أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

فبراير 03، 2015

وقائع موت حمار


جافاني النوم تلك الليلة المشؤومة، لأول مرة في حياتي كلها أتنبه لنظرات "أبو عاطور"، لم أفهمها تماما، هل كانت حنونة، أم معاتبة، أم ناقمة !! تذكرته حين اشتريته قبل عشرين سنة، كان حينها نظيفا، صغيرا يتقافز بخفة، لونه رمادي، شعره منسدل على رقبته، عيناه واسعتان مكحولتان، كان يشبه كل الحمير، إلا أن شيئا غامضا جذبني إليه، ربما جينات خيول أصيلة مختبأة في مكان ما من خلاياه، كانت تظهر من حين لآخر، حينها كنتُ أحار في أمره، أحسُّ أن دماءه تفور، وأنه يريد أن يقول شيئا لكنه عاجز عن ذلك، أو إني لم أحاول فهمه، في أوقات معينة كان يغدو عنيدا بشكل مبالغ فيه، يرفض الأكل والشرب والحركة، يتصلب مثل شجرة يابسة، ثم فجأة ينهي إضرابه دون سبب مفهوم.

وبناء على مشورة أصدقاء لي، قمت بمعاقبته وبإذلاله: ثلاثة أيام بلياليها وهو مربوط أمام عربة ثقيلة، يجرها دون توقف، دون طعام، دون أن أسمح له بالنوم، وكلما توقف أنهال عليه ضربا .. بعدها اختفت نوبات التمرد .. صار حمارا بجدارة ..

في تلك الليلة، وأنا أتقلب في الفراش تذكرتُ كل مواقفه النبيلة، وخدماته الجليلة التي قدمها لي بدون تذمر، وتنبّهتُ أني لم  أشكره يوما .. هل من عاقل يشكر حمارا !؟ ومع ذلك تنتابني الآن رغبة جامحة لأن أقدم له كتاب شكر، سأتلوه عليه في الصباح، سأكتب فيه: حماري العزيز أبو عاطور حفظه الله .. لولاك ربما كانت حياتي مستحيلة .. شكرا لك، مع تمنياتي لك بموفور الصحة .. أخوك: أبو متعب.

في الصباح، استيقظتُ لأتفقد "أبو عاطور" وأعتذرُ له عن كل ما بدر مني، توجهتُ إلى الحظيرة، فوجدتُ حبله مقطوعاً، وقد تركتْ عضته آثار أسنانه الكبيرة، قدرتُ أنه هرب، بحثتُ عنه حول البيت، في البستان، في الحقول المجاورة، سألته عنه الجيران، وبعد ساعتين من البحث المضني في السهول البعيدة، لمحتُ ما يشبهه مكوما تحت شجرة، اقتربتُ منه أكثر حتى فُجعت بالمشهد: كان ممددا على جانبه، وفي عينيه آثار دمعة حزينة، تعابير وجهه محايدة تماما، كان ساكنا بلا حراك ..

هل فضَّل أن يموتَ بعيداً عن البيت، حتى يريحني من معاناة الوداع، ومشقّة الدفن ؟ أم رغبَ أن يمضي ليلته الأخيرة في البرية، وحيداً، حُـراً، طليقاً، متحررا من كل قيد ومسؤولية !؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق