أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مايو 26، 2014

من سرق روايتي ؟

بصعوبة بالغة، أنهيت الفصل الأول من رواية أرغب بكتابتها منذ زمن، في نصف الساعة الأخيرة شعرت بنداء النوم يدب في أوصالي حتى كاد جسمي يستسلم، فأطبقت المخطوطة وتركتها على الطاولة، وغادرت على الفور، في الليل أخذتُ اقترح مسارات جديدة لأبطال الرواية، وكلما تخيلت إحداها زادت لهفتي لأعود في اليوم التالي لأكتبها قبل أن يبتلعها ظلام الغرفة، أو يطويها النسيان.
في الطريق إلى العمل، تذكرت مآلات الفصل الأول، وخيالاتٍ عامة لنهاية تراجيدية ما زالت غامضة في ذهني، لكني حين دخلت مكتبي كانت المفاجأة أن المخطوطة لم تكن على الطاولة، ناديت على المراسل بعصبية مكبوتة لأسأله إذا ما كان قد أخذ شيئا عن طاولتي؛ فأنكر بشدة. سألت بعض الزملاء؛ فأبدوا استغرابهم من السؤال. في داخلي وبقدر ما شعرت بالغضب راودني شعور خفي بالسعادة؛ فهناك من يهتم بالقراءة، وما زال في هذا الزمن من هو على استعداد لسرقة "رواية"، وهذا يبشر بمستقبل أفضل .. ولكن الأمر يتطلب مني البدء من جديد، ويعني أن تعبي راح بلا مقابل، واسيتُ نفسي بأن ثمة معجبة بي تتلقف ما أكتب، لدرجة أنها لم تصبر حتى أنهي ما بدأت .. حينها لمعت في ذهني فكرة ماكرة .. سأكتب رواية جديدة، وسأترك "المعجبة" في حيرتها، حتى يدفعها الفضول لسؤالي عن مصير "لمياء" ..
في اليوم التالي، وقبل نهاية الدوام، كنت قد أنهيت فصلين كاملين لرواية لم أحدد اسما لها بعد، لكنها تدور حول أهوال الحرب، وعذابات الجنود وقلق زوجاتهم، وخوف أطفالهم من القصف .. تعمدت تركها على الطاولة لأرى إذا ما سيأتي لص أو معجبة لسرقتها مرة ثانية، وبالفعل عندما عدت في الصباح كانت الرواية قد اختفت. جلستُ أنتظر وأرقب عيون الموظفين .. قلت سيأتي لي أحدهم بعد قليل ليقول لي: تصور يا أستاذ، ليلة أمس لم أنم لحظة واحدة، وسأسأله لماذا ؟ وسيجيبني بعفوية: بسبب كتاب لعين، قرأت فصلا مرعبا منه، فأغلقته على الفور، وذهبت للنوم، فإذا به يمشي على أربعة أحرف ثم يجلس على مخدتي، ويفتح صفحاته عن أشد اللقطات رعبا، وعندها أغمضت عيني لكنه فتحها، ثم غطيت رأسي فهز غطائي، وصمّم إلا أن أنهي قراءته .. وبقيت أنتظر هذا الزميل المرعوب؛ إلى أن جاء "عبد الكريم" يمشي متثائبا بعينين ذبلهما النعاس .. انتظرته أن يبدأ بسرد أحداث ليلته الغريبة، لكنه لم يفعل .. هل اتهمه بالسرقة بدليل أنه نعسان !!
على ورقة وحيدة، كتبت حوارا سريعا بين النخلة والريح، في اليوم التالي سمعت "نبهان" يدندن بأغنية النهر الخالد بصوت يكاد يشبه صوت عبد الوهاب، ويبتسم لي بخباثة .. فكرت أن أكتب فيه تقريرا واتهمه بالابتسام والطرب، لكني عدلت عن الفكرة .. لأن أحدا لن يصدق أن "نبهان" المثقل بهموم الكون يغنّي. حتى المدير الذي رفض أن يساهم في ثمن هديته حين رزق بمولود ذكر، سيزاود عليَّ قائلا: تستكثر عليه الفرح !! 
بعدها، كتبتُ قصة ساذجة عن رجل تدرب على القفز، حتى صار بمقدوره أن يلمس الغيم، فيعصرها لتتساقط عليه كسفا من ذهب .. في اليوم التالي ضبطتُ عشرة موظفين على الأقل متلبّسين في حالة تفاؤل، وبعضهم كان يحاول القفز ..
ثم كتبتُ عن الأم، وعن عيد الحب، وتركتُ القصة على المكتب، وكالعادة اختفت، في الصباح كانت أعدادا إضافية من الموظفين والموظفات يحملون بأيديهم باقات من الورد الأحمر والأبيض.. ويتبادلون الابتسامات .. هل كانوا يسخرون مني ؟ أم إني أتوهم أشياء لا وجود لها !
هل يمكن أن يكون معالي الوزير شخصيا هو الفاعل ؟ لكن الوزراء لا يسرقون رواية، أقصد لا يقررؤون الروايات، بل يقرؤون الأشياء الأهم .. هل يُعقل أن يكون المدير العام ؟ لكنه لا يقرأ سوى التقارير، وآخر شيء يرغب في اقتناءه هو رواية، بل رواية غير مكتملة .. ربما يكون "مسعود" استعار المخطوطة ليعيد ترتيب أحداثها كما يحلو له، ويختمها على طريقته الخاصة، ثم يعيدها لي مع رجاء بأن أوافق على التعديلات، فهو لص ظريف، لكنه غير مثقف. إذن، إنه "حامد" .. ولا أحد سواه .. أكيد بعد فترة قصيرة سأشاهد على رفوف المكتبات روايتي باسم مختلف، وعلى الصفحة الأخيرة صورته بالصلعة .. لكني أستبعد هذا الاحتمال، فحامد شخص لطيف.

في اليوم الأخير، ولأحسم حيرتي، كتبت قصة عادية عن مواطن عادي نهايتها تشبه نهايات قصصنا تماما .. تركتها على الطاولة، وذهبت لأدخن سيجارة في الشرفة، كانت الأشجار قبالتي تتمايل مع النسيم، سألتها عن الرواية فتبادلت مع بعضها حديثا صامتاً .. تركتها وعدت، وعند الظهر وقت الانصراف، كان الجميع يرمقني بنظرات غريبة وعيونهم تسألني بعتاب: لماذا تتعمد قهرنا ؟! وأنا أسألهم واحدا تلو الآخر: من منكم سرق روايتي ؟! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق