أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

ديسمبر 24، 2014

فتح .. خمسون عاما من الحركة


خمسون عاما بالنسبة لأي إنسان، هي تقريبا ثلثي عمره، وبالنسبة لعمر التاريخ هي مجرد ومضة، لكنها في منطقة ساخنة بل وملتهبة كفلسطين، هي تاريخ كامل ..

اليوم، وبعد كل هذه السنين الطويلة من عمر "فتح" تبرز الأسئلة الكبرى: ماذا حققت الحركة ؟ وأين أخفقت ؟ وهل تلاشت فعلاً (كما نسمع كل عام، منذ 1982) ؟ ولم يعد منها قائما سوى "ذكريات بطولة" في طريقها للنسيان ؟ وإرث حفنة من القادة التاريخيين صاروا مجرد "بوسترات" ربما لا يلتفت إليها أحد ؟؟ وأسئلة أخرى كثيرة لا يخلو بعضها من المكر.

بداية، لندرك أهمية الحركة، ومكانتها في التاريخ الفلسطيني، يتوجب أولاً أن نرى كيف كانت الظروف الموضوعية السائدة قبل انطلاقتها، وكيف كان مجرى الأحداث يتشكّل، وفي أي اتجاه كان يسير ؟ ثم نرى كيف صارت الأوضاع في نقطة تبعد خمسون عاما عن بدايتها.

باختصار، كان معداً للفلسطيني أن يكون الهندي الأحمر، وأن تطُوى قضيته للأبد، لكن حركة التاريخ ستأخذ مسارا في الاتجاه الآخر ابتداءً من الأول من يناير 1965، حيث جاءت انطلافة فتح كالصاعقة التي أضاءت ليل فلسطين، في أشد ساعاتها حلكة، فتحول الفلسطيني من مجرد لاجئ إلى فدائي، بعد أن تسلح بالأمل والكلاشنكوف، وصارت له ثورة، وبات بمقدوره أن يصمد، وأن يواجه، بل وأن يسقط كل مخططات التصفية.

أدركت فتح منذ البداية أن الهوية السياسية للشعب الفلسطيني هي حجر الزاوية في معادلة الصراع، وأن إثبات حضورها هو ضمان بقاء القضية حاضرة في الضمير العالمي وفي النظام السياسي الدولي .. إبراز هذه الهوية كان إنجاز فتح الأهم، لكن فتح لم تكتف بذلك؛ إذ جعلت من الثورة المسلحة الوجه الثاني للهوية الوطنية، وبهذا التماهي صارت فتح (ومن خلال م.ت.ف) هي الإطار الجامع لتناقضات الشعب الفلسطيني برمتها من ناحية، ورأس الرمح الموجه مباشرة إلى قلب المشروع الصهيوني من ناحية ثانية.

لم تكن فتح حزبا بالمعنى التنظيمي؛ بل كانت "جبهة وطنية"، تضم كل ألوان الطيف السياسي والفكري للشعب الفلسطيني، وهذا أحد اسرار قوتها التي ميزتها عن بقية الفصائل، حيث تجد فيها اليساري، واليميني، الإسلامي والعلماني، البرجوازي والكادح، المفكر والطوبرجي .. بل أن أي فلسطيني يرى انعكاس صورته فيها دون الحاجة لملئ استمارة عضوية ..

ليس لدى فتح ثوابت مقدسة؛ فقد غيرت خطها السياسي أكثر من مرة، وهذا سر آخر لقوتها، ففي عالم متغير، ومنطقة تتوالد فيها الأحداث بسرعة فائقة، وفي ظل نظام دولي يسحق كل من لا يفهمه، لم يكن لدى فتح من خيار سوى البراغماتية والواقعية السياسية.

وليس لدى فتح أيديولوجية معينة، ولا منهج فكري متزمت، ولا تُلزم أعضائها بأي خط سوى فلسطين: بوصلة، وهدف ومعيار .. وهذا سر جماهيريتها. لم تسلِّم أوراقها لأي دولة في العالم، وقدمت خيرة شهدائها للحفاظ على القرار الوطني المستقل، ولم تدخل لعبة المحاور الإقليمية، وهذا ما جعلها الحركة التاريخية للشعب الفلسطيني، التي حمت القضية من مخاطر الاحتواء والوصاية والتبعية.

ليس لدى فتح أجندات خارجية، ولا مشاريع عابرة للقارات. لها هدف واحد ووحيد هو تحرير فلسطين، وعدو مركزي لا تُغلّب عليه أي تناقض آخر هو الاحتلال. لا تؤمن بالعنف إلا إذا كان في سياق برنامج سياسي مقاوم. وبالرغم أنها مصنفة على اليمين؛ إلا أنها لا تساوم على الديمقراطية والمساواة وبناء المجتمع التقدمي القائم على الحرية والعدالة الاجتماعية، المنفتح على الإنسانية. وهذا ما جعلها حامية المشروع الوطني. وبالرغم أنها الحركة الوطنية للشعب الفلسطيني إلا أنها ظلت حريصة على عمقها العربي والإسلامي وامتدادها الأممي. ولأنها المشروع المقاوم ضد الصهيونية والعنصرية والاحتلال والظلم بكل أشكاله، ستجد كل أحرار العالم وشرفائه مناصرين لها، ومؤيدين لكفاحها الوطني والإنساني.

ولأن فتح حريصة على شعبها، ورحيمة به، وأمينة على مصالحه، وحارسة لأحلامه ستظل دوما تجترح بعبقرية أدواتها الكفاحية دون مغامرات مجنونة، ودون أن تتنازل عن تحقيق أهدافه.

فتح هي التي فجرت الثورة، وأطلقت الكفاح المسلح، وهي التي نظمت وقادت انتفاضتين، وهي اليوم في طليعة المقاومة الشعبية، وهي التي خاضت مغامرة "أوسلو" بكل ما عليها من ملاحظات، وهي التي مهدت لقيام السلطة الوطنية، وقادتها في مرحلة بالغة الدقة والصعوبة شهدت الانهيار العربي وتفرد الإمبريالية العالمية بالمشهد السياسي الكوني، ورغم ذلك وضعت فلسطين على أعتاب الدولة، وبدأت تنتزع اعتراف العالم بها دولة بعد أخرى.

فتح نفسها، ليست صنماً، لنعبده، ولا هدفا بحد ذاته.. هي وسيلة للتحرير .. وما زالت الظروف الموضوعية التي استدعت انطلاقتها قائمة؛ فإنها ستظل ضرورة وطنية.

لا ريبَ أن فتح تعاني اليوم من الترهل والتفكك، وتفرد القيادة، وأن وضعها بائس لدرجة أن آلافاً من خير كوادرها اعتزلوها، بعد أن فقدوا الثقة بالحركة وبالقيادة .. (وهذا ما سأناقشه في المقال القادم).

ولكن ضعف فتح وتراجعها أدى إلى تراجع القضية الفلسطينية إلى أدنى مستوياتها، حتى باتت في بعض الأحيان في مؤخرة الاهتمام العالمي .. وفي المقابل فإن قوة فتح ونهوضها هو وحده ما يعيد للقضية ألقها وحيويتها ومكانتها في الصدارة العالمية ..

خمسون سنة، هي الفترة التي احتاجتها الحركة الصهيونية لتجسيد حلمها، منذ مؤتمر بازل وحتى إعلان الكيان الغاصب، ومعها كل الدعم الدولي، فكم سنة ستحتاج فتح لتحقيق الحلم الفلسطيني !؟ وهي تسير في حقول من الألغام !؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق