارن مثلا مع موجة الاستنكار الشعبية (العنيفة) التي اجتاحت كل المناطق التي بها جاليات مسلمة في العالم بأسره تقريبا ضد رسومات الكاريكاتير التي تسيء للنبي محمد. حتى أن النخب المثقفة ورموز الحركات الإسلامية يصمتون تماما إزاء ممارسات داعش، بل ومنهم من يرفض توجيه ضربات لمعسكراتهم، ويعتبرون ذلك حربا على الإسلام والمسلمين ..

وعندما تكون ممارسات داعش على درجة عالية من الهمجية وبشكل واضح لا يقبل التأويل، يستنكر الإسلاميون ذلك، ويلجؤون للمخرج الأسهل؛ أي بالتأكيد على أن داعش لا تمثل الإسلام، وأن أمريكا هي المسؤولة عن كل هذا الإرهاب .. وهذا جزء من الحقيقة، ولكن، إذا غفلنا عن رؤية الجزء الآخر منها؛ فهذا يعني أننا ما زلنا نكابر، ونبحث عن التبريرات السهلة، وتحميل المسؤولية للغير، والغرق بنظريات المؤامرة، وأننا لم نمتلك الجرأة بعد لمواجهة أنفسنا والاعتراف بأخطائنا، وما زلنا نواصل خداع أنفسنا، وترديد مقولات جاهزة ومكررة حتى بدون تفكير بمضامينها.

صحيح أن المخابرات الغربية (وتحديدا الأمريكية) هي التي صنعت تنظيم القاعدة وجماعة طالبان من قبل (بالتعاون مع الإستخبارات الباكستانية)، وهي التي استبدلتهم الآن بهذا الوحش الذي يسمى داعش .. وهي التي تسيّرها وتوجهها أينما شاءت .. ولكن داعش لم تأتي من الفراغ، داعش انبثقت عن تنظيم القاعدة، وهي لا تختلف عن جبهة النصرة وعشرات التنظيمات الأخرى بشيء، نفس الخطاب الأيديولوجي، نفس الوحشية والعنف، ونفس الارتباطات السياسية، وأغلبهم يتلقون الدعم المادي واللوجستي من السعودية وقطر وتركيا، وارتباطاتهم باتت مكشوفة، حتى مع إسرائيل .. 

وعلينا أن ننتبه إلى أن ممارسات داعش تدعمها فتاوى لكبار علماء السعودية والأزهر، وهي تستند إلى تراث هائل من الفقه الوهابي المتطرف والمتزمت الذي أوجدته السعودية، ونجحت بنشره في معظم البلدان الإسلامية. وهذا الفقه صار هو الأيديولوجية المحركة لجماعات الإسلام السياسي، وعماد خطابها الإعلامي، وقد تغلغل في مناهج التعليم، وصار من الكليشيهات الثابتة التي يكررها خطباء المساجد. وهو فقه يعود لتراث ممتد من الغلو والتشدد بدأ مع الخوارج، وتعزز أكثر مع ابن تيمية، حتى وصل لابن عبد الوهاب وآل سعود .. وهناك خلط لدى عامة المسلمين بين ما هو من الإسلام الصحيح، وبين ما أدخلته الوهابية عليه.

ولو كانت هجمات الجماعات الإرهابية متركزة في دول "الكفر" كما تسميها، لأمكن لنا النظر لدوافعهم على أنها حرب على الكفار .. رغم أن هذا المنطق لا أخلاقي ولا إنساني ولا يقره الإسلام، ولكن الهجمات الإرهابية تتركز أكثر في بلاد المسلمين، وأغلب ضحاياها مسلمين !! وقد وصلت إلى دور العبادة، وقبل أشهر قليلة فجّر إرهابي "مؤمن" و"متوضيء" مسجدا للشيعة في الكويت، قتل ضحاياه وهم سجود لربهم !! قتلهم وهو يهتف "الله أكبر" !!! وطبعا هناك عشرات ومئات الهجمات الإرهابية في مساجد وحسينيات وكنائس وأسواق ومستشفيات وأماكن عامة كثيرة في العراق وسورية ولبنان والأردن والمغرب ومصر والسعودية واليمن والباكستان وأفغانستان وغيرها من البلاد الإسلامية !! وجل الضحايا من المدنيين الأبرياء ..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق