أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أبريل 04، 2014

وعاد الربيع .. وبقينا كما نحن

ها قد أتى الربيع، وتفجرت عبقرية الطبيعة دفعة واحدة، فبعد أن نفضت الأشجار أوراقها وأسقطت أغصانَها اليابسة، أينعت أغصانا طرية، وأوراقا خضراء جديدة، والسفوح التي كانت قاحلة استحالت إلى روابي خضراء، وتفتحت فيها الأزاهير، فأيقظت الفراشات النائمة على أكتاف الشجر، واستدعت قفير النحل بشذاها الذي أطلقته مع النسيم .. والوديان سالت وتدفقت بعد أن كانت الحجارة قد ملئتها .. البراري التي أسكتها البرد طوال شهور الشتاء دبّت فيها الحياة من جديد، بصخبها ودفئها ودبيبها الحثيث، والعصافير بنت أعشاشها بعد أن خربها المطر ..

وهكذا، في كل عام تجدّد الطبيعة ذاتها، أما الإنسان، فمع كل الذكاء الذي حباه الله به، ورغم كل التطور الظاهري الذي أحرزه، ما زال متقوقعا، متحجرا عند نقطة ثابتة من الزمان .. يقف أمامها مترددا، حائرا، خائفا من التجديد، عازفا عن التغيير ..

لو نظر كل واحد منا أمام مرآته بتجرد، لوجد الكثير من الغبار قد تكدس على قلبه، وبعض الصدأ علق على روحه، ونسيج لعنكبوت أحاط على دماغه .. لكننا لا نعترف بذلك .. نردد بعض الشعارات دون أن نتمعن ولو لمرة واحدة في معناها، نمارس بعض العادات بدون أدنى تفكير، نؤمن بقصص وأساطير دون أن نحكّم فيها العقل لدقيقة واحدة، نصدق بعض الأقاويل ونحن ندرك في أعماقنا أنها كذب، ونبث الإشاعات بكل خفة، نكره أشخاصا معينين لأنهم لا يشبهونا، أو نحب غيرهم لمجرد أننا تعودنا عليهم، ننحاز لمواقف أو لجهات معينة لأن أهالينا منحازين لها، لدى كل واحد منا أحكاما مسبقة، وتصنيفات جاهزة، ومواقف محسومة، لكننا لا نعيد النظر فيها أبدا .. نعادي ونحقد بلا مبررات مقنعة، وبكل سهولة .. ولكنا نتردد كثيرا ونفكر مليا قبل أن نحب وأن نعطي .. كل واحد يرى عيوب الآخرين، ولا يلتمس لهم أي عذر، ويقنع نفسه كل يوم أنه أذكى إنسان في العالم، وأنه وحده من يحق له أن يخطيء ..

ببساطة شديدة .. لدينا عقول ذكية جعلتنا نتفوق على سائر المخلوقات لكننا في الحقيقة لا نستخدمها إلا في المناسبات، وباتجاهات محددة فقط، لا نفكر، لا نتأمل، لا نتوقف للحظة أمام الأشياء التي تعودنا عليها .. لكنا نؤمن أننا على قمة الصواب ..

من لم يصدق ما أقول فلينظر إلى بيته، سيجد في البوفيه طقم صحون لم يستخدمه منذ خمسة عشر سنة، وفوق خزائن المطبخ طناجر عفى عليها الزمن، وعلبة نيدو خزّن فيها ملوخية ناشفة قبل دهر، وأجهزة تعطلت ولا يمكن إصلاحها، وفي الصيدلية أدوية انتهت صلاحيتها قبل أربعة سنوات، وفي الثلاجة علبة مربى أو جبنة عفنت قبل شهرين وهو يحسبها جديدة لأنها مغلقة، في الخزانة بدلة لم يلبسها إلا مرة واحدة، وقد صارت ضيقة ومهترئة، وإذا كان لديه سِدّة أو مخزن سيجد فيه خردوات وأدات مصدية، ومروحة خربانة، وكراكيب لم تكن مفيدة أصلا. أما في علبة الحلويات الفارغة التي يستخدمها لحفظ أوراق ووثائق يظن أنها هامة، ستجد فواتير كهرباء وتلفون تعود لزمن الهاتف الآلي، وبطاقات أعراس وعناوين لأناس لا يذكرهم، وتحاليل طبية مات أصحابها، وكمبيالات للتلفزيون الذي اشتراه بالتقسيط قبل عشرين سنة ..

في بيوتنا أشياء كثيرة يجب أن نتخلص منها، أو نستبدلها، أو نجددها، لكننا لا نفعل، لأننا ننسى، أو نتناسى، أو لأننا تعودنا على وجودها، وكذلك في أنفسنا، وفي قلوبنا وعقولنا .. أشياء كثيرة بحاجة إلى تجديد ..

تعالوا لنستقبل الربيع، بعقلية ونفسية جديدة .. لنجدد حياتنا  وأفكارنا .. كما تفعل الطبيعة كل عام ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق