أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يونيو 08، 2014

حلقات من العنف المستعر


تنتشر على قناة اليوتيوب مشاهد مروعة لحلقة جديدة من أعمال العنف الوحشية, تدور أحداثها هذه المرة في جمهورية إفريقيا الوسطى، وأغلبية الأفلام تظهر جماعات مسيحية متطرفة تدعى ميليشيات "أنتي-بالاكا" وهي تقوم بعمليات سحل وتعذيب وإعدامات بطرق بدائية لمواطنين مسلمين، وهي بلا شك مناظر مرعبة، تثير في النفس الإشمئزاز .. ويبرر هؤلاء جرائمهم بأنها رداً على الانتهاكات التي اقترفتها جماعة "سيليكا" (وغالبيتها مسلمون) بحق مسيحيين من السكان، حين استولت على السلطة في آذار 2013. الأمر الذي تسبب حينها في اندلاع موجة من الهجمات الانتقامية نجم عنها مقتل الآلاف، وإجبار نحو مليون شخص على الفرار من منازلهم. وتأتي هذه الموجة المسعورة استجابة لتصريحات نُسبت لقادة مسيحيين، هددوا فيها بقتل جميع المسلمين في البلاد، أو إجلائهم عنها قصرا. والغريب أن أعمال العنف الهمجية تلك تمارَس علانية وأمام جمهور من المتفرجين والغوغاء؛ ما يعني أنها جرائم جماعية، وأن التحريض الطائفي قد بات الثقافة السائدة في البلاد، والأغرب أنها تجري رغم وجود 2000 جندي فرنسي ونحو 5600 جندي من قوات الإتحاد الإفريقي، وقوات حفظ السلام التابعة للمنظمة الدولية يصل قوامها إلى عشرة آلاف جندي و1800 شرطي، دون تدخل كافي، ما يدل على تواطؤ دولي يهدف لجر البلاد إلى شفير حرب أهلية.

 وقبل إفريقيا الوسطى، اندلعت أعمال عنف في "مالي"، كما شهدنا في نفس الفترة جرائم تطهير عرقي بحق مسلمي بورما، وقبلها الحرب الأهلية في جمهوريات يوغسلافيا المنحلة، خاصة "البوسنة والهرسك" التي شهدت مذابح دامية راح ضحيتها الآلاف، وغالبيتهم من المسلمين.

لكن أعمال العنف لا تستهدف المسلمين وحدهم؛ وهي وأن كانت تمارَس بحقهم على أيدي "الكفرة" و"الصليبيين" كما يروج البعض، إلا أن أشد أعمال العنف والاضطهاد بحق المسلمين، إنما تأتي من قبل المسلمين أنفسهم، وأبشع الجرائم تلك التي يمارسونها بحق بعضهم البعض !! فقد حصدت موجات العنف الطائفي أرواح مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء في الصراع الدائر بين السنّة والشيعة، وبين الطوائف الأخرى، كما قضى الآلآف من جراء الإقتتال بين الجماعات الإسلامية المتشددة نفسها، فضلا عمن قتل وشرد من القصف بالبراميل المتفجرة بطائرات الأنظمة وجيوشها، خاصة في العراق وسورية؛ وإلى جانب الخسائر البشرية الفادحة فإن جميع المساجد والحسينيات تقريبا دُمرت بأيدي مسلمة متوضئة، ولكن من طائفة أخرى !!

وفي ذروة هذا المشهد الدامي والعنيف، انتشر على الفيسبوك مشهد جنود إسرائيليين وقد اقتحموا منزلا لعائلة فلسطينية يقطنها مسنّان، بهدف نصب كمين لمطلوبين ضمن عملية أمنية معينة، فكان أن سمع سكان القرية (سلواد) بنبأ احتجاز العائلة الفلسطينية؛ فتدافعوا إلى البيت، وطردوا الجنود الإسرائيليين منه شر طردة، بعد أن وجدوهم مختبئين في الحمّام. وهذه القصة وإن كانت تدعو للفخر والإعتزاز بشجاعة الأهالي وتضامنهم، إلا أنها في الجهة المقابلة تطرح أسئلة محرجة؛ فماذا كان يمكن أن يحدث لو أن أهالي قرية سورية أو عراقية أو ليبية اقتحموا منزلا فيه جنود مسلحين ؟! هل كانوا سيتصرفون كما فعل الجنود الإسرائيليين !؟ أم أنهم سيبيدون الأهالي عن بكرة أبيهم ؟! جميعنا يعرف الإجابة ..

ليس المقصود من هذه القصة تجميل صورة الجيش الإسرائيلي؛ فكلنا يعرف جرائم الاحتلال، ويكفيه عارا أنه جيش احتلال، وقد اقترف جرائم حرب بما يكفي لإدانة قادته في أي محكمة دولية، ولكن هذا لا يعفينا من طرح الأسئلة المريرة التي تبعث في النفس الأسى: لماذا جيوشنا على هذه الدرجة من الاستعداد لقتل المدنيين ؟؟ ومن الذي أوصلها إلى هذا الحضيض ؟! ولماذا تقصف طائرات "المالكي" و"الأسد" و"حفتر" الأحياء السكنية بكل بساطة ؟! ولماذا ترد المعارضة - أو تبدأ في كثير من الأحيان - بعنف لا يقل وحشية ولا بشاعة عن عنف الأنظمة ؟! لماذا لا توجد قيمة للإنسان في بلادنا العربية ؟!

العنف مرفوض ومدان في جميع الأحوال، سواء بحق المسلمين أم بحق غيرهم؛ لأن حياة الإنسان هبة من الله ولا يجوز لأحد مصادرتها، ولا شيء يبرر القتل والتعذيب .. ولا يقبل بمثل هذه الممارسات الفظيعة إلا من خلا قلبه من المشاعر الإنسانية .. كما أن تصنيف الناس حسب أديانهم ومذاهبهم هو ضرب من العنصرية الطائفية. اما دعوات الثأر والانتقام، فما هي إلا استجابة لغرائز بدائية، ونزوع نحو الإجرام، ومحاكاة لنفسيات مضطربة مكبوتة مشخونة بالحقد، وملأتها الكراهية، وسيطرت عليها المشاعر السلبية، وكل الأعمال الوحشية التي تمارَس تحت شعارات الجهاد المقدس إنما هي فتنة طائفية أيقظتها عقول شيطانية، تحركها أيدي خفية خارجية، تحيك مؤامراتها على المنطقة تحت جنح الظلام.

\

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق