في الأوقات الطويلة التي يمضيها معظمنا أمام
شاشات التلفزيون، نتعرض لحملات استهبال مستمرة، ولأنها غير عادية، وتفترض دوما "غباء"
المشاهد، فقد نجحت بتسويق بضاعتها، وفي النتيجة ظهرت لدينا أجيالا مشوهة وسطحية، وإليكم
بعض الأمثلة:
في أفلام "هوليود"، الصينيين
دوما عبارة عن عصابات دموية، والمكسيكان أشرار، والعرب متخلفون، والمسلمون إرهابيون،
الأمريكي وحده هو المتفوق والطيب والإنسان، وبقية الشعوب إما مبهورة بالنموذج
الأمريكي، وتكافح لتقليده، وإما مهزومة أمام جبروته وذكائه. وحتى لو هبط كائن
فضائي قادم من آخر الكون، فإنه حتما سيهبط في أمريكا دون غيرها.
في أفلام الكوارث الطبيعية التي تدمر
الكرة الأرضية أو معظمها، يأتي دمار الحضارات الأخرى مجرد لقطة عابرة، بينما المدن
الأمريكية وحدها التي تواجه المأساة، وتنبعث من جديد، وقد يعرض الفيلم مقتل مليون
إنسان، وتدمير مدن بأكملها، إلا أن المخرج ينجح بجعلنا غير آبهين بكل هذه الخسائر،
مبقين عيوننا وقلوبنا متابعةً لبطل الفيلم وعائلته وكلبهم بالطبع، لنتنفس الصعداء
أخيرا عندما ينجوا بحياتهم ..
البطل "الأمريكي" مسدسه لا
يفرغ، وحتى لو بدّل عشرين مخزن رصاص فإن سلاحه لا يسخن، ويصيب من أول طلقة، وقد ينفجر
من خلفه مصنعا، أو سربا من السيارات يصل لهيب الانفجار إلى عنان السماء دون أن
يرجف، أو يهتز، بل حتى لا يلتفت خلفه ولو من باب الفضول لرؤية الانفجار. في مطاردة
واحدة تقع عشرات الحوادث، ويتحطم خلالها ما يعادل خط إنتاجي كامل من السيارات،
وسيارة البطل تهبط عن الدرج، وتقفز فوق الحواجز، وتتعرض لإطلاق النار، والسائق
يتبادل النكات مع زميله. وبعد أن يقتل البطل عشيرة كاملة، يمتنع عن قتل
"حية" لأنه رقيق أمام الحيوانات، وفي المساء يطلب بيتزا بالخضار لأنه
نباتي ..
هذا على مستوى الإخراج الفني وتقنيات
التصوير والإنتاج، أما على مستوى المضامين الخفية والرسائل الموجهة فهذا موضوع
خطير (وبستاهل دراسة)، وجماعتنا للأسف مجرد متلقين.
نأتي للفواصل الدعائية، ليصل الاستهبال
إلى ذروته: "بيرسيل" يقضي على البقع العنيدة حتى لو كان أفرهول ميكانيكي
انتهى للتو من تصليح قلاب، طبعا كذب، إذا أجت نقطة زيت على قميصك اختصر وحوله
لممسحة. زيت "العربي" خالي من الكوليتسرول وخفيف عالقلب، وهذا خداع لأن
جميع الزيوت النباتية بطبيعتها خالية من الكوليسترول، مش بس العربي، وللعلم غرام
واحد من الزيت يعطي سعرات ضعفين ونصف عن غرام السكر. شامبو "بانتين"
يمنع تساقط الشعر، لو هالحكي صحيح لم نجد أصلع واحد في بلادنا، "هيد أن
شولدرز" الوحيد الذي يقضي على القشرة، أيضا غير صحيح، لأنه اللي بتحمم
باستمرار بأي شامبو لا تظهر عنده قشرة. أطباء الأسنان ينصحون باستعمال معجون
"سيجنال"، وبعد دقيقتين في دعاية ثانية: أطباء الأسنان ينصحون باستعمال
"كلوس أب" وهكذا (ونفس الشي فراشي الأسنان)... "ديتول" يقضي
على مائة نوع من الجراثيم، وهذا تضليل، لأن أنواع الجراثيم الممرضة التي تؤثر على
الإنسان لا تتجاوز العشرات، كما أن غسل اليدين جيدا بأي نوع صابون (بنصف السعر)
يقضي عليها بنفس الفاعلية.
دعايات تخسيس الوزن كلها كذب ودجل؛ فهي تصور بطل الدعاية قبل
استعمال المنتوج السحري بكرش منتفخ، ثم تصوره بعد الاستعمال وهو واقف مثل الرمح،
ومبتسم، وشافط كرشه حتى يكاد ينقطع نفسه. أما لتسويق عصّارة جزر أو طنجرة ضغط
فتأتي ست البيت وهي تستخدم نوع آخر وهي مكشرة وملخومة، ثم تأتي في النصف الثاني من
الشاشة وهي تستخدم الأداة الصح وهي مبتسمة من الذان للذان ومرتاحة عالآخر .. "ستربسلس"
بنكهة الليمون وصورة عسل على العبوة تعالج جفاف الحلق أحسن من العسل الطبيعي
والليمون الحقيقي مجتمعين، كيف صارت هاي !!
اشتري سيارتك المفضلة بأقساط ميسّرة
ومريحة (سعرها 25 ألف دولار، والتقسيط أقصى حد أربع سنوات) يعني قد ما يكون القسط
مش ممكن يكون لا ميسّر ولا مريح .. والمصيبة مع دعايات الشقق: قسّط على راحتك
(وخلي حفيدك يكمل عنك)، لأنه أقل شقة سعرها مائة ألف دولار، ومع فوائد الأقساط
تصبح مائتي ألف .. المهم تكون مرتاح ومبسوط ،، كيف ما بعرف !!
بعض الدعايات تجعلك تقتنع بأن حياتك
بائسة، وغير ممكنة بدون هذا المنتج، قد يكون المنتج مكنسة، أو ليفة جلي، أو شي
عمرك ما سمعت فيه قبل هيك، وبالتالي سارع بالاتصال قبل نفاذ الكمية، لتحظى
بالسعادة .. أحلى شي الدعايات المصرية: اشتري كمبيوتر وأحصل على ماوس وكيبورد
مجاناً !! وآخر صرعة: تسويق الأدعية والابتهالات؛ اتصل عالرقم زيرو زيرو ستطاعشر،
وإحنا نتقرب إلى الله ونخشع بين يديه نيابة عنك وأنت مرتاح !!
نأتي إلى نشرات الأخبار، حيث الإستهبال
على أصوله: حسب "العربية": الحوثيين غزاة، والسعوديين أهل البلاد
الأصليين، وضحايا القصف هم فقط من المتمردين على الشرعية. وحسب
"الجزيرة"، لا يوجد حي أو شارع أو زقاق في مصر إلا ويرفض "الانقلاب"
ويشتم "السيسي"، وكل المواطنين مستعدين لدفع حياتهم ثمنا مقابل إرجاع
"مرسي". وحسب "المنار"
كل المعارضة السورية إرهابيين ودواعش. وحسب "الميادين" الجيش
السوري قضى على فلول المعارضة، ومش ضايل إلا شوية. وحسب "العربية"
و"الجزيرة" ومن لف لفيفهما كل القتلى والجرحى والمهجّرين السوريين من
ضحايا النظام فقط، أما المعارضة فهم ملائكة، وعمرهم ما قتلوا حدا، وقذائف الهاون
سبحان الله ما بتصيب إلا معسكرات الجيش ومقرات المخابرات !! الفضائيات العراقية
إما تدافع عن "عائشة" أو تطالب بثارات "الحسين"، ولا كأنه
عايشين في القرن الحادي والعشرين، وكل محطة تتهم الآخرين بالطائفية ..
في الأردن، ارتعدت فرائض الناس، واهتزت
أركان المجتمع، وقامت القيامة من أجل برنامج "سخيف" .. ونسوا كل شي...
الكساسبة، والدوابشة، وألآن الكردي، وداعش، والمستوطنين، واللاجئين .. ودقوا بقناة
"رؤية" .. يا عمي سيبوكوا من هالحكي الفاضي، وشوفوا مصايب الإعلام
العربي، ولوين ماخذنا .. وسلامتكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق