أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

نوفمبر 21، 2016

ظاهرة خطيرة


في تقرير منشور على اليوتيوب، ظهرت فيه شابة فلسطينية تدعى "ساندرا"، وهي ترتدي العلم الإسرائيلي في رقبتها، وعلى ذراعها وشم بالعبرية، مع نجمة سداسية، وكانت تتحدث من كندا، حيث قالت إن عائلتها تخلت عنها، وتبرأت منها، بسبب تركها الإسلام، وتبنيها الشعارات الصهيونية، ودفاعها عن إسرائيل. و"ساندرا" هي إبنة شقيقة المناضل الراحل "صخر حبش"، عضو اللجنة المركزية لفتح. وأوضحت في مقابلتها مع القناة الإسرائيلية بأنها نشأت في بيت تربى على كره اليهود، لكنها تعتذر من كل يهودي قامت بسبه في يوم من الأيام، وأضافت بأن حماس لا تختلف بشيء عن داعش، وختمت حديثها بالقول: "لا أخشى أن أقتل في سبيل قول الحق، وأتمنى أن أزور إسرائيل، وأرفع علمها"..


وفي حالة مشابهة سابقة، كان الشاب "مصعب"، قد هاجر إلى أمريكا، وهناك أعلن عن تركه الإسلام، واعترف بعلاقاته الوثيقة وتعاونه مع جهاز الموساد الإسرائيلي، حتى أنه اعترف بتورطه بتقديم معلومات أدت إلى اغتيال العديد من المناضلين الفلسطينيين، وعبر عن إعجابه بإسرائيل.. و"مصعب" هو ابن القيادي في حماس الشيخ "حسن يوسف".

وفي حالة مشابهة، ولكن في سياق مختلف، قالت الناشطة السعودية "خلود بارعيدة"، إنها تخلت عن الإسلام، وهي الآن تعتنق مذهب قريب من فكر الحلاج وابن عربي وبوذا.. وفي مقابلة مع التلفزيون الألماني، أوضحت بأن تحولها جاء نتيجة مشاهداتها للممارسات المروعة في سجن النساء في السعودية (المعروف باسم المؤسسة)، حيث أمضت هناك فترة عقوبة، بعد أن ضبطتها هيئة الأمر بالمعروف في حفل شبابي مختلط، فحكمت عليها بالسجن أربع سنوات مع ألفي جلدة.. وأضافت "بارعيدة"، بأن النظرة الدونية للمرأة في السعودية، وحجم الظلم الواقع عليها كانت من بين أسباب تخليها عن الإسلام..

العائلات التي تنتمي إليها الحالات الثلاث السابقة عائلات محترمة ومناضلة، ومعروفة في المجتمع، وما حصل مع أبنائها لا يعيبها بشيء، ولا يسيء لسمعتها، ولا ينتقص من احترام المجتمع لها.. ومن غير المسموح لأي أحد استغلال هذه القصص للنيل منهم.. فكل شخص مسؤول عن أفعاله، ويتحمل لوحده وزرها..

وقبل هذه الحالات بسنوات قليلة، كانت الكاتبة الصومالية "آيان هيريسي" قد أصدرت كتابا بعنوان "البدوي" شنت فيها هجوما على الإسلام، وكذلك فعلت الكاتبة الباكستانية "إرشاد منجي" التي أصدرت كتابا بعنوان "الخلل في الإسلام"، وفي حالة أخرى تحوّل فيها إمام مسجد في الأردن يدعى "خلف يوسف" إلى ملحد يجاهر بكفره..
سرد هذه القصص، ليس بهدف الإثارة، ولا لصب اللعنات على أحد.. الهدف إيجاد قاسم مشترك بينها، ومحاولة فهم دوافع هؤلاء لترك الإسلام، ومعرفة الأسباب والظروف التي جعلتهم يتمردون على أسرهم، ويخرجون على مجتمعاتهم..
بنظرة أولية سنجد أن غالبية الحالات جاءت من بيئات اجتماعية متزمتة، تمتهن المرأة بشكل أو بآخر، بعضهن  كانت لهن تجربة خاصة مريرة، فمثلا، تتذكر "خلود بارعيدة" قصص معاناتها في السجن، وتروي أهوالا من التعذيب النفسي تتعرض له المرأة السعودية في السجن، وفي البيت، وفي المجتمع. الباكستانية "إرشاد منجي" تروي قصتها مع والدها الذي كان يضرب العمال بقسوة، ويعاملهم كالعبيد، وكيف لحقها بالسكّين ليذبحها، وكيف هربت. الصومالية "أيان هرسي" تشرح تأثير القبيلة البدوية التي انحدرت منها وعاداتها الاجتماعية الموغلة في التخلف، خاصة في اضطهاد النساء. الفلسطينية "ساندرا"، ذكرت أنها كانت قد نشأت في السعودية، وتحدثت عن إحساسها بالدونية الذي عاشته كمرأة هناك، وأن أهلها ومجتمعها فرضوا عليها الحجاب.. الأردني "خلف" اعترف بأنه ذو ميول جنسية مثلية، وأنه لم يستطيع العيش في مجتمع لا يحترم "حقوقه الجنسية".. أما "مصعب" فيبرر تخليه عن الإسلام بأنها مسألة قناعات.. لكن المختلف في قصته أنها تأتي في إطار العمالة، والوقوع في شباك الموساد.. وهذا موضوع آخر منفصل..
جميع الحالات السابقة نُبذت من المؤسسة الدينية، ومن المجتمع، وتعرضت لوابل من التهم والشتائم، وقد صدر بحقهم/ن العديد من فتاوى التكفير وهدر الدم والدعوة لقتلهم كمرتدين وكفار.. لكنهم لجؤوا إلى أمريكا وأوروبا لينعموا هناك بحماية الدولة، وبأجواء من الحرية الكاملة، تمكّنهن من مواصلة دروبهم التي اختاروها لأنفسهم.
ربما يظن البعض أن هذه ليست بظاهرة عامة، وأنها مجرد حالات استثنائية فردية.. صحيح أنها حالات تحدث في أي مكان وزمان.. لكن في المجتمعات الغربية قد يعلن الفرد تغيير دينه، ولا يتعرض لأي مساءلة أو ملاحقة أو نبذ.. أما في البلدان العربية والإسلامية، فالأمر مختلف تماما.. لذلك لا يجرؤ العديد من الناس عن التعبير عن معتقداتهم وقناعاتهم خشية من ردة فعل الأهل والمجتمع، أو حتى الدولة نفسها.. لذلك يصعب تقدير إلى أي مدى تمثل مثل هذه الحالات رغبات مكبوتة عند آخرين.. إذ أن ما يحدث فى العمق لا يظهر على السطح بوضوح.. اطلعت على تقرير مفاده أن 30% من العراقيين باتوا يعتبرون أنفسهم غير مؤمنين (ربما بعد خيبة أملهم بالتنظيمات المحسوبة على الإسلام).. وشاهدنا عائلات سورية مهاجرة التجأت للكنيسة وأعلنت عن تنصرها.. بعدما رأت إجرام الجماعات التي تقتلها باسم الإسلام..

إضافة للقهر الاجتماعي الموجود أصلا، والذي يتفاقم يوما بعد يوم، جاءت موجة التطرف الديني والتعصب الطائفي، وما ترافق معها من عمليات تقتيل وإعدامات وحروب وتهجير وتفجيرات.. ومع صعود داعش وممارساتها الفظيعة التي نسبتها للإسلام، تكون دائرة الاستبداد والقهر قد استكملت لتطبق على رقاب العباد، الأمر الذي دفع البعض لينفر من الإسلام.. متأثرين بالصورة السلبية عن الإسلام التي طبعتها داعش في أذهانهم، أو محتجين على الفساد والخراب الذي يعم المنطقة، وهذه التحولات متوقعة، فإذا خاطب الله نبيه بقوله: (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، فكيف يكون وضعنا نحن؟!

وهذا ما يؤكد على أن داعش ومشتقاتها من التنظيمات الإرهابية أساءت أول ما أساءت للإسلام نفسه.. وشوهت صورته.. طبعا الإسلام بريئ من هؤلاء جميعا..
الموضوع ليس فقط داعش؛ فعندما نكبّل الفرد ونمنع حرياته الشخصية، أو عندما لا نفهمه، ونستخف بإنسانيته، أو عندما يحس هذا الفرد بالظلم والاضطهاد، فإنه يصبح ميالا أكثر للانشقاق، والخروج على المجتمع، ومعاداته، ومعاداة أفكاره ومعتقداته..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق