أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

نوفمبر 25، 2015

أردوغان، والعقل السياسي العربي


يبني الإنسان مواقفه عادة بناءاً على معلومات وأحكام مسبقة، واستنادا إلى معايير معينة، تشكلت في مراحل تربيته البيتية والمدرسية، ونتيجة تأثره بثقافة المجتمع وما تركز عليه وسائل الإعلام، حتى استقرت في عقله الباطن .. وبناء عليه؛ فإن الإنسان عندما يرتاح لفكرة معينة، أو يؤيد شيئا ما (شخص، حزب، دولة ..) فإنه لن يرى إلا الجانب المشرق والإيجابي منها حتى لو كانت بحجم نملة، وسيتغافل عن رؤية الجوانب السلبية حتى لو كانت كشمس الظهيرة. وعندما تخوض نقاشا مع أي شخص، وتصدمه بمعلومة جديدة أو بموقف مغاير لما هو في ساكن في ذهنه، فإنه عادة يحرك وسائله الدفاعية على الفور، وذلك من خلال ثلاث مراحل: أولها الإنكار، ثم برفض التسليم، وأخيرا التبرير، خاصة إذا ما كانت المعلومة دامغة ومن الصعب إنكارها ..


لنأخذ على ذلك مثال "أردوغان" ... المعجبين به ومحبيه ينشرون قائمة بمنجزاته العظيمة، حتى لو كانت مجرد وعود، أو برامج انتخابية، أو تصريحات للإعلام، أو خطاب حماسي أمام جمهور متحمس .. وفي المقابل معارضوه وخصومه ينشرون قائمة معاكسة لا ترى فيها أي منجزات، بل تتضمن أرقاما وبيانات تبين حجم المديونية والأزمات والكوارث التي سببتها سياسات "أردوغان" .. (يعني إشي بلخِم).

ويجب أن يكون واضحا أن هذا المقال لا يناقش سياسات "أردوغان" ومنجزاته، بل يناقش آليات وطرائق التفكير لدى العقل السياسي العربي، وما "أردوغان" هنا إلا مجرد مثال، وهو ينسحب على ما لا حصر له من الأمثلة من واقعنا العربي.

فمثلا، يتباهى أنصار "أردوغان" بالفيديو الذي يظهر فيه وهو ينسحب غاضبا أمام "بيريس" في مؤتمر "دافوس"، ولكنهم لم يسألوا أنفسهم لماذا حضر المؤتمر في الأساس ؟ ولماذا وافق على الجلوس مسبقا مع "بيريس" ؟ كما أنهم لا يرون صورة "أردوغان" مع الحاخام اليهودي المتطرف "يهودا جليك" الذي يقود عصابة مستوطنين تنادي بهدم الأقصى !! ولا صورته مع "شارون" ...

وأيضا، يتباهون بأن تركيا أسقطت طائرة روسية، ولكنهم ينسون أنها لم ترد على قتل مواطنيها في سفينة "مرمرة" على يد الجيش الإسرائيلي !! يفرحون للتصريحات النارية التي يطلقها "أردوغان" ضد إسرائيل، ولكنهم ينسون أن لتركيا علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، وتعاون أمني وعسكري، ومناورات مشتركة شبه سنوية، وحجم التبادل التجاري بينهما بالمليارات وهو في ازدياد مستمر، حتى أن تركيا هي أول دولة سمحت لطائراتها باستخدام مطار اللد أثناء فترة انعزال إسرائيل عن العالم في حرب غزة بسبب صواريخ القسام !! وينسون أن تركيا جزء أساسي من حلف الناتو (الذي تتزعمه أمريكا وتستخدمه لإرهاب العالم والسيطرة عليه)، وأنه من قاعدة "أنجرليك" انطلقت المقاتلات الأمريكية لضرب العراق، وهي قاعدة ما تزال موجودة في قلب الأراضي التركية. وينسون أن تركيا تحتل جزءاً من قبرص، وأنها تضطهد الأكراد، وترفض الاعتراف بمذابح الأرمن، والأهم منذ ذلك، أنها هي التي ترعى "داعش"، وأن عشرات الآلاف من الإرهابيين الذين أتوا من كل بقاع الدنيا للتآمر على الثورة السورية والالتحاق بداعش قد مروا من الأراضي التركية بتسهيلات كاملة من المخابرات التركية ..

قد ينجح أنصار "أردوغان" بسوق الحجج والتبريرات إزاء كل ما تقدم، وإذا ما أخفقوا بإمكانهم بكل سهولة شن هجوم لاذع على السلطة الفلسطينية لأنها تنسق أمنيا، أو على الأردن لأنها تقيم علاقات مع إسرائيل، أو على مصر لأنها في أزمة اقتصادية بعد "انقلاب" "السيسي" .. لكن هذا يعني بكل بساطة أن العقل السياسي العربي لم ولن يبرأ من أمراضه، وسيظل يرى أنصاف الحقائق، ويتعامل مع القضايا الهامة بازدواجية وانتقائية.

وفي المقابل، على خصوم "أردوغان" أن يعترفوا للرجل بأنه حقق منجزات مهمة لبلده، وأن شعبه راضٍ عنه، بدليل أنه أعاد انتخابه عدة مرات، وإن صحّت الأرقام والبيانات التي تُذكر في هذا الشأن، فإن "أردوغان" يستحق كل الاحترام والتقدير (في مجال سياساته الداخلية) .. وأنا شخصيا أفرح لأي منجز تحققه تركيا، وأتمنى لها كل التقدم والازدهار .. بغض النظر عن اسم رئيسها. ولكن من حقي أن انتقد، خاصة عندما يتصل الأمر بالقضايا العربية، ومن حقي أن أخاف من الهيمنة والأطماع التركية وتدخلاتها في المنطقة، (وأيضا الهيمنة الإسرائيلية والأمريكية والإيرانية). ومن واجب كل متابع ومحلل أن يرَ المشهد كاملا بكل موضوعية، وعقلانية، دون شعارات ديماغوجية تدغدغ عواطف العامة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق