أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

سبتمبر 06، 2015

نيويورك .. نيويورك


نيويورك، ليست المدينة الأجمل والأشهر والأكبر، لكنها المدينة التي تجد فيها كل شيء؛ المال والأعمال والصفقات الكبرى، والخيبات الأكبر، الفقراء والمشردين، والنخبة المثقفة، أشهر الموسيقيين وأبرع الفنانين، سماسرة، يهود، تكنولوجيا، أزياء، معارض، عصابات، ازدحامات مرورية خانقة، عمارات زجاجية شاهقة، أزقة ضيقة تتكاثر فيها الفئران، ما أن تخرج من صخب "مانهاتن" حتى تنعزل كليا في هدوء "سنترال بارك" ..

"ويليام جونز" صحافي مغمور، أتى من الأرياف، وسكن قاع المدينة، حلم بالشهرة، لكن المدينة على اتساعها سحقت موهبته، كان يراسل كبريات الصحف وأصغرها، وبالكاد ينشر كل بضعة أسابيع تقريرا أو مقالا يتقاضى مقابله ما يبقيه على قيد الحياة. قرر "جونز" أن يتحول إلى نجم، أو ينتقم لنفسه .. ومن مدينته التي أحبها بقدر ما كرهها ..

في شارع "برودواي"، حيث تقام أشهر العروض المسرحية، وحيث يعتاش العشرات من فناني الشوارع، شاهد "جونز" أحد عازفي الساكسيفون؛ نحيل، في منتصف العمر، أسود البشرة. تابعه باهتمام، كان يقف وحيدا على ناصية شارع فرعي، يعزف بشغف وكأنه ملتحم تماما مع آلته الموسيقية، غير آبه بمن حوله، يمر الناس من أمامه، يقفون لبرهة، منهم من يمنحه بضعة دولارات، وأكثر يتابعون سيرهم .. تقدم إليه "جونز" ونفحه عشرة دولارات.


-        من الواضح أنك فنان موهوب، لماذا تعزف في هذا المكان المنعزل !
-        هنا أسكن، وقد تعودت على هذا المكان ..
-        إسمع، ساقدم لك فرصة العمر، سأعطيك آلة جديدة، فاخرة، وستعزف عليها عند مدخل الحي المكسيكي في "هارلم".
-        لماذا اخترت هذه المنطقة بالذات، إنها منطقة خطيرة، وقد يسرقون آلتك الفخمة مني !!
-        لا عليك، أنا واثق بأنك شجاع، وستدافع عن نفسك، ولن تسمح لأحد بسرقة آلتي الثمينة ..

في اليوم التالي، كان "مايكل" يقف في وسط الساحة، وكان "جونز" قد سبقه، وجهز كاميرتين غير مرئيتين، من زاويتين مختلفتين، وقف هو خلف الأولى، فيما وقف زميله خلف الثانية، بانتظار إشارته لبدء التصوير. بدأ "مايكل" ينفخ في آلته، لتخرج منها أجمل الألحان، أخذت أعداد الجمهور تتزايد شيئا فشيئا، ثم تجمعت من حوله على شكل نصف دائرة، بدأت تتمايل بطرب يمنة ويسرة، وما أن غيّر "النوتة" إلى موسيقى راقصة؛ حتى ألهبت موسيقاه حماس الجمهور، فانتظم برقصة جماعية ساحرة، إلى أن تفرقوا بهدوء، بعد أن ملئوا قبعته المقلوبة على الأرض بالنقود.

بقي "مايكل" مكانه مستعدا لجولة جديدة، وبقي المصوران خلف كاميراتهما الخفية، وفجأة، تسلل ملثمان بخفة وسرعة، الأول عاجله بطعنة في خاصرته، والثاني التقط "الساكسيفون" الملطخ بالدم، وخلال لحظات اختفيا بنفس السرعة التي قدما بها، و"مايكل" يضغط بألم وصمت على جرحه المفتوح، وعينيه تلمعان ببريق الحيرة والخوف، حتى لفظ آخر أنفاسه.

في المساء، كان "جونز" يحمّل على قناة "اليوتيوب" و"الفيسبوك" فيلمين قصيرين: الأول يظهر فيه عازف "ساكسيفون" موهوب، تحيطه أعداد غفيرة من مواطنين فرحين، وهم يؤدون رقصة جماعية .. والثاني: تظهر فيه جريمة قتل مروعة، موثقة بأدق تفاصيلها .. بينما "جونز" يحصي عدد المشاهدات وإشارات الإعجاب، وينتظر أن تكمل المليون الأول ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق