أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

ديسمبر 24، 2020

الدور الوظيفي للإخوان المسلمين

 

ثمة مقولة دارجة في الأوساط السياسية، مفادها "أن للإخوان المسلمين دور وظيفي يتلخص في مناهضة الحركات الوطنية والتقدمية في العالم العربي، ودعم وإسناد النظم الرجعية والاستبدادية، والمرتبطة بأمريكا".. وهذه المقولة يُعاد طرحها الآن بقوة بعد قيام رئيس الحكومة المغربية سعدالدين العثماني (زعيم حزب العدالة والتنمية "الإخواني")، بالتوقيع على اتفاق التطبيع مع إسرائيل.

لنناقش هذه المقولة، دون اتهامات أو إصدار أحكام..

لنبدأ من مصر؛ حيث انطلقت الجماعة في أواخر العشرينات من الإسماعيلية (التي كانت مركزا للقوات الإنجليزية)، وكان من المفترض أن تركز الجماعة على مقاومة الاحتلال الإنجليزي، وأن يكون ذلك مبرر وجودها، ولكنها بدلا من ذلك ركزت على الجوانب التربوية والنشاطات الاجتماعية، الأمر الذي جعل من الإنجليز يغضّون النظر عن تنامي قوتها، بل إن بعضهم يؤكد أن الجماعة تلقت دعما ماليا وسياسيا من الإنجليز مقابل صرف توجهات الجماهير عن فكرة المقاومة، وإشغالهم بالقضايا الاجتماعية والشكلية.

وعندما سحب الملك فؤاد دستور 23 واستبدله بدستور جديد، يعيد للملك الحقوق التي سلبها منه دستور ثورة 19، اعترضت القوى الوطنية على الدستور الجديد، وعمت المظاهرات الشعبية العديد من المدن المصرية، ورفض الإخوان المشاركة فيها.

كما أيدوا حكومة علي ماهر، رجل القصر الرافض للحزبية والديمقراطية، وتحالفوا معه واعتبروا وزارته وزارتهم. وأيدوا  حكومة إسماعيل صدقي، المعروف بالاستبداد، وأنه أول مزور للانتخابات في مصر. كما باركوا تعيين حافظ عفيفي رئيسًا للديوان الملكي، المرفوض شعبيا.. ولما أعلن الزعيم مصطفى النحاس إلغاء معاهدة 36، وبدء العمل الفدائي ضد القاعدة العسكرية الإنجليزية في القناة، صرح مرشد الإخوان بأن أعمال العنف لن تُخرج الإنجليز من البلاد، وأن واجب الحكومة هو أن تفعل ما يفعله الإخوان: تربية الشعب وإعداده؛ فذلك هو طريق إخراج الإنجليز. وخطب في مؤتمر حاشد لشباب الإخوان قائلا (اذهبوا واعكفوا على تلاوة القرآن).

وبعد ثورة يونيو وقف الإخوان ضد الثورة، وفي العام 1954 وأثناء إلقاء عبد الناصر خطابا في المنشية تعرض لمحاولة اغتيال، اتهم الإخوان بها، كما جرى اتهامهم بمحاولة إسقاط النظام في بداية الستينيات. وظل موقفهم معاديا لعبد الناصر، ومتحالفا مع السعودية حتى بداية السبعينيات.

ومنذ استلام السادات للسلطة، أخرج جميع كوادر الإخوان من السجون، وسمح لهم بالتحرك، وإقامة معسكرات تدريب، ونشر كتبهم، وكان غرضه: التخلص من إرث الناصرية، ورموزها، والقضاء على الشيوعيين واليساريين، وكسب تأييد ضمني (أو غض الطرف) عن سياسة السادات الجديدة في الصلح مع إسرائيل.

وقد أسند السادات وزارة الأوقاف للشيخ الشعراوي (المؤيد للإخوان)، ولم يكن هذا التجلي الوحيد للتحالف الجديد، فقد امتنع الإخوان عن معارضة زيارة السادات للقدس، وعن إدانة كامب ديفيد، واكتفوا بإصدار بيانات، دون أي حراك شعبي، بل إن الشعراوي قال في شهر مارس 1978 مدافعا عن السادات أمام مجلس الشعب: "لو كان لي من الأمر لحكمت لهذا الرجل بألا يُسأل عمّا يفعل".

وفي عهد مبارك، استمر التحالف الخفي بين النظام والإخوان، رغم حملات الاعتقال، حيث سُمح للجماعة بالتحرك، والتوسع، والمشاركة في انتخابات النقابات والبرلمان، والهيمنة على مناطق شعبية عديدة، مقابل غض النظر عن سياسات النظام الخارجية، والاقتصادية.

بعد ثورة يناير، عقد الإخوان صفقة ثلاثية تجمعهم مع المجلس العسكري والأمريكان لحكم مصر، ووثقوا علاقاتهم مع إدارة "أوباما". وفي إبريل 2012 أرسل الإخوان وفدا إلى واشنطن، في محاولة لتحسين صورة الجماعة أمام الإدارة الأمريكية وإبرازها على أنها حركة معتدلة، وكان مضمون الرسالة التطمينية التي حملها الوفد تتلخص في الحفاظ على موقف مصر تجاه السياسة الخارجية الأمريكية.. والتمسك بمعاهدة السلام مع إسرائيل.

وبالفعل، بعد فوزهم في الانتخابات، قدم الرئيس مرسي تعهدا باحترام الاتفاقيات الدولية، وخاصة كامب ديفيد، والسماح بعودة السفير الإسرائيلي إلى القاهرة، وإعادة افتتاح سفارة مصر في تل أبيب، مع رسالة معنونة "إلى صاحب الفخامة السيد شمعون بيريز رئيس دولة إسرائيل، عزيزي وصديقي العظيم".

في دول أخرى كانت الجماعة تتخذ نفس المنحى؛ ففي الأردن ظل الإخوان جزءًا أساسيا من النظام، وحليفا قويا للقصر، وفي دول الخليج وخاصة السعودية والكويت كانوا أيضا متحالفين مع النظام وداعمين له. في السودان تحالفوا مع النميري، وأسموه "الرئيس المؤمن"، ثم انقلبوا على خيار الديمقراطية، ونصبوا البشير خليفة، وظلوا ركنا أساسيا لنظامه، حتى تنصلوا منه أواخر أيامه. وفي سوريا تحالفت "حماس" مع النظام السوري، قبل اندلاع الثورة، وحتى عامها الأول، رغم خلاف النظام البعثي مع الإخوان، ووجود قانون يقضي بإعدام أي عضو من الإخوان. وطالما أشاد خالد مشعل بالأسد، وكذلك فعل العريفي والقرضاوي، ولكن بعد تصاعد الأحداث انقلبوا عليه. ثم باركوا قصف الناتو لليبيا، وتدميرها، وطالبوا أمريكا أن تفعل نفس الشيء في سوريا (خطبة القرضاوي).

 في العراق، بعد سقوط النظام، وتنصيب الحكومة (الأميركية) انخرط الإخوان في نظام "بريمر" (عُيّن "الإخواني" طارق الهاشمي نائبا للرئيس). وفي العقد الأخير تحالف الإخوان مع قَطَر، وصاروا أهم مكون لقناة الجزيرة، بكل ما عليها من ملاحظات سلبية. وفي تونس صوت حزب النهضة ضد قانون تجريم التطبيع. وفي المغرب أصدر الإخوان بيانا مؤيدا للتطبيع، وداعما للملك.

في تركيا، يقيم أردوغان (المتحالف مع الإخوان) علاقات قوية ومتنامية مع إسرائيل، وقد زارها ثلاث مرات، وما زال الإخوان في الدول العربية يباركون احتلال تركيا لشمال سوريا. كما أيدوا أذربيجان (المدعومة من إسرائيل) في حربها مع أرمينيا.

في فلسطين، كانت جماعة الإخوان التنظيم السياسي الوحيد الذي يعمل علانية ودون مضايقات من الاحتلال، بل أنه حصل على ترخيص رسمي للعمل من وزارة الداخلية الإسرائيلية تحت اسم "المجمع الإسلامي" عام 1973، وكانت إسرائيل تغض الطرف عنهم لأنهم كانوا يرفضون الكفاح المسلح، وجلّ نشاطهم في المجال الاجتماعي والدعوي، وكانوا في حالة صِدام مع القوى الوطنية، الأمر الذي استفادت منه إسرائيل في زعزعة مكانة منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها ممثلا للشعب الفلسطيني.

وبعد عقود من معاداة منظمة التحرير واتهامها بالتفريط والتهادن مع إسرائيل، أعلنت حماس تبنيها لأطروحة الدولة الفلسطينية على أراض 67، وتم تأكيد ذلك في وثيقة حماس (أيار 2017).

وفيما ترفض حماس المشاركة في المجلس الوطني الفلسطيني، يشارك الإخوان في الانتخابات الإسرائيلية ولديهم أعضاء في الكنيست.. وفي الأزمة الإسرائيلية الأخيرة، تحالف منصور عباس رئيس الحركة الإسلامية مع نتنياهو، في خطوة مناقضة لموقف القائمة العربية المشتركة.

من المؤكد أن للجماعة تفسيراتها وإجاباتها على هذه الأمثلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق