أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يونيو 25، 2010

ليل العراق طويل

منذ بدء الكون والشمس في العراق أجمل من سواها، لون الغسق ساعة الغروب، يفوح منه شذى الريحان ورائحة الخروب، هواؤها مغمسا بالضوء، ونساؤها كآنية الفضة، إذا شمألْت نحو أربيل أو اتجهت صوب الجنوب، الناس كلهم يشربون من نهرين ويسقون زرعهم من غيمة واحدة، الطوائف تفصلها ستارة من هواء، والفرات خيطٌ يربط البداية بالنهاية والتكوين مع القيامة، من حجارتها يقطر الماء، ومن رحم الأرض يتناسل النخيل، ومن موّالها وُلد الحنين.


وذات ليلة ظلماء من سنين هذا العصر المجنون، وبأمر من نيرون أمريكا الجديد اندلع الحريق، أراد أن يطفئ شمس العراق ويحرم عشاقها ضوء القمر، فتزاحمت عليه الأساطيل والطير الأبابيل، وحلقت في سمائه الغربان، وعاثت في شوارعه البغاة ولصوص الليل، كان الشر يسيل من لعابهم ومن عيونهم يقطر الحقد، أصواتهم كفحيح الأفاعي، أرادوا لبغداد أن تغير اسمها أو تنسى محفظتها على مقعد حافلة.

في بغداد اليوم لا يحتاج القتيل إلى هوية، فكل قتيل قاتل، آثار التعذيب تدل عليه ونوع الرصاص يدل على الفاعل، في بغداد لا توجد بين القتلى مسافة، مركب الموت لا يمشي إلا على الخط السريع ولا يحتاج لأكثر من برهة تفصل بين دقتي قلب مضطرب، أسماء القتلى صارت لكثرتها تدون في دليل التلفون، دور العبادة المكان المفضل لقناص طائفي، والأسواق بمن فيها أسهل الأهداف للقنابل البشرية.

في حي الكاظم، ثمة أرملة اختصرت الحرب على زوجها ما تبقى له من السنين، فاكتشف الطائفيون أنها ليست من طائفتهم فأرادوا أن يختصروا من غرفتها الوحيدة أربعة جدران، ومنحوها لفرط كرمهم بضع ساعات لتغادر الحي ليعبدوا ربهم فيه دون شوائب، وفي العامرية على بعد ميلين فقط نسي المغاوير هناك أن لحم الأطفال في ملجأه قد انصهر مع الحديد قبل عقد من الزمن، وتذكروا أن الرسول لم يشرب في حياته ماءً مثلجا لأن أمريكا نسيت أن تتفتح فرعا لمصانع الثلاجات في يثرب، وتذكرت أن تخصص خطا لإنتاج المسدسات والقنابل من كل نوع في كل حي يقطنه المجاهدون.

في عمان وقرب الساحة الهاشمية، أم عراقية نسيها الزمن، بعد أن نسيت سكاكين الفتنة أجزاءً من لحمها فنجت بما تبقى منه وافترشت الرصيف، تبيع السجائر وتنفث مع دخانها زفرات الذكريات وأطلال البيت في السيدية، وصورة الابن البكر الذي قضى في حرب إيران، والصبية التي فض بكارتها جندي المارينز، والأوسط الذي غيبته عتمة السجون، أما الصغير فكان أمامها يلهو بلعبة سيبيعها بعد حين لطفل آخر، سيسعد بها حتما أما هو فسيؤمن عشاءه، وأما هي فتذكرت قول السياب ورددته في سرها: الليل حتى الليل هناك أجمل لأنه يحتضن العراق، والليل هنا أطول.

ليل العراق طويل طويل.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق