أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يونيو 16، 2017

أزمة انقطاع المياه.. الأسباب والحلول


الماء عصب الحياة، وشريانها.. والمفارقة أن 1% فقط من المياه التي تغطي ثلاثة أرباع الكوكب صالحة للشرب، و2% مياه متجمدة، والباقي مياه مالحة لا تصلح لا للشرب ولا للري. وهذه ال1% من المفترض أن تكفي سكان العالم، الذين تتكاثر أعدادهم بصورة مضطردة، ومعها يزداد الطلب على المياه، بالشكل الذي ينذر بأزمات مائية، قد تضع الكثير من بلان العالم على حافة العطش..

ولأن أي نقص في المياه، أو تدني نوعيته يشكل كارثة حقيقية؛ لذلك، المياه أهم القضايا البيئية والاقتصادية التي تشغل العالم، والمنطقة، وقد تشعل حروب المستقبل..

في فلسطين، تتعمق أزمة المياه لدرجة خانقة، بسبب الاحتلال الإسرائيلي، وسيطرته على المياه الجوفية، وحرمانه الفلسطينيين منها. ويصف الجيولوجي الألماني "مسرشميد" أزمة المياه في فلسطين بالمفتعلة، ويقول في كتابه "آخر شفّة" إنها سياسية بامتياز. مؤكدا أن فلسطين من البلدان التي تحتوي على مصادر مياه متجددة جيدة في المنطقة. حيث تشير بيانات الأرصاد الجوية أنه في المائة وخمسون سنة الماضية لم تشهد البلاد سنة واحدة انحبس فيها المطر، وكان معدل سقوط الأمطار على القدس مثلا 564 ملم في السنة، وهي نسبة تزيد عما يسقط في برلين، وأيضا فإن معدل الأمطار في رام الله أكثر منه في باريس. إضافة إلى أن الضفة الغربية، لديها معدل عالي من تغذية المياه الجوفية ومعدل منخفض من الجريان السطحي. وهذا يعني أنها تمتلك مخزونا جيدا من المياه الجوفية، غير أن "إسرائيل" تمنع الوصول إليها، وتمنع حفر أي بئر جوفية "عميقة".. لذلك موضوع المياه من أهم قضايا الحل النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وبحسب توصيات منظمة الصحة العالمية فإن الفرد يحتاج إلى مائة لتر ماء صالح للشرب يوميا، أو 30 لتر، في حالات الطوارئ والكوارث. بينما لا يحصل الفلسطيني إلا على نسبة أقل من 100 لتر. وطبقا لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فقد بلغ متوسط استهلاك الفرد في إسرائيل 353 لتر يوميا، وتزداد تلك النسبة لتبلغ 900 لتر يوميا للمستوطن الإسرائيلي.
وغالبا ما يحصل نقص حاد في المياه لدى الفلسطينيين، خاصة في فصل الصيف، لأسباب عديدة، أهمها تحكم إسرائيل في المياه التي تستخدمها أداة للضغط والابتزاز والعقاب الجماعي. كما أن جدار الفصل العنصري أدى إلى حجز الكثير من آبار المياه، وحرمان الفلسطينيين ما يقارب 10 مليون متر مكعب سنويا. والمشكلة في قطاع غزة أخطر، حيث يأتي القطاع في المرتبة الثانية بعد الكويت في قائمة الدول الأكثر حرمانا من مصادر المياه، كما تناقصت كمية المياه الصالحة للشرب حسب مواصفات منظمة الصحة العالمية بشكل بات يهدد بالخطر. وفي ذات السياق يجدر الإشارة إلى أن 200 تجمع فلسطيني تضم أكثر من 50 ألف مواطن لا تصلهم خدمات المياه.
ولكن، حتى لو كانت أزمة المياه في فلسطين مفتعلة، وسببها سيطرة الاحتلال على الخزانات الجوفية؛ إلا أن المشكلة على المدى البعيد أعمق وأكبر، وربما تفوق قدرة أي دولة بمفردها على مواجهتها، خاصة وأن بعض مصادر المياه غير متجددة، وتُستنزف مع الأيام؛ وبالتالي تحتاج إلى البحث عن حلول وبدائل.. وأهمها الترشيد..
وأمام هذه الأزمة برزت وجهتي نظر؛ الأولى تقول إن استهلاك المياه في فلسطين متدني أصلا، وليس هناك أي مجال لترشيده أكثر، بل إن عمليات الترشيد هي خضوع للسياسة غير العادلة التي تنتهجها إسرائيل في توزيع المياه، ويرفض أنصار هذا التيار أي محاولة للتأقلم مع القيود المفروضة. وتقول وجهة النظر الأخرى أن ترشيد استهلاك المياه سلوك حضاري، ينبغي أن يكون نهج حياة، بغض النظر عن كمياة المياه المتوفرة حاليا.
وفي الحالتين تظل أزمة المياه قائمة، يدفع ثمنها الفلسطينيون غاليا، وإلى أن يتم التوصل إلى حل سياسي شامل وعادل، يضمن حصول الفلسطينيين على حقهم االطبيعي من مواردهم المائية سيظل صانع القرار الفلسطيني أمام خيارين أحلاهما مر: إما التكيف مع القيود التي يفرضها الاحتلال، وبالتالي القبول بالوضع الراهن الشاذ، وإما رفض كل البدائل والإصرار على حصول الفلسطينيين على كامل حقهم، وبالتالي استمرار معاناة الناس اليومية من شح المياه.
وتشير الدراسات إلى في العقود الأربعة القادمة سيزداد معدل استهلاك المياه في كل فلسطين، حتى يصبح الطلب على الماء أعلى من العرض، (بغض النظر عن الوضع السياسي آنذاك)، ما يعني أن حل أزمة المياه (حاليا ومستقبلا) بالوصول إلى خزانات المياه الجوفية بكل حرية لن يكون كافيا، وربما يعني تأجيل المعضلة بضعة سنوات إضافية, وبالتالي فإن وضع إستراتيجيات مائية طويلة الأمد مسألة بالغة الأهمية لكل من سيعيش على هذي الأرض، بحيث تجمع هذه الإستراتيجيات بين الحلول السياسية العادلة والجذرية من جهة، وبين تقنيات المحافظة على المياه، وعلى الاعتدال في استهلاكها، وتقنيات إعادة استخدام المياه الرمادية من جهة أخرى.

وإزاء ذلك، تروج إسرائيل لحلول جزئية، تريد ن تستفيد منها على المستويات الإستراتيجية (السياسية والاقتصادية)؛ مثل قناة البحرين، وتحلية بحر غزة.. وهي حلول خادعة، ستجعل الفلسطينيون يتوهمون إمكانية الحصول على مياه إضافية، بدلا من نصيبهم العادل في موارد المياه القائمة، وهذا سيضعف الموقف التفاوضي الفلسطيني الذي يطالب بحقوقه من المياه الجوفية. كما سيؤدي إلى فقدان حصة وحق الفلسطينيين في نهر الأردن وإلى الأبد، وعوضا عن ذلك سيكون عليهم شراء المياه المحلاة من البحر الميت أو من بحر غزة بثمن باهظ. وهي إن مثلت حلولا جزئية لكنها ليست الحلول الأمثل، فالتحلية ليست حلاً مستداما؛ وهي أكثر كلفة بعشرة إلى عشرين ضعفاً من سعر المياه الجوفية، وتزيد من الاعتماد على الدول المانحة، وهذا الحل تروج له إسرائيل بدلا من منح الفلسطينيين حقهم من المياه الجوفية للحوض الساحلي المشترك.

,من الحلول المقترحة لحل أزمة المياه، حفر آبار جمع منزلية، وصيانة الشبكات القديمة، حيث يمكن توفير 15% من الفاقد عن طريق إصلاح الأنابيب. وبناء خزانات ضخمة لجمع المياه وإعادة توزيعها، وأيضا إقامة السدود الطبيعية والصناعية عند مجرى السيول والوديان للاستفادة من مياه الأمطار التي يتبخر ويضيع جزء كبير منها هدرا؛ حيث تعتمد فلسطين على الأمطار لتغذية الخزانات الجوفية، وتقدر نسبة الأمطار المتسربة إلى باطن الأرض بحوالي 30% من كمية الأمطار الساقطة، ما يعني أن 70% منها ضائعة..
وهذه حلول مهمة، لكن الحل المستدام هو حفر آبار تصل للمياه الجوفية العميقة، وهو الحل الأرخص والأفضل والأكثر اعتماداً على الذات، والأكثر ديمومة.. إضافة إلى إعادة تأهيل نهر الأردن وتقاسمه بشكل عادل.
ومن الحلول بعيدة المدى إعادة تدوير المياه الهامشية الرمادية، بعد معالجتها وتنقيتها واستخدامها للري وبعض الاستخدامات الأخرى.. وقد  ازدادت أهمية تدوير المياه الهامشية في السنوات الأخيرة، مع تزايد استخدام المنظفات والكيماويات والمخلفات الصناعية والمنزلية، التي تتفاقم آثارها السلبية عاما بعد آخر، حتى صارت بحد ذاتها مشكلة بيئية تتطلب حلولا عملية؛ فتكثفت وتيرة الاهتمام العالمي بمعالجة مياه الصرف الصحي كأحد الحلول المقترحة التي تسهم في تقليل الطلب على المياه العذبة من جهة، وللتخلص من المياه الهامشية مع محاولة الاستفادة منها مرة ثانية من جهة أخرى.
ولا بد من التمييز ما بين استخدام المياه الهامشية المعالَجة لأغراض الري المنزلي، وبين معالجة وتكرير المياه العادمة على المستوى الأكبر؛ حيث أن النوع الأول من تدوير المياه يتم على مستوى مشاريع متناهية الصغر، أي على مستوى منزل واحد أو عدة منازل متجاورة، وهذا يتطلب تقنيات بسيطة، لترشيح مياه الصرف الصحي المنزلي الخارجة فقط من المغاسل والبانيو والدوش، واستخدامها لأغراض الري، وبعض أعمال التنظيف. وفي هذا النوع من المعالجة يتوجب أن تكون مواسير المجاري الخاصة بالمغاسل والبانيو والدش منفصلة تماما عن مواسير المجاري الخاصة بالمراحيض.
وأبسط أنظمة استخدام المياه الرمادية وضع سطل لتجميع المياه أسفل المغسلة، ثم استخدامه في الزراعة أو التنظيف، لكن استخدام المياه الرمادية (غير المعالَجة) في الري سلوك خاطئ، لما تشكله من أضرار بالغة على الصحة العامة، وعلى النباتات والتربة أيضاً. فالمياه الرمادية غير المعالجة تحتوي على ملوثات كيماوية ضارة، وعلى أنواع من البكتيريا الممرضة، والأميبا وغيرها، لذا يجب معالجتها قبل استخدامها.. وإذا تمت معالجتها واستخدامها بحذر، وحسب الأصول الصحيحة؛ فهذا يعني توفير الكميات اللازمة من مياه الري، حيث يمكن لكل منزل أن ينتج ما معدله 250 ليتراً من المياه الرمادية في اليوم، وهذه المياه تزيد من خصوبة التربة لاحتوائها على بعض العناصر الكبرى والنادرة الضرورية لنمو النبات، وهذا بدوره يسهم في توفير نفقات تفريغ حفر الامتصاص الصحية، حيث يقل الضغط عليها.

ولتعميم الفائدة أكثر، والاستفادة على نطاق أوسع، ينصح بالعمل على المستوى الوطني، وذلك بدعوة  المساجد والفنادق والمسابح والمطاعم والمستشفيات والأبنية الكبيرة والمرافق العامة على اعتماد هذا النظام لمعالجة المياه الرمادية وإعادة استعمالها. حيث يمكن الاستفادة من ثروة مائية تتجمع في هذا المجال. ويمكن تقدير كمية المياه الرمادية المنتجة في فلسطين بنحو 106 مليون متر مكعب.

أما تكرير المياه العادمة على المستوى الأكبر فيتم من خلال  شبكة صرف صحي مرتبطة بمحطة معالجة وتكرير؛ فمثلا مدينة البيرة، تتوفر فيها شبكة صرف صحي ومحطة معالجة، ولكن هذا الوضع لا ينطبق على مدن أخرى؛ ففي الخليل مثلاً، توجد شبكة ولا يوجد محطة معالجة، بل تتدفق المياه الملوثة عبر الوادي لمسافات طويلة. كما أن وجود محطة معالجة لا يعني بالضرورة سلامة البيئة؛ فمحطة رام الله تعاني من قصور في الأداء.
وحسب البيانات الرسمية 1 % فقط من المياه المعالجة يعاد استخدامها، فيما تترك 99 % منها تنساب في الوديان دون فائدة، وتتحمل لجنة المياه المشتركة التي تتحكم إسرائيل بقراراتها المسؤولية عن عدم الاستفادة منها؛ فالاحتلال يرفض منح التصاريح اللازمة لجر المياه خارج المدن، أو إلى الأغوار بحجة أن شبكة الأنابيب تعبر المنطقة المصنفة «ج».

ومن أبرز معيقات مشروع الاستفادة من المياه الهامشية المكررة أن أغلب الناس يعارضون استخدامها في الري، لارتباطها في أذهانهم بالمجاري والتلوث والأمراض، وهذا يتطلب حملات توعية وتثقيف لأهمية الموضوع، وطرق المعالجة الصحيحة. وأيضا، ما يتعلق بتصميم شبكة مواسير المجاري، خاصة وأن البيوت القديمة لا يوجد فيها نظام فصل بين مواسير مياه الحمام ومواسير مياه المطبخ والمغاسل، حيث جميع المواسير متصلة معاً، لتصب في النهاية في شبكة المجاري العامة، أو في حفرة الامتصاص، وفي هذه الحالة لا يمكن إتباع أي نظام لمعالجة المياه العادمة، لأنها مياه سوداء شديدة التلوث، ولا تصلح للري، ولا يمكن معالجتها إلا في محطات تنقية خاصة تستعمل تقنيات معقدة. في حين أن تمديد شبكتين منفصلتين في البيوت الجديدة لتصريف مياه الصرف الصحي سيزيد من التكاليف والأعباء، مع أنه في النهاية سيؤدي إلى تقليل النفقات وتوفير مياه معالَجة، وتخفيف الضغط على حفرة الامتصاص، دون أية آثار سلبية على الصحة العامة أو على البيئة.
في الأعوام السابقة تم تنفيذ جملة مشاريع خاصة بمعالحة المياه الرمادية واستخدامها في الزراعة، وقد تركزت هذه المشاريع في الأغوار الشمالية، وفي قرى "قبية" و"خاراس" و"نوبا" و"ديرسامت"، وفي قطاع غزة، والتي شملت تقديم منح لعدد من الأهالي لإنشاء محطات معالجة في باحات منازلهم، نفذتها مؤسسات عديدة منها: مركز العمل التنموي "معاً"، وجامعة بير زيت، والإغاثة الزراعية، ومؤسسة الهيدرولوجيين الفلسطينيين.
بالمختصر، المياه الهامشية ثروة مائية مهدورة.. إذا عولجت؛ يمكن الاستفادة منها لحل أزمة المياه، وتوفير مبالغ مالية طائلة.. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق